- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:تحرير .. أم تغرير
سياسة الطفل الواحد .. أو ما يطلق عليه رسميا (تنظيم الأسرة في جمهورية الصين الشعبية)، بدأت عام 1978م، للحد من الانفجار السكاني في الصين، وتتلخص هذه السياسة في إلزام كل زوجين بإنجاب طفل واحد فقط!، مع بعض الاستثناءات: كحالات ولادة توأم، والآباء والأمهات الذين ليس لهما أشقاء، والمناطق الريفية التي يسمح للزوجين فيها بإنجاب طفل ثان في حال كان المولود الأول أنثى، والأقليات العرقية، ومناطق التبت وهونج كونج وماكاو .. حيث أفادات التقارير أن هذه السياسة أدت خلال الثلاث عقود المنصرمة إلى تجنب زيادة سكانية تقدر بنحو 400 مليون نسمة، في بلد يبلغ تعداد سكانه 1.3 مليار نسمة وأكثر.
وفي حال إنجاب طفل ثان فإن الحكومة تحرمه من كافة حقوق المواطنة، وتجرده من كافة الامتيازات، ولا تمنحه حتى بطاقة هوية، فهو مثلا لن يتمكن من الاستفادة من مجانية التعليم والرعاية الصحية المدعمة ولا يحق له الانتخاب.
كما عمدت السلطات إلى إجبار الأمهات على إجراء عمليات إجهاض لأجنتهن حتى لو كن في المراحل المتأخرة من الحمل .. ولكن الأمر قد يؤول إلى الحصول على تلك الامتيازات في حالة دفع ضريبة مالية باهظة، غالبا لا تتوفر قيمتها لدى الطبقة الفقيرة والمتوسطة.
ومن الحوادث شديدة القسوة في هذا المضمار أن السلطات المحلية طلبت من الأم (فينغ جينامي) دفع غرامة مالية 4000 يورو لأنها حامل في طفلها الثاني، وعندما امتنعت عن الدفع بسبب عدم امتلاكها لهذا المبلغ، لأن زوجها يدفع تكاليف علاج والدته المريضة بالسرطان، طلبت منها السلطات إخضاع نفسها لعمليه إجهاض، ولكنها رفضت طلبهم المتكرر وملاحقتهم لها، فما كان منهم إلا إصدارأمر ضدها بالاعتقال الفوري، وعندما قاومت قاموا بضربها، وتم إيداعها مستشفى للولادة حيث قام الأطباء بحقنها رغما عنها بمادة كيميائية، وبعد مرور 36 ساعة فقط ولدت جنينها وهو متوفى.
عواقب وخيمة
محاولة الحد من الانفجار السكاني بالتقليص الإجباري للتعداد العددي خلف كثيرا من المشكلات التي لم تكن في الحسبان لدى السلطات الصينية:
• تسببت هذه السياسة في زيادة في حالات الإجهاض القسري، ووأد البنات، لأن الأسر في الغالب تفضل إنجاب الذكور، ووصل الأمر إلى عدم الإبلاغ عن المواليد الإناث، مما سبب خللا في التوازن الطبيعي بين أعداد الجنسين في الصين، حيث توقعت الأكاديمية الصينية للخدمات الاجتماعية أن 24 مليون شاب قد لا يمكنهم العثور على زوجات بحلول عام 2020م, في حين تشير تقديرات أخرى إلى أن عدد هؤلاء قد يتراوح بين ثلاثين وخمسين مليون فرد.
ووفق إحصاءات رسمية فإن أكثر من 13 مليون عملية إجهاض يتم إجراؤها بشكل سري في مختلف المدن الصينية إذا ما تبين للوالدين أن الجنين أنثى، ويحظر القانون الصيني على المستشفيات والأطباء إبلاغ الوالدين بجنس الجنين.
• زيادة أعداد كبار السن وتقلص الطاقات الشبابية العاملة .. حيث تضخمت أعداد المسنين ومن هم فوق سن الستين من العمر إلى حوالي أربعمائة مليون، أي ما يقارب ربع عدد السكان، الأمر الذي عبر عنه البعض بأن الصين مجتمع يشيخ.
• لمواجهة الشيخوخة المجتمعية وتراجع أعداد القوى العاملة قامت الحكومة بتمديد سن التقاعد إلى 65 سنة للرجال و 60 سنة للنساء.
• تراجع حاد في نسبة القوى العاملة، حيث سجل العام 2012م تراجعا وصل إلى نحو 4 ملايين عامل في العام، ومن المتوقع أن تصل الخسارة إلى ثمانية ملايين عامل سنويا مع حلول عام 2023م، وقدر تقرير أصدرته الأمم المتحدة مؤخرا أن القوى العاملة في الصين تخسر نحو ثمانين مليون عامل قبل حلول عام 2030م من أصل تسعمائة مليون يعملون حاليا في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.
• تضخم أعداد كبار السن أدى إلى معاناة نظام التأمينات الاجتماعية الصيني نتيجة التحديات الكبرى وتجاوزه حدود الأمان، حيث قفزت مدفوعات صندوق التأمين الاجتماعي من ستة مليارات دولار عام 2000م إلى ثلاثمائة مليار دولار.
• أرهق التراكم السريع في أعداد المسنين كاهل الحكومة، واستنفد الكثير من خزينة الدولة، وأجبرها مؤخرا على الاستعانة بالقطاع الخاص أو المجتمع المدني لرعاية المسنين، مما أدى لانتشار مراكز رعاية المسنين في المدن الصينية.
• تفشي التفكك الأسري الذي خلفته هذه السياسة .. فبعد أن كانت مهمة الاعتناء بالمسنين تتوزع بين عدة أخوة وأخوات سلفا، باتت الأعباء الآن كلها -بما فيها الاعتناء بالوالدين والجدين- ملقاة على كاهل الابن الوحيد.
• إجازة البرلمان الصيني لقانون يلزم الأبناء بزيارات منتظمة لذويهم من كبار السن، ويعطي المسنين الحق في طلب المساعدة من السلطات أو رفع شكاوى أمام المحاكم لمقاضاة الأبناء غير الملتزمين بذلك.
• اتجاه الأزواج الأثرياء بصورة لافتة إلى أدوية الخصوبة لولادة توائم، ووفقا لبعض التقارير، فإن عدد ولادات التوائم تضاعفت سنويا في الصين بداية من 2006م.
• استطاع العديد من شريحة الأثرياء والمسئولين انتهاك سياسة الحظر لمقدرتهم على دفع الغرامات أو تلافيها، فعلى سبيل المثال، بين عامي 2000 – 2005م، عثر على ما يقرب من 1900 مسؤول في إقليم (هونان) بوسط الصين انتهكوا هذا الحظر.
• حسب إحصاءات لجنة تنظيم الأسرة الصينية فإن نحو مليون عائلة صينية قد فقدت طفلها الوحيد لأسباب مختلفة نتيجة الأمراض أو حوادث السير أو الكوارث الطبيعية، بعد أن بلغ الزوجان من العمر عتيا، وأصبحا غير قادرين على الإنجاب، وأن حوالي 76 ألف عائلة تفقد طفلها الوحيد كل عام دون أن تتمكن من إنجاب بديل له نتيجة تقدم سن الوالدين.
• تفشي ظاهرة اختطاف الأطفال والاتجار بالبشر التي انتشرت في المجتمع الصيني في السنوات الأخيرة .. ووفق إحصاءات غير رسمية لمنظمات غير حكومية، فقد تم رصد أكثر من ستمائة ألف حالة اختطاف أثناء الأعوام الأخيرة، بمعدل سبعين ألف حالة في العام أو بمعدل 190 حالة في اليوم، ويحظر القانون على هذه العائلات المنكوبة إنجاب أطفال جدد، نظرا لعدم قدرتهم على تقديم أدلة تثبت وفاة أطفالهم أو أنهم مازالوا على قيد الحياة.
• يشير المراقبون إلى أن سياسة الطفل الواحد مع الازدهار الاجتماعي والاقتصادي في الصين قلصت من تطلعات إنجاب أطفال مطلقا في المناطق الحضرية، نتيجة ارتفاع تكلفة الحياة، وامتدت إلى المناطق الريفية حيث تراجعت المزايا التقليدية لانجاب عدد كبير من الاطفال مثل عملهم في الزراعة.
• يرى محللون أن ثلاثة عقود من سياسة الطفل الواحد أنتجت جيلا مدللا .. طفل أوحد يدور الجميع في فلكه، واعتاد الحصول على كل ما يريد بسهولة، وجميع طلباته مجابة، حتى أن البعض سماه جيل الأباطرة الصغار أو شمس العائلة، مما جعله جيلا مرفها غير قادر على تحمل أعباء الحياة مستقبلا، ويعاني كثير منهم من أمراض نفسية كتفشي مرض التوحد.
لكن في ديسمبر 2013م، بدأت إرهاصات التململ من هذه السياسة الجائرة حيث أقرت اللجنة الدائمة للمؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني قانونا يسمح بإنجاب طفل ثان لزوجين أحدهما كان الابن الوحيد في أسرته، واستفاد من هذه الانفراجة حوال 20 مليون أسرة، ثم عدلت هذه السياسة مؤخرا في أكتوبر 2015 م حيث أصدرت الحكومة الصينية قرارا يسمح لكل عائلة بإنجاب طفلين كحد أقصى من غير شروط بدلا من سياسة الطفل الواحد.
ومن المتوقع أن تؤدي الإجراءات الجديدة إلى زيادة مقدارها 13 مليون طفل جديد خلال السنوات الخمس القادمة، بمعدل مليوني طفل في العامين الأولين، زيادة على المعدل الطبيعي السائد وهو 17 مليون مولود جديد كل عام.