- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:نوافذ عقدية
ضوء شاحب يتسلل إلى الغرفة، وطاولة يتحلق حولها فتية صغار السن تطل من عيونهم نظرات الترقب واللهفة حينا، والتوجس والخوف أحيانا، ولوحة صغيرة تعلو تلك الطاولة يعلوها قلمان أحدهما فوق الآخر يشكلان علامة الجمع الرياضية "+"، ويقسمان تلك اللوحة إلى أربعة أقسام في كل منها إحدى إجابتين تكتب بالعربية وربما بغيرها من اللغات، إما: نعم، وإما لا، ثم يبدا النداء لتشارلي: Charly Charlie!
تلك هي آخر "موضة" و"صرعة" أنتجتها عقول البشرية الجوفاء من الألعاب السحرية كما يرونها، والتي انفجرت بها مواقع التواصل الاجتماعي منذ عام 2015م، وربما هي النسخة المطورة من اللعبة القديمة التي كانت تعرف بعويجا أو ويجا -بالإنجليزية: Ouija-، وفيها ذات العناصر تقريبا من اللوح والقلم وغير ذلك، إلا أن سهولة تطبيق لعبة تشارلي هو الذي ساهم في انتشارها.
ويرجع المهتمون بالتوثيق أن هذه اللعبة لها جذور قريبة تعود إلى عام 2008 وارتبطت بملف فيديو عرض على موقع اليوتيوب، وبعد فترة وانقطاع من الاهتمام عادت للظهور بين أوساط الشباب في جمهورية الدومينيكان، بين أوساط طلاب المدارس الشغوفين بتجربة كل ما هو مثير وما هو ممنوع، مستعينين في ذلك بأدواتهم وأقلامهم المدرسية، ونجحت تلك التجربة في الانتشار بفعل التطور المذهل الذي شهدته الشبكة العنكبوتية بكل برامجها ومواقعها، والرقي المستمر في الهواتف الذكية بحيث أصبح التوثيق والتصوير لا يستغرق سوى ثوان معدودة، وإن الحجر الذي ألقي في الدومينيكان وصلت آثاره إلى العالم العربي، فرأينا النسخة العربية من هذا العبث المحرم الذي يصادم أصل العقيدة بين أبناء لا إله إلا الله.
"تشارلي، تشارلي هل أنت هنا؟ "و" تشارلي، تشارلي هل يمكننا اللعب سويا؟" هذه هي كلمة السر في اللعبة والتي يقصد منها نداء تشارلي Charly، وتشارلي المذكور هو شخصية أسطورية مزعومة تفيت منذ زمن لها هذا الاسم، ويقال بأنها اسم لشيطان مكسيكي تقوم اللعبة على استحضار روحه.
ومع انتشار هذه اللعبة بدأ المختصون والمهتمون في الأمور الاجتماعية والدينية على حد سواء يدقون ناقوس الخطر، ويتكلمون عن الآثار الكارثية التي تسببها أمثال هذه الألعاب، حتى النصارى تحدثوا عن خطورتها.
أما نحن المسلمين فيمكننا أن نقول التالي:
أولا: هذه اللعبة قائمة على نداء الشياطين والأرواح، وهذا مصادم لعقيدة التوحيد التي تحرم أمثال هذه الممارسات وتجعلها من الشرك، أما نداء الجن والشياطين فمنه ما هو شرك أصغر وما هو أكبر، فقد يكون في مبتدئه أصغر باعتبار أنه سيؤول إلى تصديقهم فيما يخبرون، ثم إلى طلب المنفعة منهم، ثم إلى عبادتهم واللجوء إليهم، فيكون داخلا في قوله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} (الجن: 6).
ثانيا: القول باستحضار روح تشارلي بعد موته باطل لأنه ليس في إمكان أحد أن يفعل ذلك، لأن من صميم عقيدتنا أن الأرواح وبعد أن تفارق الأجساد تنتقل إلى عالم البرزخ، فمنها أرواح تكون في حالة من العذاب: { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} (غافر:46)، تكون في نعيم مقيم، وحواصل طير خضر، تسرح في رياض الجنة، تأكل من ثمارها، وتشرب من أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في سقف عرش الرحمن، وليست الأرواح في حالة تمتلك إرادة كي تجيب اللاعب إذا ناداها أو تتصرف بغير ما هي مأمورة به، لأن رداء الإرادة الذي اكتست به تم خلعه عند عتبات حياة البرزخ، فليس لها من الأمر شيء.
ثالثا: ما يحصل من سؤال من اللاعب لتشارلي لا يختلف عن سؤال الكهنة والعراف، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أتى عرافا، فسأله عن شيء، فصدقه بما يقول، لم تقبل له صلاة أربعين يوما)، بل صح في ذلك حديث: (من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد) رواه أبو داود.
رابعا: قد لا يتنبه اللاعبون بهذه اللعبة إلى ما يستلزمها من إضفاء صفة الربوبية على الروح المكسيكية، بحيث يسع سمعه أصوات اللاعبين من جميع دول العالم ويجيب الجميع في وقت واحد بما لا يقدر عليه إلا الله! هذا وإن كان المسلم لا يعتقد ذلك إلا أن الأطفال قد لا يعون هذا البعد العقائدي الخطير في مثل هذه الممارسات.
خامسا: قيام أطفالنا وشبابنا بممارسة هذه اللعبة بعد أن شاهدوا "الغرب" يقومون بها، يدل على الحال المتردي الذي وصلنا إليه من التقليد الأعمى وتقبل نواتج الحضارة الغربية دون أن يكون لدى الناشئة فلترا يقيهم شوائبها، وصدق رسول الله إذ يقول: (لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرا شبرا وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم)، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: (فمن؟) رواه البخاري.
سادسا: لا الأرواح ولا الجن ولا الشياطين يعلمون من الغيب شيئا، فكيف يقوم الأطفال بالسؤال عن أمور غيبية؟ كيف وقد قال ربنا : {وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء} (آل عمران: 179)، فظهر من ذلك ظهر أن أعلم المخلوقات وهم الرسل والملائكة، لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله تعالى، وهو تعالى يعلم رسله من غيبه ما شاء.
سابعا: أن كثيرا من الأطفال والشباب يقولون: نحن لا نصدق تلك الأقاويل المتعلقة بهذه اللعبة، وإنما نقوم بممارستها من باب الفضول والتسلية، فيقال لهم: كيف نتسلى بالأمور المحرمة وقد ظهر لنا خطورتها؟
إن الصورة أبعد خطورة من مجرد اللعب والتسلية، إنها تظهر أننا بحاجة حقيقية وماسة لملأ الفراغ الموجود في الأوقات بما يفيد ويحقق الرفاهية معا، حتى لا نفاجأ بأمور أخرى ستقذفها لنا الأيام ونحن في غفلة من أمرنا منشغلون عن أولادنا وعن تربيتهم وسد احتياجاتهم، وهذا هو ما يفرضه علينا واجب التربية والتنشئة الصحيحة: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} (التحريم:6).