- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:السحر والجن والحسد
لفظة نبوية وردت في حديث من أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، وذلك في معرض الحديث عن فضل سورة البقرة، وعظيم دورها في حماية الناس من شر الشياطين ومن كيد السحرة والجان، ولعموم بركتها وكثرة خيراتها. والحديث الذي وردت فيه، يرويه الإمام مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (اقرأوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة) رواه مسلم.
ويرد هنا سؤال عن أهمية سورة البقرة وأسباب بركتها وخيريتها، والرابط بينها وبين الوقاية من الجن والشياطين، وفوق ذلك: من هم "البطلة" الذين ورد ذكرهم في الحديث، ومعنى عدم استطاعتهم لها، وما أهمية هذه السورة للذين ابتلاهم الله بأمراض السحر وكيد الساحرين.
بداية نقول: إن سورة البقرة من أعظم سور القرآن الكريم، وهي -كما هو معلوم- أطول سوره على الإطلاق، جاء في فضلها العديد من الأحاديث سواء ما تعلق بالسورة كلها أو ببعض آياتها، فمثال الأول: حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (اقرأوا الزهراوين: البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان -أي الظلة- أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما) رواه مسلم، ومثال الثاني: الفضل الوارد في آية الكرسي، والدال على أنها أعظم آيات القرآن.
وسورة البقرة أخذها بركة، و(الأخذ) هنا لفظ مشعر بكل أنواع التعامل مع هذه السورة الكريمة، فحفظها بركة؛ لأنها تشفع لصاحبها يوم القيامة، كما صح بذلك الحديث، وقراءتها بركة؛ لأنها كثيرة الآيات، والمرء يؤجر على كل آية بالحسنات المضاعفة كما هو معلوم، والأهم من ذلك ما يتعلق بموضوعنا: فقراءة هذه السورة حماية لأهل البيت من الأذى الذي تسببه الشياطين، وسماعها بركة؛ فالمرء يؤجر على سماعه القرآن، ثم إن من بركة هذا السماع حصول الحماية المذكورة آنفا، والرقية بها بركة؛ إذ يحصل الخير العميم من الرقية بها، وتكون سببا في شفاء المسحور من سحره.
فإذا كانت السورة بمثل هذه البركات المتنوعة الحاصلة لقراء هذه السورة وحفاظها والمستمعين لها والمسترقين بها، كان من الواضح أن من أعرض عن هذه السورة تلاوة وحفظا واهتماما أن يفوته خيرا الدنيا والآخرة، وكل من قصر في التعامل مع هذه السورة العظيمة، سوف يقف موقفا يوم القيامة يتحسر على أوقاته التي ضاعت دون أن ينتفع بما في قراءة هذه السورة من الخير والبركة؛ وذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (وتركها حسرة).
(ولا تستطيعها البطلة) ، هذا هو اللفظ الثالث الوارد في الحديث، والذي قد يحتاج إلى توضيح، وقد ذكر شراح الحديث في المراد معاني ثلاثة: الأول: لا يقدر على تحصيلها حفظا وتلاوة أصحاب البطالة والكسالة لطولها، فهي لذوي الهمة العالية. الثاني: أن البطلة هم السحرة؛ لأن ما يأتون به باطل، سماهم باسم فعلهم الباطل، أي: لا يؤهلون لذلك، أو لا يوفقون له. الثالث: أن المعنى لا تقدر على إبطالها أو الإضرار بصاحبها السحرة؛ وذلك لقوله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} (البقرة: 102)، وكلها معان صحيحة يشهد لها الواقع، وما يهمنا هنا المعنيين الأخيرين، فالسحرة غير قادرين على قراءتها؛ لزيغهم عن الحق وانهماكهم في الباطل، وهم غير قادرين على الإضرار بمن تحصن بهذه السورة العظيمة.
لكن ما السر المتعلق بهذه السورة تحديدا؟ عند التأمل فيها وفي فضلها تتكشف لنا بعض الحقائق المهمة، أولها: أن سورة البقرة هي أول سورة في المصحف تحدثت عن السحر، وحذرت منه، وذلك في قوله سبحانه: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} (البقرة:102)، ومما احتوته هذه الآية نفي قدرة الشياطين والسحرة على الإضرار بأحد إلا أن يشاء الله.
ومن عظيم بركة هذه السورة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبورا، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) رواه مسلم، وتأمل كيف وصف البيت الذي لا تقرأ فيه هذه السورة بالقبر، والقبر مكان مظلم موحش، ليس فيه للسعادة موضع، فكذلك البيت الذي لا تقرأ فيه سورة البقرة.
ومن ذلك: احتواء السورة لأعظم آيات القرآن: آية الكرسي، ولها أعظم الأثر في حفظ المرء وتحصينه من الشياطين، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في القصة المشهورة مع الشيطان حين قال لأبي هريرة : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى، لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. وأقر النبي صلى الله عليه وسلم بصحة ذلك وقال: (صدقك وهو كذوب) رواه البخاري.
إذن: فالقارئ لآية الكرسي محفوظ بحفظ الله، يوكل الله له ملكا يقوم بحراسته، ولا يستطيع الشيطان أن يقترب منه مهما كان عتو الشيطان وجبروته، وإذا كانت السحرة تستعين بالجن والشياطين لأذية بني آدم فلا سلطان لهم على من يقرأ هذه الآية المباركة.
ومن ذلك: احتواء سورة البقرة على آيتين عظيمتين، هما "نور" كما سماهما النبي صلى الله عليه وسلم، ألا وهما خواتيم سورة البقرة، ومما جاء في حقهما قوله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) متفق عليه، ومن معاني الكفاية هنا: الكفاية والحماية من كل مكروه.
فهنيئا لمن لازم قراءة هذه السورة العظيمة عن إيمان صادق، ويقين جازم، وهو جدير بأن يزيل الله عنه البأس، ويصرف عنه الضر، ويجعله في حصن حصين، ولا يصل إليه الساحر المهين، وأنعم به ثوابا وأجرا.