بل أنتَ سَهْلٌ

0 17206

من الخطأ الشديد الذي يقع فيه البعض اختياره اسما قبيحا لابنه، يحمل معنى سيئا يتأذى منه في صغره وكبره، إما لغرابته، أو لما يحويه من معان تدل على عدم الخير، أو الغلظة، أو غير ذلك من المعاني المكروهة للنفوس.. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسمية المولود باسم حسن، لأن الاسم الحسن يترك انطباعا حسنا لصاحبه وللسامعين، كما نهى صلى الله عليه وسلم عن تسميته باسم قبيح أو اسم غير جائز شرعا، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أحب الأسماء إلى الله تعالى: عبد الله وعبد الرحمن) رواه أبو داود، وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا تسمين غلامك يسارا، ولا رباحا، ولا نجيحا، ولا أفلح، فإنك تقول: أثم هو؟ فلا يكون) رواه مسلم.

ولم يكن اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم بالاسم الحسن مقتصرا على الأطفال فقط، بل كان للرجال والنساء والعجائز نصيب من ذلك الهدي النبوي، فقد غير صلوات الله وسلامه عليه أسماء بعض الأسماء القبيحة أو المحرمة لبعض الصحابة إلى أسماء حسنة طيبة, فقد أخرج الترمذي وصححه الألباني في: "باب ما جاء في تغيير الأسماء" عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير الاسم القبيح)، وقال ابن القيم في كتابه "تحفة المودود" :""وهذا باب عجيب من أبواب الدين، وهو العدول عن الاسم الذي تستقبحه العقول، وتنفر منه النفوس، إلى الاسم الذي هو أحسن منه والنفوس إليه أميل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الاعتناء بذلك". وقال المناوي في فيض القدير: "كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يشتد عليه الاسم القبيح ويكرهه، من مكان، أو قبيلة، أو جبل، أو شخص".

وقد شمل اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير أسماء بعض الناس إلى تغيير أسماء بعض القرى والأماكن إذا كان اسمها قبيحا أو سيئا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان إذا سمع اسما قبيحا غيره، فمر على قرية يقال لها: عفرة فسماها خضرة) صححه الألباني. وكذلك غير صلى الله عليه وسلم اسم يثرب إلى: المدينة، وطابة، وطيبة، وسبب هذه الكراهة أن يثرب إما من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة، أو من الثرب وهو الفساد، وكلاهما مستقبح، فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد من تبوك فأشرف على المدينة قال: هذه طابة) رواه البخاري، قال ابن القيم: "ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واسمها يثرب لا تعرف بغير هذا الاسم غيره بطيبة لما زال عنها ما في لفظ يثرب من التثريب، بما في معنى طيبة من الطيب".

وقد ورد في السيرة النبوية الكثير من المواقف والأحاديث لبعض الأسماء التي غيرها النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها:

ـ روى البخاري في "الأدب"  أبو داود وابن حبان عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (ما اسمك؟ قال: اسمي حزن، قال: بل أنت سهل، قال: ما أنا بمغير اسما سمانيه أبي، قال: قال ابن المسيب: فما زالت فينا الحزونة بعد). قال ابن الجوزي: "الحزن: ما غلظ من الأرض، ويقال: في خلق فلان حزونة: أي غلظة وقساوة، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم كره الاسم لهذا المعنى فأبدله بضده تفاؤلا، فأبى الرجل". وفي "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح": "قال ابن المسيب: (فما زالت فينا) أي: معشر أولاده، (الحزونة) أي: صعوبة الخلق، (بعد) أي: بعد إباء أبي اسم السهل من النبي صلى الله عليه وسلم". وقال ابن حجر في فتح الباري: "وقال ابن بطال: فيه أن الأمر بتحسين الأسماء وبتغيير الاسم إلى أحسن منه ليس على الوجوب".

ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزنية، فقال: بل أنت حسانة المزنية) رواه الحاكم وصححه الألباني. جثامة: اسم ثقيل يجمع في معناه أشياء كثيرة وكريهة من البلادة والكسل والكابوس.

ـ وأخرج مسلم في كتاب الأدب: "باب استحباب تغيير الاسم إلى الحسن" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسم عاصية، وقال: أنت جميلة). وروى البخاري في الأدب المفرد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: شهاب, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنت هشام)، ومعنى شهاب: كل مضيء متولد ضياؤه من النار، قال الخطابي: "الشهاب: الشعلة من النار".

ـ وعن أسامة بن أخدري أن رجلا يقال له أصرم كان في النفر الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما اسمك؟ قال: أنا أصرم, قال: بل أنت زرعة) رواه أبو داود وصححه الألباني. وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم اسم أصرم، لما فيه من معنى الصرم، وهو القطع، وسماه: زرعة، لأنه من الزرع، والزرع: النبات، وهو ضد القطع.

الثابت والمعلوم من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم وسيرته المشرفة أنه كان يحب الاسم الحسن، ويكره الاسم الذي يتضمن قبحا وغلظة، أو الذي يتضمن شركا، أو رضا بالمعصية، أو يشتمل على تزكية، ويغيره إلى اسم حسن طيب، فعن هانيء بن يزيد رضي الله عنه: أنه لما وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه، سمعهم النبي صلى الله عليه وسلم يسمون رجلا منهم عبد الحجر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اسمك؟ قال: عبد الحجر، قال: لا، أنت عبد الله) رواه البخاري في الأدب المفرد. قال ابن القيم في "زاد المعاد": وثبت أنه غير اسم عاصية، وقال: أنت جميلة. وكان اسم جويرية: برة، فغيره باسم جويرية. وقالت زينب بنت أبي سلمة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمى بهذا، فقال: لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم .. قال أبو داود: وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم العاصي وعزيز وعتلة وشيطان، والحكم، وغراب، وحباب، وشهاب، فسماه هشاما، وسمى حربا سلما، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضا تسمى عفرة سماها: خضرة، وشعب الضلالة، سماها شعب الهدى، وبنى الزنية سماهم نبي الرشدة، وسمى بني مغوية بني رشد".

اسم الإنسان علم عليه، وهو أمر مهم في التعريف به، لذا لا بد من الحرص على انتقاء أحب وأجمل الأسماء لفظا ومعنى لأولادنا ـ البنين والبنات ـ، ولو أن المسلم ـ صغيرا كان أو كبيرا ـ سمي باسم قبيح يزعجه ويؤذيه، وأراد أن يستبدله باسم حسن فليغيره ويستبدله، وهو بذلك متبع لا مبتدع, فعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير الاسم القبيح إلى الاسم الحسن)، وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه أنه قال: (كان إذا أتاه الرجل وله اسم لا يحبه حوله (غيره)) رواه الطبراني وصححه الألباني، وهذا من كمال وجمال أدبه وهديه صلى الله عليه وسلم.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة