- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:آيات ومعجزات النبوة
من هو الشهيد السعيد الذي يمشي على الثرى وهو مبشر من النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة وخاتمة السعادة؟! .. إنه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، الذي يعرف بطلحة الخير، وطلحة الفياض، وهو من السابقين إلى الإسلام، الذين أوذوا في الله ثم هاجروا، وقد شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها إلا غزوة بدر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله هو وسعيد بن زيد رضي الله عنهما إلى طريق الشام يتحسسون عيرا لقريش راجعة من الشام. وفي غزوة أحد عرضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم صخرة من الجبل فنهض إليها ليعلوها فلم يستطع، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فنهض عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: (أوجب طلحة) أي الجنة. وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد يقول: "هذا اليوم كله لفلان، يعني: طلحة"، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة الذين توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. قال ابن الأثير: "وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد، وبايع بيعة الرضوان، وأبلى يوم أحد بلاء عظيما، ووقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، واتقى عنه النبل بيده حتى شلت أصبعه، وضرب على رأسه، وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره حتى صعد الصخرة.. ثم ساق بسنده عن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة قال: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: طلحة الخير، ويوم العشيرة: طلحة الفياض، ويوم حنين: طلحة الجود". وقال عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء: "أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، له عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وله في "مسند بقي بن مخلد" بالمكرر ثمانية وثلاثون حديثا، وله حديثان متفق عليهما، وانفرد له البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة أحاديث".
نبؤة ومعجزة
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله) رواه الترمذي وصححه الألباني، وفي رواية ثانية: (من أحب أن ينظر ..).
وعن موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما طلحة رضي الله عنهم: (أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترئون هم على مسألته، يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أين السائل عمن قضى نحبه؟ قال الأعرابي: أنا يا رسول الله، قال: هذا ممن قضى نحبه) رواه الترمذي وصححهالألباني. قال مقاتل في تفسيره لقول الله تعالى: {فمنهم من قضى نحبه} (الأحزاب:23) يعني: أجله، فمات على الوفاء".
ومن فوائد هذا الحديث كما في شرح سنن ابن ماجه: "ما ترجم له المصنف رحمه الله، وهو بيان فضل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ممن قضى نحبه مع أنه لا يزال حيا، ينتظر الوفاء بما عاهد الله عليه. ومنها: أن فيه علما من أعلام النبوة، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقتل شهيدا، فقتل يوم الجمل، ومنها: جواز مدح الإنسان في وجهه إذا لم يخش عليه فتنة، ومنها: أن فيه إشارة إلى قول الله عز وجل: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر}(الأحزاب: 23)".
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله) نبؤة جليلة، وعلم من أعلام النبوة، ومعجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد صرح النبي صلوات الله وسلامه عليه أن طلحة رضي الله عنه سيموت شهيدا، وقد تحققت هذه النبؤة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، واستشهد طلحة رضي الله عنه يوم معركة الجمل..
وقد سبق هذه النبؤة والبشارة النبوية لطلحة رضي الله عنه بأنه سيموت شهيدا نبؤة مثلها في موقف آخر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسكن حراء! فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص) رواه مسلم، وقد قتلوا جميعا باستثناء سعد رضي الله عنه، فشهد النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه بالنبوة، ولأبي بكر بالصديقية، ولعمر وعثمان وعلي وطلحة بالشهادة. قال النووي: "وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم: منها إخباره أن هؤلاء شهداء, وماتوا كلهم غير النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر شهداء، فإن عمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير رضي الله عنهم قتلوا ظلما شهداء، فقتل الثلاثة: "عمر وعثمان وعلي" مشهور, وقتل الزبير بوادي السباع بقرب البصرة منصرفا تاركا للقتال, وكذلك طلحة اعتزل الناس تاركا للقتال, فأصابه سهم، فقتله, وقد ثبت أن من قتل ظلما فهو شهيد".
السيرة النبوية مليئة بالكثير من الدلائل والمعجزات للنبي صلى الله عليه وسلم في إخباره ونبؤته عن أمر غيبي مستقبلي وقع كما أخبر به، ومنها إخباره صلوات الله وسلامه عليه باستشهاد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، ذلكم الشهيد الذي قضى نحبه وهو ما زال يعيش بين الناس ويمشي على الأرض، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم مدعيا للنبوة لما أخبر عن أمر مستقبلي غيبي لم يطالبه به أحد، وإذا كان من المعلوم أن الموت وما يتعلق به من مكان وزمان وكيفية علم اختص الله عز وجل به، كما قال الله تعالى: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}(لقمان:34)، فما ورد وثبت من أقوال ونبؤات النبي صلى الله عليه وسلم في إخباره بكيفية موت بعض أصحابه وبعض أعدائه وتحقق كما أخبر به فبوحي من الله تعالى، للدلالة على نبوته وعلو قدره ومنزلته، و أنه رسول من عند الله لا ينطق عن الهوى كما قال الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}{النجم 4:3).