- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:كتب قرآنية معاصرة
صدر عن مؤسسة (الإسلام اليوم) للنشر كتاب بعنوان (إشراقات قرآنية) من تأليف الشيخ سلمان بن فهد العودة، وهو كتاب يشتمل على مادة تفسيرية للجزء الأخير (جزء عم) من القرآن الكريم.
فكرة الكتاب
كتاب الإشراقات القرآنية الذي دونه المؤلف كان في أصلها دروسا ألقاها المؤلف، وكان لهذا الإلقاء والتفاعل مزيته، ثم أعاد كتابتها بمزيد من التأمل والتدبر، وكان للتأمل مزيته الأخرى.
جاء في مقدمة المؤلف عن أسباب وضعه لهذا الكتاب قوله: "ونحن نعيش مع آيات (جزء عم) نجدها على وجازة ألفاظها وقصرها، بديعة المعاني، رائقة الألفاظ، حاوية من دقائق الإعجاز ما يبهر العقول، ويأخذ بالألباب. وإنني لأشعر بانشراح وأنس عند الوقوف على هذه الآيات وتدبر معانيها، وتكرار النظر فيها، وأجد لذة ليست لغيرها...ولا يزال المتأمل في كتاب الله عز وجل يتلقى أنواعا من المعاني العظيمة، التي تشرق لها النفس، وتحيا، وتطمئن؛ ولذا رأيت أن أتلقى هذه الإشراقات، مستعينا بجهد السابقين من علماء الأمة في تفاسيرهم المعتمدة".
غرض المؤلف من كتابه
أما عن سبب البداءة بـ (جزء عم) فقد ذكر المؤلف أن عامة سور هذا الجزء هي أول ما خوطبت به البشرية من كتاب الله عز وجل، وقضايا هذه السور هي قضايا الوجود الإنساني كله، كما أن سور هذا الجزء القصيرة هي ما يحفظه أغلب المسلمين، ويقرؤونه في صلواتهم. علاوة على أن أغلب المفسرين إذا وصلوا إلى هذا الجزء، وهو آخر جزء في القرآن، لا يكون عطاؤهم كما كان عندما شرعوا في التفسير من أول جزء.
أما عن البداءة بتفسير سورة الفاتحة، وهي من أول القرآن، وليست من جزئه الأخير، فذكر المؤلف أن صنيعه هذا مرده لكثرة قراءة المسلم لهذه السورة في صلواته، وحاجته إلى معرفة معانيها؛ فضلا عن التأسي بصنيع بعض أهل العلم.
تنبيهات لقارئ كتاب الله
وقد ذكر المؤلف في مقدمة كتابه جملة من التنبيهات، قال: إنه ينبغي لقارئ القرآن الكريم مراعاتها عند تدبر القرآن والتأمل في معانيه، وها هي حاصل تلك التنبيهات:
الأول: إذا وقفت أمام آية من آيات الكتاب الكريم، وخفي عليك إعجازها وبلاغتها وأسرارها، فإياك أن يذهب بك الظن إلى أن هذه الآية ليس فيها أسرار، فربما يكون عجز العقل حال دون إدراك هذه الآية وأسرارها، وربما يكون تكرار القراءة أو سماعها من قارئ حسن الصوت سببا في قدح زناد التدبر. قال المؤلف: "وعندما أقرأ كلام المفسرين حول آية من القرآن أشعر أن الوقوف عند آية واحدة يمكن أن يمتد بالإنسان إلى ما شاء الله من توليد لطائف جديدة. وهذا من معجزات القرآن؛ فإنه كلما تأمل القارئ، وتدبر، وجد أن وراء هذا المعنى معنى آخر".
الثاني: أن الله تعالى جعل في القرآن ألوانا من الأسرار، منها ما يتعلق باللغة، ومنها ما يتعلق بالتشريع، ومنها ما يكون إعجازا علميا، ومنها ما يكون تاريخيا أو أخلاقيا. والله سبحانه وزع المواهب بين الخلق؛ فمن الناس من يطرب لجوانب البلاغة والإعجاز اللفظي، ويستنبطها وتروق له؛ ولذلك يشعر بتجاوب مع هذا النوع من الإعجاز. ومنهم من تكون اهتماماته علمية بحتة، فهو يبحث عنها. ومنهم من تكون ميوله روحانية، فيأنس حين يجد الله في القرآن يخاطب عباده، ويعرفهم بنفسه مباشرة، ويخاطب رسله وأنبياءه، ويكشف للخلق حياتهم وسرهم ومصيرهم.
الثالث: أن من المعاني اللطيفة ما يدركه من يتكلم العربية وهي لغته، بخلاف من تعلمها وتكلمها، فإنه يفوته كثير من صور التدبر؛ لأن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين؛ ولهذا قال تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك ولسوف تسألون} (الزخرف:44) ومن شكر نعمة الله هذه، أن يقبل صاحب اللغة العربية على القرآن، ويستدرك هذه المعاني اللطيفة، التي قد تفوت غيره.
الرابع: من ألطاف القرآن الكريم ما يقع في النفوس، وتشرق به القلوب، ويعجز الألسنة الإفصاح عن معانيه، حتى يكون القارئ حين استقبال هذه الموجات العالية من الإيمان والمشاهدة غير راغب في تدوينها، أو الحديث عنها؛ لأن ذلك يقطع حبل تسلسلها واتصالها؛ ولأن اللغة لا تستوعبها؛ ولذا قال النفري: "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة". وباليقين وقع للأنبياء، ثم الصحابة، ثم أكابر المحققين والمؤمنين الراسخين ومن دونهم من ذلك ما لا يخطر على بال.
منهج المؤلف في كتابه
نهج المؤلف في تسطير إشراقاته القرآنية المنهج التالي:
- يبدأ المؤلف بذكر أسماء السورة، وما جاء في ذلك من أحاديث وآثار وأقوال لأهل العلم، ثم يذكر عدد آيات السورة، ومكية أو مدنية، ويذكر أحيانا ترتيبها من حيث النزول.
- إن صح في السورة أو بعض آياتها سبب لنزولها ذكره، وإن لم يصح سبب في نزولها نقل ما ذكر من نقل سبب النزول، معلقا عليه من حيث القبول أو الرد، وغالبا لا يتعرض لسبب النزول من قريب أو بعيد.
- يشرع المؤلف بتفسير آية آية من السورة، مفككا ألفاظ كل آية، شارحا لمعانيها من حيث اللغة، ومن حيث المراد منها، ملاحظا سياقها القرآني.
- يذكر أقوال المفسرين موافقا لها أحيانا، ومخالفا لها أحيانا، فمن أمثلة موافقاته ما ذكره عند تفسيره لقوله سبحانه: {فذكر إن نفعت الذكرى} (الأعلى:9) فقد ذكر أن قول جمهور المفسرين أن الشرط في الآية لا مفهوم له، وأن الواجب التذكير بإطلاق. ثم نقل قولا آخر في معنى الآية، ذهب إليه ابن كثير، والشنقيطي، والسعدي وجماعة، وهو أن الآية على بابها، والشرط معتبر، وأن التذكير واجب، إذا كان ينفع، وإلا فليس بواجب، قال: "وهذا جيد".
ومن أمثلة مخالفاته ما جاء عند تفسيره لقوله تعالى: {وبنينا فوقكم سبعا شدادا} (النبأ:12) فقد نقل المؤلف قول جمهور المفسرين أن المراد بـ (السبع الشداد) السماوات السبع، ثم نقل قول ابن عاشور من أنه "يجوز أن يراد بالسبع الكواكب السبعة المشهورة بين الناس يومئذ، وهي: زحل، والمشتري، والمريخ، والشمس، والزهرة، وعطارد، والقمر...وهذا المحمل هو الأظهر؛ لأن العبرة بها أظهر؛ لأن المخاطبين لا يرون السماوات السبع، ويرون هذه السيارات، ويعهدونها دون غيرها من السيارات التي اكتشفها علماء الفلك من بعد"، بيد أن المؤلف لم يوافق ابن عاشور فيما استظهره، وذهب إلى أن الأقرب ما ذهب إليه الجمهور من أن المراد سبع سماوات، كما في مواضع أخرى كثيرة في القرآن، وكون الناس لا يعرفونها بالرؤية، فإن الله تعالى يعرفهم بها، ويحتج عليهم بالقدر المعروف والمشهور منها.
- يستدرك المؤلف أحيانا على بعض المفسرين المتقدمين، فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى: {ترميهم بحجارة من سجيل} (الفيل:4) يذكر أن بعض المفسرين المتقدمين ذكروا أن (السجيل) هي الحجارة المذكورة في قوله تعالى: {كلا إن كتاب الفجار لفي سجين} (المطففين:7) أي فهي من النار. وبعضهم يقول: إن (السجيل) هي السماء الدنيا. وبعضهم يقول: إن (السجيل) هو المذكور في قوله تعالى: {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} (الأنبياء:104) أي: إن هذه الحجارة مما كتب في القدر واللوح المحفوظ أن يعاقبوا بها. قال: "وكل هذه الأقوال بعيدة، والقرآن يفسر بعضه بعضا، فذكر الله تعالى عن قوم لوط أنهم عوقبوا بحجارة من سجيل، و(من) هنا بيانية يعني: المادة التي تكونت منها هذه الحجارة هي (السجيل) وهي من الطين المتحجر، وليست الحجارة الصخرية".
- يذكر أحيانا أقوال المفسرين ويرجح بعضها لدليل يراه، كما فعل عند تفسيره لقوله تعالى: {والنازعات غرقا} (النازعات:1) فقد ذكر عدة أقوال للمفسرين في المراد من قوله سبحانه: {والنازعات} ثم اختار أن المراد: الملائكة، قال: "وهو قول ابن عباس، وابن مسعود، وجماعة من السلف، وأئمة التفسير".
- يذكر أحيانا أقوال المفسرين دون ترجيح لبعضها، كما هو صنيعه عند تفسيره لقوله تعالى: {وأنزلنا من المعصرات} (النبأ:14) فقد ذكر ثلاثة أقوال للمفسرين في المراد من {المعصرات} ولم يرجح أيا منها.
- يتعرض لبعض الأسئلة المشكلة، ويجيب عنها باختصار، وبما يقنع، من أمثلة ذلك السؤال الذي أثاره عند تفسيره لقوله تعالى: {قتل الإنسان ما أكفره} (عبس:17) قال: "المعهود في القرآن أن الله يرفع الإنسان ويكرمه، {ولقد كرمنا بني آدم} (الإسراء:70) فما معنى أن يأتي الآن السياق ليقول: {قتل الإنسان ما أكفره} وأن يشير إلى هوان أصله ومهانته؟"، وقد أجاب عن هذا الإشكال، فقال: "إننا إن قلنا: إن المقصود جنس الإنسان، فلا يعني ذلك الناس كلهم؛ لأن جنس الإنسان فيهم الأنبياء والعلماء والصلحاء والدعاة...وإنما المقصود الإشارة لغالب الناس، {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} (يوسف:103) ولا يلزم أن يكون المراد بـ (الكفر) الجحود والكفر الأكبر، وإنما يشمل هذا، ويشمل ما دونه من الكبائر، التي لا تخرج من الملة؛ ولذلك فسرها الرازي والسعدي وغيرهما بأن المقصود كفر النعمة، أي: جحودها، وفيه تناسب مع السياق؛ حيث عدد نعمه على الإنسان بعد هذه الآية. وكأن المقصود جنس الإنسان. وهذا المعنى محتمل وجيه".
- يبين على ضوء تفسيره لبعض الآيات أخطاء بعض الممارسات الدعوية، فعند استخلاصه للدروس المستفادة من قصة أصحاب الأخدود الواردة في سورة البروج يقول: "فماذا يمكن أن يقول المرء عن اندفاعات عديدة غير رشيدة؟ يحتاج الأمر إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم وحكمته وبصيرته، والتأسي به في الصبر والمصابرة، بحيث ينزل الدعاة إلى الميدان، ويخالطون المجتمع، ويصبرون على الأذى، ويصلحون بقدر المستطاع، دون حرق للمراحل، ولا إطلاق للنزعات الفردية...فصار بعض الشباب يستعجل المحنة، ويتطلع إليها، ويفرز هذا في نفوسهم شيئا من الانفصال عن الناس، والتربص والانتظار، وعدم القدرة على مراجعة التجارب الفاشلة، وتصحيحها مهما كانت نتائجها، على اعتبار أن البلاء سنة إلهية".
- يصحح ما وقع به بعض المفسرين المتقدمين من الزلات، كما فعل مع الرازي، فقد ذكرالأخير عند تفسيره لسورة عبس أن ما فعله ابن أم مكتوم كان معصية؛ لأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، وهو مشغول بدعوة كبراء قريش، وأن ما فعله النبي كان سائغا...وأن الله عاتب نبيه؛ إما لأنه التفت لهؤلاء بحكم القرابة، أو أنه أعرض عن ابن أم مكتوم لحكم العمى. قال المؤلف: "وهذا تأويل رديء، وهو افتعال لمشكلة لا لزوم لها؛ فإن العتاب واضح مصدره وسببه، والأقرب أن أساس العتاب من الله لرسوله هو زيادة الحرص منه على هداية هؤلاء القوم، الذي حمله على الإعراض عن الأعمى والعبوس في وجه".
- يصوب بعض الآراء التي انفرد بها بعض المفسرين، كما صنع عند تفسيره لقوله تعالى: {كلا لما يقض ما أمره} (عبس:23) حيث ذكر أن المنقول عن أكثر المفسرين أن المراد من الآية: لا يقضي أحد أبدا كل ما افترض عليه، ثم ينقل تعليق ابن كثير على هذا: "ولم أجد للمتقدمين فيه كلاما سوى هذا. والذي يقع لي في معنى ذلك: أن المعنى: أي لا يفعله الآن حتى تنقضي المدة، ويفرغ القدر من بني آدم ممن كتب تعالى له أن سيوجد منهم، ويخرج إلى الدنيا، وقد أمر به تعالى كونا وقدرا، فإذا تناهى ذلك عند الله، أنشر الله الخلائق، وأعادهم كما بدأهم". وقد عقب المؤلف على قول ابن كثير بقوله: "وهو معنى لطيف، وابن كثير وإن كان مفسرا سلفيا، إلا أنه لم يجد غضاضة أن يبتكر معنى للآية جميلا صحيحا، وتدل عليه نصوص أخرى، ولم يسبق إليه أحد".
- بالمقابل يضعف بعض الأقوال، مع التعليل، من ذلك ما ذكره عند تفسيره لقوله تعالى: {إلا من تولى وكفر} (الغاشية:23) فقد ذكر أن الاستثناء هنا منقطع، أي: إن {إلا} في الآية بمعنى (لكن) فيكون المعنى: لكن من تولى وكفر فشأنه إلى الله، حيث يعذبه العذاب الأكبر. ثم ذكر أن هناك من المفسرين من ذهب إلى أن الاستثناء في الآية متصل، وأن المقصود: أن الله يسلط نبيه على الكفار، فيعذبهم بالجهاد. قال: "وهذا معنى ضعيف؛ لأن المستثنى هو المستثنى منه، والله سبحانه لما قال: {لست عليهم بمصيطر} (الغاشية:22) إنما عنى: لست يا محمد بمسيطر على الكفار، فكيف يستثني ويقول: إلا الكفار؟! وهذا لا يستقيم في الكلام الفصيح، وإنما المقصود من السياق معنى جديد مستأنف".
- كثيرا ما يربط المؤلف تفسيره للآيات بالواقع المعيش، كما صنع عند تفسيره لقوله سبحانه: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة} (البينة:4) فالآية تفيد ذم الاختلاف والتفرق، وذم العلم الذي يكون سببا للاختلاف، قال: "وغالب طلبة العلم اليوم أكثر ولعا بالخلاف فيما بينهم، وأكثر تحاسدا وتنافسا، حتى إنهم إذا كانوا في مؤسسة، أو مدرسة، أو جامعة، وقع بينهم من التعاند والتغاير، ما لا يحسن، ولا يحمد...وما أكثر النصوص التي تنهى عن التفرق والاختلاف، ولكنها بمعزل عن واقعنا".
هذا، وقد ألمح المؤلف إلى أمر ذي بال، وهو أن مما أغفل المسلمين عن تدبر القرآن، والتخلق بأخلاقه، والعمل بشريعته، ما وقعوا فيه من تعصب مذهبي؛ لأنهم أولعوا بكتب الفقهاء، ثم انفتح كثير من طلبة العلم في ردة فعل لذلك التعصب على رفض التقليد، والأخذ مباشرة من أحاديث السنة، وترتب على الإفراط في هذا الأمر أن غلوا في الكثير من التفاصيل والفروع، وغفلوا عن اللباب، والأصل الذي هو الكتاب.
والقرآن فصل فيما يختلف فيه المؤمنون، وما أكثر الخلافات والصراعات التي توجد حلولها في القرآن الكريم، في حين أن كثيرا من الناس لا يرجعون إليه.
قال: ونحن لا ندعو إلى إهمال الحديث، ولا إلى إهمال الفقه، ولا الجور على شيء من علوم اللغة، أو الأصول، أو سواها، لكن ندعو إلى وضع الأمر في نصابه، ولجم الاندفاع بأكثر مما ينبغي، مما يحدث ارتباكا وخللا في (فقه المقادير) وقد جعل الله لكل شيء قدرا.
بقي أن نقول: إن المؤلف صاغ مادة كتابه بأسلوب سهل وميسر ومختصر، لا يشعر قارئه بالسآمة والملل، بل يجد نفسه أمام مادة تفسيرية قريبة سهلة، مفيدة للعقل ومغذية للروح.
صدر الكتاب في مجلدين، اشتمل المجلد الأول -بالإضافة إلى تفسير سورة الفاتحة- تفسير السور: (عم يتساءلون) إلى سورة (البلد)، واشتمل المجلد الثاني على تفسير السور: (الشمس) إلى سورة (الناس). وصدرت الطبعة الأولى من الكتاب سنة 1433هـ.