- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:أسباب النزول
في سياق حديث القرآن عن الإرث والمواريث جاء قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} (النساء:19) حول سبب نزول هذه الآية مدار الحديث في هذه السطور.
جاء في سبب نزول هذه الآية عدة روايات، نذكر منها:
الرواية الأولى: روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن}؛ قال: كانوا إذا مات الرجل؛ كان أولياؤه أحق بامرأته: إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، وهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك.
الرواية الثانية: روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته، فيعضلها حتى تموت، أو ترد إليه صداقها، فأحكم الله عن ذلك، ونهى عن ذلك). قال الألباني: حسن صحيح.
الرواية الثالثة: أخرج النسائي في "السنن الكبرى" عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: (لما توفي أبو قيس بن الأسلت، أراد ابنه أن يتزوج امرأته من بعده، فكان ذلك لهم في الجاهلية، فأنزل الله عز وجل: {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها}. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": إسناده حسن.
الرواية الرابعة: روى وكيع عن سفيان عن علي بن بذيمة عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها، فجاء رجل فألقى عليها ثوبا، كان أحق بها، فنزلت. قال ابن كثير: "علي بن بذيمة روى له أصحاب السنن، وهو ثقة، وبقية رجاله رجال الصحيح".
الرواية الخامسة: روى عبد الله بن حميد عن أبي مالك، قال: كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها، جاء وليه، فألقى عليها ثوبا، فإن كان له ابن صغير، أو أخ حبسها حتى تشيب، أو تموت فيرثها، وإن هي انفلتت، فأتت أهلها من قبل أن يلقي عليها ثوبا نجت، فنزلت. ذكر ابن حجر هذه الرواية، وسكت عنه.
وظاهر أن رواية البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما هي الرواية المعتمدة في سبب نزول هذه الآية؛ وذلك لصحة إسنادها، وصراحة ألفاظها، واتفاقها مع سياق الآية، وأقوال المفسرين. أما الروايات الأخرى فهي موافقة لما جاء في رواية البخاري، وهي توضيح وتوكيد لها.
على أن ابن حجر ذكر سببا غير ما تقدم لنزول هذه الآية، وهو ما أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {لا يحلوا لكم أن ترثوا النساء} قال: الرجل يكون في حجره اليتيمة، هو يلي أمرها، فيحبسها رجاء أن يتزوجها، أو يزوجها ابنه إلى أن تموت، فيرثها.
وأخرج الطبري من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: كان العضل في قريش بمكة، ينكح الرجل المرأة الشريفة، فقد لا توافقه، فيشارطها على أن يطلقها، ولا تتزوج إلا بإذنه، فإذا خطبها الخاطب، فإن أعطته وأرضته أذن لها، وإلا عضلها.
وهاتان الروايتان ليس فيهما تصريح بسبب نزول الآية، بل هما أشبه ببيان ما كان عليه أمر الناس عندما كانوا حديثي عهد بجاهلية.
وقد أورد جمهور المفسرين هذه الأحاديث أو بعضها عند بيانهم لسبب نزول هذه الآية، منهم الطبري، وابن العربي، والقرطبي، وابن كثير، والسعدي، والشنقيطي، وابن عاشور، وغيرهم. قال الطبري: "إنهن في الجاهلية كانت إحداهن إذا مات زوجها، كان ابنه، أو قريبه أولى بها من غيره ومنها بنفسها، إن شاء نكحها، وإن شاء عضلها، فمنعها من غيره، ولم يزوجها حتى تموت، فحرم الله تعالى ذلك على عباده، وحظر عليهم نكاح حلائل آبائهم، ونهاهم عن عضلهن عن النكاح". (العضل) هو المنع.
وقال السعدي: "كانوا في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجته، رأى قريبه، كأخيه وابن عمه ونحوهما، أنه أحق بزوجته من كل أحد، وحماها عن غيره أحبت أو كرهت، فإن أحبها، تزوجها على صداق يحبه دونها، وإن لم يرضها عضلها، فلا يزوجها إلا من يختاره هو، وربما امتنع من تزويجها، حتى تبذل له شيئا من ميراث قريبه، أو من صداقها". وقال الشنقيطي: "وقد كان من مختلقات العرب في الجاهلية إرث الأقارب أزواج أقاربهم، كان الرجل منهم إذا مات، وألقى ابنه وأخوه مثلا ثوبا على زوجته، ورثها وصار أحق بها من نفسها، إن شاء نكحها بلا مهر، وإن شاء أنكحها غيره، وأخذ مهرها، وإن شاء عضلها حتى تفتدي منه إلى أن نهاهم الله عن ذلك بقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها}.
ومجمل الأحاديث والآثار الواردة في هذا الخصوص، تفيد أن عادة الزواج من زوجة الأب بعد وفاته، أو منعها من الزواج، إنما كانت من عادات الجاهلية، واستمرت إلى بداية عهد الإسلام، إلى أن نهى الله سبحانه عباده المؤمنين عن الزواج بزوجات الآباء، ونهاهم كذلك عن منع الزوجات من الزواج بمن أردن.