زواج عليّ بفاطمة رضي الله عنهما

0 2300

في السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة تزوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنى بها، وقد ذكر البخاري أن ذلك كان بعد غزوة بدر بقليل، وكان الزواج في صدر الإسلام وفي هدي النبي سيد الأنام لا مغالاة فيه في المهور، ولا إرهاق في سبيل إعداد الجهاز كما هو حال الكثير من الناس اليوم، وإنما الحال سماحة وبساطة وتيسير، وتعاون في سبيل الحياة الزوجية الكريمة. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تيسير الزواج وعدم المغالاة في المهر، ففي "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: (تزوج ولو بخاتم من حديد)، ولو كانت المغالاة في المهور مكرمة لكان أولى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنته فاطمة رضي الله عنها.

أما قصة خطبة وزواج علي من فاطمة رضي الله عنهما فقد ذكرت في كتب الحديث والسير والتراجم، وقد رواها ابن كثير في السيرة النبوية والبيهقي في الدلائل عن علي رضي الله عنه قال: (خطبت فاطمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقالت مولاة لي: هل علمت أن فاطمة خطبت من رسول الله؟ قلت: لا، قالت: فقد خطبت، فما يمنعك أن تأتي رسول الله فيزوجك بها؟ فقلت: أو عندي شيء أتزوج به؟ فقالت: إنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجك. فو الله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أن قعدت بين يديه أفحمت، فوالله ما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما جاء بك، ألك حاجة؟) فسكت، فقال: (لعلك جئت تخطب فاطمة؟) فقلت: نعم، فقال: (وهل عندك من شيء تستحلها به؟) فقلت: لا والله يا رسول الله! فقال: (ما فعلت درع سلحتكها؟) قلت: فوالذي نفس علي بيده إنها لحطمية ما قيمتها أربعة دراهم، فقلت عندي، فقال: (قد زوجتكها) فبعث إليها بها، فاستحلها بها، فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم). وفي رواية للنسائي وصححها الألباني أن عليا رضي الله عنه قال: (تزوجت فاطمة رضي الله عنها، فقلت: يا رسول الله! ابن بي (اسمح لي بالدخول بها)، قال: (أعطها شيئا) قلت: ما عندي من شيء، قال: (فأين درعك الحطمية؟) قلت: هي عندي، قال: (فأعطها إياه) درعك الحطمية: منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لهم حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع.

جهاز وأثاث الزواج

زواج علي من فاطمة رضي الله عنهما كان زواجا سهلا ميسرا مباركا، لزوجين لا تعرف الدنيا لقلبهما طريقا، وأما جهاز وأثاث زواجهما فكان: قطيفة، وقربة، ووسادة من جلد حشوها ليف أو نبات، فعن علي رضي الله عنه قال: (جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل (قطيفة)، وقربة، ووسادة أدم (جلد) حشوها إذخر (نبات رائحته طيبة) رواه أحمد، وفي رواية ابن حبان: (وأمرهم أن يجهزوها، فجعل لها سريرا مشرطا بالشرط، ووسادة من أدم حشوها ليف).

فائدة

ـ فاطمة رضي الله عنها أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ كانت زينب الأولى، ثم رقية الثانية، ثم أم كلثوم الثالثة، ثم فاطمة الرابعة، وهي أطول أولاد النبي صلى الله عليه وسلم صحبة له، وأحبهن إليه، قال ابن حجر في كتابه "الإصابة": "كانت فاطمة أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وأحبهن إليه". وقد قال عنها صلى الله عليه وسلم: (فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني) رواه البخاري. وفاطمة رضي الله عنها سيدة نساء هذه الأمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لها: (يا فاطمة! ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة؟) رواه البخاري، وفي رواية الطبراني وصححها الألباني: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، إلا ابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيي بن زكريا، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة، إلا ما كان من مريم بنت عمران).

ـ إنها فاطمة الابنة الحبيبة، الرفيقة الشفيقة، المواسية لأبيها صلى الله عليه وسلم، أم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وزوج علي رضي الله عنه، وابنة خديجة رضي الله عنها، وهي أكثر الناس شبها بأبيها صلى الله عليه وسلم، الذي لم يكن له عقب (أحفاد) إلا منها رضي الله عنها، قال ابن حجر: "وأقوى ما يستدل به على تقديم فاطمة على غيرها من نساء عصرها ومن بعدهن ما ذكر من قوله صلى الله عليه وسلم: (إنها سيدة نساء العالمين إلا مريم)، وأنها رزئت بالنبي صلى الله عليه وسلم (أصيبت بموته) دون غيرها من بناته، فإنهن متن في حياته، فكن في صحيفته، ومات هو في حياتها، فكان في صحيفتها".

لقد كانت فاطمة رضي الله عنها تعلم أنها بنت سيد المرسلين وخاتم النبيين وسيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه، ومع ذلك رضيت بالقليل، ولم تطمع في متاع الحياة الدنيا، ولم تطمح نفسها إلى العيش الراغد، بل ضرب بها المثل في زواجها اليسير المهر، القليل المؤنة.. ولم تكن حياتها في بيت زوجها مترفة ولا ناعمة بل كانت أقرب إلى التقشف والخشونة؛ لأن عليا رضي الله عنه -على عظم مكانتهـ لم يكن صاحب حظ من مال، ومن ثم فقد عاشت رضوان الله عليها في بيتها حياة بسيطة متواضعة، فهي تطحن وتعجن خبزها بيديها مع إدارة كافة شؤون بيتها الأخرى، إضافة إلى حقوق زوجها عليها، وحين تعبت من عمل البيت وأثر عمل الرحى في يديها، طلبت من أبيها صلى الله عليه وسلم خادما يساعدها، فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم لما هو أفضل لها، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما، وشكت العمل، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما ألفيتيه عندنا) قال: (ألا أدلك على ما هو خير لك من خادم؟ تسبحين ثلاثا وثلاثين، وتحمدين ثلاثا وثلاثين، وتكبرين أربعا وثلاثين حين تأخذين مضجعك). قال القرطبي: "إنما أحالها على الذكر ليكون عوضا عن الدعاء عند الحاجة، أو لكونه أحب لابنته ما أحب لنفسه من إيثار الفقر، وتحمل شدته بالصبر عليه تعظيما لأجرها".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة