مقاصد سورة الأحزاب

0 1959

سورة الأحزاب هي السورة الثالثة والثلاثون بحسب ترتيب المصحف العثماني، والسورة التسعون بحسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة الأنفال، وقبل سورة المائدة. كان نزولها على قول ابن إسحاق أواخر سنة خمس من الهجرة. وروي عن مالك أنها كانت سنة أربع، وهي سنة غزوة الأحزاب، وتسمى غزوة الخندق، حين أحاط جماعات من قريش، وبني المصطلق، وبني الهون، وكنانة، وغطفان. وهي مدنية بالاتفاق. 

تسميتها

سميت سورة الأحزاب في المصاحف، وكتب التفسير، والسنة، وكذلك رويت تسميتها عن ابن عباس وأبي بن كعب رضي الله عنهما بأسانيد مقبولة، ولا يعرف لها اسم غيره. ووجه التسمية أن فيها ذكر أحزاب المشركين من قريش ومن تحزب معهم، أرادوا غزو المسلمين في المدينة، فرد الله كيدهم، وكفى الله المؤمنين القتال. قال المهايمي: "سميت بها؛ لأن قصتها معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، متضمنة لنصره بالريح والملائكة، بحيث كفى الله المؤمنين القتال".

فضلها

جاء في فضل بعض آيات هذه السورة أحاديث، منها ما رواه البيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة...) وفيه، (ثم يقرأ: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} (الأحزاب:70-71).

أما الخبر الذي ذكره البيضاوي في ختام تفسير سورة الأحزاب، وهو قوله: قال عليه الصلاة والسلام "من قرأ سورة الأحزاب، وعلمها أهله، أو ما ملكت يمينه، أعطي الأمان من عذاب القبر". قال المناوي في "الكشف السماوي": موضوع.

مقاصدها

اشتملت سورة الأحزاب -كغيرها من سور القرآن- على مقاصد مهمة، وغايات جليلة، نذكر منها:

- بدأت السورة بتقرير أصل مهم في حياة المؤمن، وهو استشعار القلب لجلال الله، والاستسلام المطلق لإرادته، واتباع المنهج الذي اختاره، والتوكل عليه وحده والاطمئنان إلى حمايته ونصرته وتأييده.

- توجيه المؤمنين إلى عدم طاعة الكافرين والمنافقين، وتحمل ما ينالهم منهم من أذى، والتوكل على الله؛ فهو سبحانه نعم الوكيل، وخير النصير.

- قررت السورة أصلا مهما، وهو أن الإنسان لا يملك أن يتجه إلى أكثر من اتجاه واحد، ولا أن يتبع أكثر من منهج واحد، وإلا نافق، واضطربت خطاه، وأضل السبيل. وما دام لا يملك إلا قلبا واحدا، فلا بد أن يتجه إلى إله واحد، وأن يتبع نهجا واحدا، وأن يدع ما عداه من مألوفات، وتقاليد، وأوضاع، وعادات.

- كون الحق فيما شرع سبحانه من أحكام؛ لا ما اتخذه الناس من عادات وأعراف؛ لأنه سبحانه الخبير بما فيه صلاح العباد عاجلا وأجلا، فهو سبحانه الذي يقول الحق ويهدي السبيل. 

- تضمنت السورة إبطال عادة الظهار، وإبطال عادة التبني، وإبطال آثار المؤاخاة التي تمت في أول الهجرة، وردت الأمر إلى القرابة الطبيعية في الإرث والدين وما إليها.

- قررت السورة أن ولاية النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أقوى ولاية، ولأزواجه حرمة الأمهات لهم، وتلك الولاية من جعل الله، فهي أقوى وأشد من ولاية الأرحام.

- تحريض المؤمنين على التمسك بما شرع الله لهم؛ لأنه أخذ العهد بذلك على جميع النبيين. 

- من أهم المقاصد التي تضمنتها السورة التمييز بين المؤمنين والمنافقين. وقد اعتبر المهايمي هذا المقصد من أعظم مقاصد القرآن.

- الرد على المنافقين أقوالا شنيعة، قصدوا بها أذى النبي صلى الله عليه وسلم. 

- بيان ما أظهره الله من عنايته بنصر المؤمنين على أحزاب أعدائهم من الكفرة والمنافقين في وقعة الأحزاب ودفع كيد المنافقين.

- الثناء على صدق المؤمنين وثباتهم في الدفاع عن الدين، ونعمة الله عليهم بأن أعطاهم بلاد أهل الكتاب الذين ظاهروا الأحزاب، ورد عنهم كيد الأحزاب والمهاجمين.

- تخيير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بين طلب الدنيا، أو طلب الآخرة، وفي ذلك توجيه للمؤمنين إلى إيثار الله ورسوله والدار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها وزخرفها. 

- ألمحت السورة إلى فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وفضل آل النبي صلى الله عليه وسلم، وفضائل أهل الخير من المسلمين والمسلمات.

- بينت السورة أن أمر المؤمنين والمؤمنات مرده إلى الله، فليس لهم منه شيء، وليس لهم في أنفسهم خيرة، إنما هي إرادة الله وقدره، الذي يسير كل شيء، ويستسلم له المؤمن الاستسلام الكامل الصريح.

- تعرضت السورة لبعض الأحكام المتعلقة بالعلاقات الزوجية (الطلاق قبل المساس).

- تنظيم علاقة المسلمين ببيوت النبي وزوجاته، في حياته وبعد وفاته.

- تقرير فرضية الحجاب والجلباب على المرأة المسلمة.

- تهديد المنافقين جراء بثهم الدعايات المغرضة، والأخبار الكاذبة.

- الأمر بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به. وتحريض المؤمنين على ذكر الله، وتنزيهه؛ شكرا له على هديه.

- تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند الله وفي الملأ الأعلى، والأمر بالصلاة عليه والسلام.

- وعيد المنافقين الذين يأتون بما يؤذي الله ورسوله والمؤمنين. وتحذير المؤمنين من التورط في ذلك؛ كيلا يقعوا فيما وقع فيه الذين آذوا موسى عليه السلام.

- أوضحت السورة أن علم الساعة شأن من شؤونه سبحانه، لا علم لأحد بها، والتلويح بأنها قد تكون قريبا.

- بيان المسؤولية الملقاة على عاتق الإنسان عموما، وعلى عاتق المسلم بصفة خاصة، وهي التي تنهض وحدها بعبء هذه الأمانة الكبرى. أمانة العقيدة والاستقامة عليها. والدعوة والصبر على تكاليفها، والشريعة والقيام على تنفيذها في أنفسهم وفي الأرض من حولهم.

تنبيه

روى الإمام أحمد عن زر بن حبيش، قال: قال أبي بن كعب: (كأين تقرأ سورة الأحزاب؟ أو كأين تعدها؟ قلت له: ثلاثا وسبعين آية، فقال: قط، لقد رأيتها، وإنها لتعادل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها: الشيخ والشيخة إذا زنيا، فارجموهما البتة؛ نكالا من الله، والله عزيز حكيم) قال محققو المسند: إسناده ضعيف. قال ابن كثير: "وهو يقتضي أنه قد كان فيها قرآن، ثم نسخ لفظه وحكمه أيضا". وقد تعقب القاسمي قول ابن كثير، فقال: "كان يصح هذا الاقتضاء، لو كان هذا الأثر صحيحا، أما ولم يخرجه أرباب الصحاح، فهو من الضعف بمكان".

وفي مصنف عبد الرزاق: (كأين تقرؤون سورة الأحزاب؟ قلت: بضعا وثمانين آية، قال: لقد كنا نقرأها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو سورة البقرة -وفي رواية: إن كانت لتعدل سورة البقرة- أو هي أكثر، ولقد كنا نقرأ فيها آية الرجم...). 

وروى القاسم بن سلام بسنده وابن الأنباري بسنده عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي صلى الله عليه وسلم مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف، لم يقدر منها إلا على ما هو الآن. قال ابن عاشور تعليقا على هذين الخبرين: "وكلا الخبرين ضعيف السند. ومحمل الخبر الأول عند أهل العلم أن أبيا حدث عن سورة الأحزاب قبل أن ينسخ منها ما نسخ. فمنه ما نسخت تلاوته وحكمه، ومنه ما نسخت تلاوته خاصة مثل آية الرجم...وإن صح عن أبي ما نسب إليه، فما هو إلا أن شيئا كثيرا من القرآن كان أبي يلحقه بسورة الأحزاب، وهو من سور أخرى من القرآن، مثل كثير من سورة النساء الشبيه ببعض ما في سورة الأحزاب، أغراضا ولهجة مما فيه ذكر المنافقين واليهود، فإن أصحاب رسول الله لم يكونوا على طريقة واحدة في ترتيب آي القرآن، ولا في عد سوره، وتقسيم سوره، ولا في ضبط المنسوخ لفظه. كيف وقد أجمع حفاظ القرآن والخلفاء الأربعة وكافة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -إلا الذين شذوا- على أن القرآن هو الذي في المصحف، وأجمعوا في عدد آيات القرآن على عدد قريب بعضه من بعض.

وأما خبر عائشة فهو أضعف سندا، وأقرب تأويلا؛ فإن صح عنها -ولا أخاله- فقد تحدثت عن شيء نسخ من القرآن، كان في سورة الأحزاب. وليس بعد إجماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصحف عثمان مطلب لطالب.

وبعد، فخبر أبي بن كعب خبر غريب، لم يؤثر عن أحد من أصحاب رسول الله، فنوقن بأنه دخله وهم من بعض رواته. وهو أيضا خبر آحاد لا ينتقض به إجماع الأمة على المقدار الموجود من هذه السورة متواترا". ثم نقل ابن عاشور كلام الزمخشري في هذا الخصوص، قال: "وأما ما يحكى أن تلك الزيادة التي رويت عن عائشة كانت مكتوبة في صحيفة في بيت عائشة، فأكلتها الداجن -أي الشاة- فمن تأليفات الملاحدة والروافض".

ثم ختم ابن عاشور تعقيبه على هذين الخبرين بالقول: "ووضع هذا الخبر ظاهر مكشوف؛ فإنه لو صدق هذا لكانت هذه الصحيفة قد هلكت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده، والصحابة متوافرون، وحفاظ القرآن كثيرون، فلو تلفت هذه الصحيفة، لم يتلف ما فيها من صدور الحفاظ. وكون القرآن قد تلاشى منه كثير هو أصل من أصول الروافض؛ ليطعنوا به في الخلفاء الثلاثة، والرافضة يزعمون أن القرآن مستودع عند الإمام المنتظر، فهو الذي يأتي بالقرآن وقر بعير. وقد استوعب قولهم واستوفى إبطاله أبو بكر بن العربي في كتاب "العواصم من القواصم". انتهى كلام ابن عاشور.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة