- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:نظائر قرآنية
من النظائر القرآنية الآيتان التاليتان:
قوله تعالى: {إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا} (النساء:149).
قوله سبحانه: {إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما} (الأحزاب:54).
هاتان الآيتان افترقتا في ثلاثة أمور:
الأول: أن الآية الأولى قال فيها: {إن تبدوا خيرا} بينما قال في الآية الثانية: {إن تبدوا شيئا}.
الثاني: أن جواب الشرط في الآية الأولى قال فيه: {فإن الله كان عفوا قديرا} بينما جواب الشرط في الآية الثانية قال فيه: {فإن الله كان بكل شيء عليما}.
الثالث: في الآية الأولى قال سبحانه: {أو تعفوا عن سوء} في حين أن الآية الثانية خلت من قول ذلك. فما وجه الجواب على هذه الفوارق الثلاثة؟
الجواب عن الفارق الأول: أن قوله تعالى: {إن تبدوا خيرا أو تخفوه} مقصود به خصوص جانب الخير وعمل البر؛ جريا على ما دارت عليه سورة النساء، وتردد فيها من إصلاح ذات البين، والندب إلى العفو، والتجاوز عن السيئات، نحو قوله تعالى لمقتسمي الميراث فيمن حضره من ذوي القربى وذوي الحاجات: {فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا} (النساء:8). وقوله في الآتين الفاحشة: {فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما} (النساء:16). وقوله في معاشرة النساء: {وعاشروهن بالمعروف} (النساء:19). وقوله في الناشزات من النساء: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} (النساء:34). وقوله مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن المنافقين: {فأعرض عنهم وعظهم} (النساء:63). وقوله في الإصلاح بين الزوجين: {وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما} (النساء:129) إلى أمثال هذه الآيات مما لا يكثر في غير هذه السورة ككثرته فيها. ومن هنا لم يتعرض فيها لأحكام الطلاق، وإن كانت السورة مبنية على أحكام النساء، لكن خص من ذلك ما فيه التآلف والإصلاح، وما يرجع إلى ذلك، ولم يرد فيها من أحكام الطلاق الا ما أشار إليه قوله تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته} (النساء:130) فذكر هذا القدر عند استدعاء معنى الكلام وتمام المقصود به إليه بأوجز لفظ، وبما يؤنس الزوجين، ولم يذكر فيها اللعان، ولا الظهار، ولا الخلع، ولا طلاق الثلاث، بل ذكر فيها استحباب العشرة إلى التوارث، فلما كان مبنى السورة على هذا، ناسب ذلك ذكر جانب (الخير) غير مشار إلى ضده إلا بـ (العفو) عما وقع المكلف فيه، فقال تعالى: {إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء} فناسب بهذا الخصوص (الخير) خصوص ما تكرر في هذه السورة بما ذكر من (العفو) وما يحرزه.
أما آية الأحزاب فمقصود بها ما يعم جانبي الخير والشر، فقد تقدمها قوله تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} (الأحزاب:53). وما تقدم في هذه السورة من ذكر المنافقين وسوء فعالهم في قصة الأحزاب، وقولهم: {ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} (الأحزاب:12) وقولهم في الاستئذان: {إن بيوتنا عورة} (الأحزاب:13) وكذبهم في ذلك، فحذر الله المؤمنين من فعال المنافقين، وأعلمهم أنه تعالى لا يخفى عليه شيء، فقال تعالى: {إن تبدوا شيئا أو تخفوه} فلما قصد في هذه الآية عموم جانبي الخير والشر، ذكر لفظا مطلقا، يعم الخير والشر، فقال تعالى: {إن تبدوا شيئا} و(الشيء) يقع على كل موجود من ذات، أو معنى، و(الشيء) المخفي المشار إليه في الآية، إنما هو عمل قلبي موجود بمحله، والخير والشر داخلان تحت ذلك. وأما لفظ (خير) في آية النساء فقد تقدم خصوصه ومناسبته، فورد كل على ما يناسب.
الجواب عن الفارق الثاني: أن اختلاف جواب الشرط في الآيتين إنما هو بحسب ما يستدعيه؛ فقوله تعالى في الأحزاب: {فإن الله كان بكل شيء عليما} جواب لقوله تعالى: {إن تبدوا شيئا أو تخفوه} وأما قوله في آية النساء: {فإن الله كان عفوا قديرا} فمناسب لقوله: {أو تعفوا عن سوء} فندب سبحانه عباده إلى العفو، بإعلامهم أن تلك سنة في خلقه من عفوه عن المسيء مع القدرة على أخذه والانتقام منه، وهذا جواب لقوله تعالى: {أو تعفوا عن سوء} يفهم جواب الأمرين من إبداء الخير وإخفائه، وأن ذلك يحبه تعالى، ويثيب عليه. فناسب كل من جواب الشرطين في الآيتين فعل شرطهما.
الجواب عن الفارق الثالث: أن قوله تعالى: {أو تعفوا عن سوء} من تمام ما قصد بالآية من الندب إلى تحصيل أفعال البر، وأن (العفو عن السوء) من أجلها، وبذلك أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله: {فاعف عنهم واصفح} (المائدة:13) في غير ما آية.
فوضح بما تقدم أن كل ما ورد في الآيتين لا يلائمه غير موضعه.
هذا حاصل ما أجاب به ابن الزبير الغرناطي عن الفوارق بين هاتين الآيتين الكريمتين. أما غيره فقد اقتصر على الإجابة على الفارق الأول، وحاصل جوابهم: أنه سبحانه خص في آية النساء (الخير) بـ (الإبداء)؛ لأنه بإزاء (السوء) في الآية السابقة، التي قال فيها: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما} (النساء:148)، والمعنى: لا يحب الله أن يجهر بالقول السيء غير المظلوم، وهو أن يدعو على من ظلمه، أو أن يخبر بظلمه له، أو أن ينتصر منه بسوء مقاله فيه، فقال: إن أبديتم ثناء وذكرا جميلا لمن يستحقهما، أو أخفيتموهما، أو سكتم عمن أساء إليكم بالعفو عنه، فإن الله مع قدرته كثير العفو عن عباده، فاقتضت في هذه الآية المقابلة أن يجعل (الخير) بإزاء (السوء).
أما في آية الأحزاب فلأن قبلها تحذيرا من إضمار ما لا يحسن إضماره في قوله عز وجل: {والله يعلم ما في قلوبكم} (الأحزاب:51)، وقوله: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} (الأحزاب:53)، وقوله سبحانه بعد: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض} (الأحزاب:60)، فاقتضى هذا المكان العموم، وأعم الأسماء (شيء) فقال تعالى: {إن تبدوا شيئا} مما حذركم الله {أو تخفوه} ثم ختم الآية بقوله: {فإن الله كان بكل شيء عليما} لم يزل عليما بما يكون كعلمه بما كان.