- اسم الكاتب:د. سلمان بن فهد العودة
- التصنيف:أمراض القلوب
أعتبر هذا اعترافا شخصيا وليس تصرفا في لفظ الآية القرآنية الكريمة!
أعتبره تأسيا بفعل الفاروق العظيم -رضي الله عنه- حين سمع حديث: "الاستئذان ثلاث ، فإن أذن لك وإلا فارجع"، فقال: (أخفي هذا علي من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ألهاني عنه الصفق بالأسواق!) (البخاري ومسلم).
أي تواضع وإنحاء على الذات يملكه ذلك الأشم المبشر بالجنة؟ وأي صفق في الأسواق كان يلهيه؟ وهو الذي مات ولم يخلف بعده ما يتنازع عليه!
ربنا يحدثنا عن الدنيا وأنها: {لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد} (20:الحديد)، ويحذرنا من الالتهاء بالتكاثر حتى يصل بنا الأمر إلى خسارة الحياة حين نترك الكثير الذي خولنا وراءنا ظهريا، ونجيء الله فرادى كما خلقنا أول مرة!
الله يخاطبنا ويحذرنا.
أما نحن فيتحدث بعضنا إلى بعض حديث الاعتراف؛ لأننا شركاء في هذا الحجاب الكثيف الشاغل الملهي! ولا أحد منا خليق بأن يوبخ غيره فهو أولى بالتوبيخ..
أسائل نفسي الجاهلة: فيم أقضي ما تبقى من عمري؟
-أبحث عن المزيد من المتابعين في الشبكات الاجتماعية؛ بحجة أنني أقصد صناعة التأثير والتغيير الإيجابي.. والله أعلم بالحقيقة!
لم أسع يوما لشراء متابعين، ولكني أسعد بزيادتهم في حسابي "التويتري"، و"الانستقرامي"، و"اليوتيوبي"، وأنظر إلى (الرقم) وكأنه المعيار الدال على مدى الأهمية في الحياة!
-كما أنظر إلى الزيادة في حسابي البنكي على أن هذا ليس مما تتعلق به نفسي، فالفتن تتفاوت من إنسان لآخر؛ ففتنة فلان المال، وفتنة آخر النساء، وفتنة ثالث الأتباع، وفتنة رابع الأولاد، وفتنة خامس المنصب، وفتنة سادس التكثر بالعلم والمعرفة و...
-أتزود من المعلومات بالقراءة والسماع والتحفظ والمتابعة.. وكأن المهم هو (كم) المعلومات المخزونة في ذاكرتي وهي بالطبع قليلة، ولكني لا أتساءل عن نوع هذه المعلومات ولا عن مدى انتفاعي بها، وهل صارت من العلم النافع لدي أم هي من العلم الذي يتباهى به عند الأقران، أم هي من العلم الذي هو حجة الله على الإنسان؟
-أريد أن أتفوق في برنامجي على زميلي، ولو كنت أدري أنه خير مني، وأكثر صدقا، وأوسع مادة، وأعرف بحاجات الناس!
-وأريد أن أستأثر بقدر من اهتمام الناس وحديثهم وتعليقهم يفوق ما لغيري، ولو كان الأمر لا يضيف جديدا، ولا يصنع مفيدا ولا يسد فراغا.
معظم اهتماماتي واهتمامات من أعرف تدور حول (كم)، وهذا يعني الولع بالكثرة والتكاثر، وليس بالكيف، والجودة، والصفاء، والإخلاص، والموافقة للسنة، وما يريده الله.
(كم) عندك من المؤلفات؟ كثير.. لكن ما القيمة المضافة الخالدة التي تشكلها هذه الكتب؟
(كم) عندك من المتابعين؟ مئات الآلاف أو ملايين، ولكن ما غناؤها عند الملمات؟ وماذا تعني المتابعة؟ وما قدر نفعك لها؟ وما قدر نفعها لك؟ ولو بتبادل دعوة أو نصح خالص أو نية مؤاخاة في الله سالمة من حظوظ الدنيا..
كم لديك من الأصدقاء؟ وكم قابلت منهم اليوم؟ وكان الأولى بالسؤال: نوع الأصدقاء، وماذا تقدم لهم، وماذا يقدمون لك؟ وعلى أي أساس بنيت هذه الصداقة؟ فـ{الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} (67:الزخرف).
(كم) عدد أولادك؟ ليس هذا هو السؤال.. بل ماذا تلقوا من التربية، والقدوة، وطيب المطعم؟ وإلى ماذا صاروا؟ هل هم صالحون قريبون من ربهم؟ هل أضافوا شيئا ذا بال للحياة؟ هل خدموا أمتهم؟ هل يحملون همومها؟ هل أشبعناهم عاطفة وبرا؟ وأوسعناهم حلما وصبرا؟ وأتبعناهم دعاء وذكرا؟
(كم) زوجة عندك؟ وكان الأجدر أن تسألني عن تدفق عاطفتي وأدائي للحقوق، وتوازني، وعدلي، وقدرتي على العطاء والتربية، وتحمل المشكلات، والتوفيق بين مختلف الواجبات، وفي كافة الظروف..
القليل الذي تؤدي شكره ولا يشغلك عن الله خير من كثير يلهي ويطغي، ويصنع (ازدحاما) داخل النفس وفي ميدان الحياة حتى إذا وقف المرء بين يدي ربه لصلاة مكتوبة تشتت قلبه في أودية كثيرة، وحضرته صنوف شتى من الأشغال الصغيرة والكبيرة والخواطر والتكليفات، وصار يستعجل الخلاص من صلاته قبل أن ينسى؛ ليكلم فلانا ويرسل لعلان، ويذهب لزيد، وينسق مع عبيد، ويؤكد على شيء وينفه ويلغي شيئا.. فتتقاسم صلاته -على وجازتها وقصرها- مئات الأعمال!
وبهذا تنتهي حياتنا قبل أن تبدأ؛ لأنها أصبحت تنفيذا لمتطلبات يومية عادية رتيبة.
ولو استحضرت معنى الحياة وأهميتها وأهمية أن أعيشها مع الله لكان لي شأن آخر، ولكنه حب الحياة وطول الأمل!