- اسم الكاتب:أبو عبد الرحمن الإدريسي-إسلام ويب
- التصنيف:تعزيز اليقين
لازلنا مع الأسباب التي تؤدي إلى ضلال المتشككين، نجيب عنها ونكشف عن مغالطاتها عسى أن تكون معنيا بإحداها أيها الزميل اللاديني، فكم هي كثيرة تلك الشبهات التي يضحك بها الهوى على العقول، فتكون النتيجة إلى ما لاتحمد عقباه من تيه وشك، وعقد نفسية :
الحالة الثامنة : أنا أنشط في ميدان حقوق الإنسان، وأرى فرقا بينها وبين الإسلام !
إن حقوق الإنسان في كنهها ما هي إلا فلسفة غربية، فرضتها الدول المنتصرة في الحرب على مجموع الكرة الأرضية، ضاربة عرض الحائط كل الثقافات والديانات وتقاليد الشعوب، لها أهداف إمبريالية ووسيلة ضغط على مختلف الحكومات.
فالذي يدعو إلى إلغاء عقوبة الإعدام مثلا، يرى فقط حق الجاني في الحياة، ويتناسى حق الضحية المقتولة التي حرمت منها. فالقانون ينبغي أن يحقق الجانب الردعي لكي يحمي المجتمع من جريمة القتل هذه. وسوسيولوجيا ثبت أن هناك مجرمين لا تردعهم العقوبات السجنية مطلقا، بل على العكس، فالمجرم يكون صداقات داخلها ويجد المبيت والطعام والشراب داخل السجن، وأصدقائه هناك كلهم من المجرمين والطالحين، فأنى يمكن إصلاح هذا الشخص ؟وخير دليل على كلامنا ارتفاع معدل الجريمة في الأوساط الغربية .
أما في الإسلام فشريعته تحقق جانب الردع والعدل في العقوبات، فالقاتل يقتل لأنه سلب الحق في الحياة للضحية، فكان جزاءه سلبه الحياة كما فعل بضحيته .
ولا ننكر أن فلسفة حقوق الإنسان فيها الصالح وفيها الطالح، فالشريعة قد سبقت تلك الفلسفة بقرون. لكن الخطأ أن يأخذها الإنسان كلها دون تمحيص، لأنها تبقى من وضع بشري قابل للخطأ كما الصواب !
فالميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صودق عليه داخل الأمم المتحدة، هو نسخة متأثرة أساسا بإعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789م، الذي أتت به الثورة الفرنسية الممجدة لفلسفة الأنوار، وصيغ على أساس قومي لا يتعداه إلى العالمية، وقد عارضه مجموعة كبيرة من الفلاسفة الغربيين والمفكرين كالفيلسوف : إيدموند بورك، وجيريمي بنتهام، وديفيد هيوم، وكارل ماركس وغيرهم .. أما إعلان الأمم المتحدة فلا زال إلى يومنا هذا يتلقى انتقادات واسعة من علماء الاجتماع وغيرهم ...
فالعيب في تقديس كل ما هو آت من الغرب، وهذه آفة الأمة في زماننا هذا، وتصديق لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه . قلنا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال : فمن؟ ) رواه البخاري.
وهذا ما دفع السياسي والحقوقي الفرنسي ستيفان هوسيل الذي كان دعامة أساسية في الأمم المتحدة إلى القول : "الإعلان العالمي كان في أول أمره إعلانا صاغته الدول المنتصرة في الحرب وإن لفظ العالمي خضع لنقاشات قوية" -1-
ثم يضيف المفكر الفرنسي جيل لوبرتان :" الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صيغ على أساس ليبرالي وأصبح أداة سياسية تستعمل لمكافحة إيديولوجية للمد الماركسي .. إن حلم كونية حقوق الإنسان كسره واقع التعدد الثقافي .. إن على الإعلان العالمي أن يعترف بالتنوع الحضاري والثقافي للشعوب عوض أن يفرض كونية غامضة عليهم .. وأن يؤسس مشروعه في بناء نظام عالمي إنساني على موافقة الدول عن طيب خاطر لا أن يفرضه عليهم فرضا " -2-
فلا يمكن للدول أن تطلب من الهندوسي أو البوذي أو المسيحي، أو اليهودي، كما المسلم، أن يناقضوا أساسيات معتقدهم من أجل ثقافة حقوق الإنسان، كإباحة الزنا، وزواج الشواذ، وغيرها !
فاليهودي في كتابه يقرأ : " ولا تضاجع ذكرا مضاجعة امرأة، إنه رجس. 23 ولا تجعل مع بهيمة مضجعك فتتنجس بها ولا تقف امرأة إمام بهيمة لنزائها. إنه فاحشة 24 بكل هذه لا تتنجسوا لأنه بكل هذه قد تنجس الشعوب الذين أنا طاردهم من أمامكم 25 فتنجست الأرض. فأجتزي ذنبها منها فتقذف الأرض سكانها. 26 لكن تحفظون انتم فرائضي وأحكامي ولا تعملون شيئا من جميع هذه الرجسات لا الوطني ولا الغريب النازل في وسطكم. 27 لان جميع هذه الرجسات قد عملها أهل الأرض الذين قبلكم فتنجست الأرض. 28 فلا تقذفكم الأرض بتنجيسكم اياها كما قذفت الشعوب التي قبلكم. 29 بل كل من عمل شيئا من جميع هذه الرجسات تقطع الأنفس التي تعملها من شعبها. 30 فتحفظون شعائري لكي لا تعملوا شيئا من الرسوم الرجسة التي عملت قبلكم ولا تتنجسوا بها. أنا الرب إلهكم " سفر اللاويين الإصحاح 18 -
أو أن يقبل النصراني ذلك وهو يقرأ في كتابه : "أم لستم تعلمون إن الظالمين لا يرثون ملكوت الله.لا تضلوا.لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مابونون ولا مضاجعو ذكور 10 ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله. "- رسالة بولس إلى أهل كورنثوس الإصحاح 6 -
كما لا يعقل أن تنتظر من الهندوسي أن يعتبر الزنا حقا مشروعا كما شرب الخمر وهو يقرأ في كتابه" الذي يقتل براهمانا أو يسرق ذهبا أو يشرب خمرا سيذهب إلى نار سوكارا .. والذي يتهم بالزنا مع زوجة معلمه الروحي سيذهب إلى نار طالا .. "- فيشنو بورانا الفصل السادس -
ونفس الشيء يقال على البوذي الذي يقرأ ": وخلال رحلته إلى السماء سيجد عدة صعوبات تعترض طريقه وأفكاره السيئة ستقوده إلى الخسران وسيتدرج فيها شيئا فشيئا، قتل البهائم، السرقة والزنا، الكذب .. الحسد، الزعم بأنه لا وجود لخطيئة ولا لسلام أبدي كل هذه الأشياء محرمة عند بوذا وكل من مات على مثل هذه الخطايا سيدخل جهنم ويتعذب كثيرا، وحينما سيعود للحياة مرة أخرى سوف يعاني من أمراض لا علاج لها "
إنما تبقى ثقافة حقوق الإنسان فيها الغث والسمين، فنقبل منها ما يوافق معتقدنا وديننا ونرفض ما يناقضه، فالعالم به تنوع ثقافي وديني كبير، وكل شعب يميل إلى التمسك بتقاليده وثقافته، والإنسان بفطرته لا يقبل التقليد والنسخ عن شعب آخر، إنما يطمح إلى تحقيق فرادته واستقلاليته، واعتقاد رأيه .
هوامش المقال
1- كتاب مواطنون بلاحدود / نقلا عن مقال حقوق الإنسان هل هي عالمية ؟ - جريدة الملاحظ الجديد الفرنسية 2008 م.
2-منشور نقد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فرنسي، متوفر على الشبكة.