- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:غريب الحديث
وردت أحاديث مشتملة على ألفاظ غريبة، وتأتي الغرابة لقلة استعمالها، وندرة التخاطب بها، وفي هذه العصور المتأخرة تتسع دائرة الغريب لتشمل بعض ما كان واضحا في عصر تدوين كتب الغريب، وبين يدينا مجموعة من الألفاظ الغريبة التي وردت في أبواب الطهارة، ويحتاج القارئ إلى الوقوف على حقائقها ومعانيها.
الرجيع: ورد في صحيح مسلم وفي السنن الأربع عن سلمان قال قيل له: " لقد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة، قال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وأن لا نستنجي باليمين، وأن لا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم .
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: فأما الرجيع فقد يكون الروث أو العذرة جميعا، وإنما سمي رجيعا لأنه رجع عن حاله الأولى بعدما كان طعاما أو علفا إلى غير ذلك، وكذلك كل شيء يكون من قول أو فعل يردد فهو رجيع؛ لأن معناه مرجوع أي مردود وقد يكون الرجيع الحجر الذي قد استنجى به مرة ثم رجعه إليه فاستنجى به، وقد روي عن مجاهد: أنه كان يكره أن يستنجى بالحجر الذي قد استنجى به مرة.
الطوافين والطوافات: وقد ورد ذلك في سنن أبي داود عن كبشة بنت كعب بن مالك - وكانت تحت ابن أبى قتادة - أن أبا قتادة دخل فسكبت له وضوءا فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي، فقلت نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ليست بنجس؛ إنها من الطوافين عليكم والطوافات).
قد لا تكون الغرابة في هاتين الكلمتين من حيث مادتهما، وإنما من حيث المجاز الحاصل فيهما، إذ معناهما مستعمل حقيقة في الخدم والمماليك كما قاله أبو عبيد.
قال ابن منظور: شبهها بالخادم الذي يطوف على مولاه ويدور حوله. أ.هـ
وفي عون المعبود قال: فيه إشارة إلى أن علة الحكم بعدم نجاسة الهرة هي الضرورة الناشئة من كثرة دورانها في البيوت ودخولها فيها، بحيث يصعب صون الأواني عنها ، والمعنى أنها تطوف عليكم في منازلكم ومساكنكم فتمسونها بأبدانكم وثيابكم ، ولو كانت نجسة لأمرتكم بالمجانبة عنها .
صماخ: ورد في حديث رواه أبو داود في سننه أيضا: ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما زاد هشام وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه.
والصماخ: بكسر الصاد المهملة، وآخره الخاء المعجمة، هو: الخرق الذي في الأذن المفضي إلى الدماغ، ويقال فيه السماخ أيضا كما في رواية مسلم في حديث أبي ذر الطويل وفيه: فبينما أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب على أسمختهم أي: ناموا.
قال النووي في شرح مسلم: صماخ بالصاد وسماخ بالسين وبالصاد أفصح وأشهر والمراد بأصمختهم هنا آذانهم أي ناموا قال الله تعالى "فضربنا على آذانهم" أي أنمناهم.
كظامة: ورد الحديث في مسند أحمد والمعجم الكبير وسنن أبي داود وغيرهم عن أوس بن أوس الثقفي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم فتوضأ.
والكظامة بكسر الكاف: واحدة الكظائم، وهي آبار تحفر في الأرض متناسقة، ويخرق بعضها إلى بعض تحت الأرض، فتجتمع مياهها جارية، ثم يخرج عند منتهاها فيسيح على وجه الأرض.
وقيل: الكظامة: السقاية، وقيل: الكناسة (الموضع الذي تلقى فيها المخلفات)، ويقال: هي المرادة في الحديث كما حكاه النووي في شرح مسلم.
وفي مصنف ابن أبي شيبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه قال: كنت آخذا بلجام دابة عبد الله بن عمرو، فقال : كيف أنتم إذا هدمتم هذا البيت ، فلم تدعوا حجرا على حجر ؟ قالوا : ونحن على الإسلام ؟ قال : ونحن على الإسلام ، قلت : ثم ماذا ؟ قال : ثم يبنى أحسن ما كان ، فإذا رأيت مكة قد بعجت كظائم ، ورأيت البناء يعلو رؤوس الجبال ، فاعلم أن الأمر قد أظلك، "قد بعجت كظائم": حفرت قنوات، ذكره ابن الأثير وابن منظور وغيرهما من أهل اللغة.
وكعادة ابن فارس في تلخيص المعنى الأصلي للكلمة ثم بيان التطور الذي حصل في دلالتها فيقول: الكاف والظاء والميم أصل صحيح يدل على معنى واحد، وهو الإمساك والجمع للشيء. من ذلك الكظم: اجتراع الغيظ والإمساك عن إبدائه، وكأنه يجمعه الكاظم في جوفه، وقد ورد في سنن أبي داود عن سهل بن معاذ عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور ما شاء).
ومنه كظم التثاؤب أي: تغطية الفم وستره كما في صحيح مسلم عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع).
والكظوم: السكوت. والكظوم: إمساك البعير عن الجرة، والكظم: مخرج النفس، يقال: أخذ بكظمه كما في سنن ابن ماجة وغيره عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يقول : يا ابن آدم ، اثنتان لم تكن لك واحدة منهما ، جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك ، لأطهرك به وأزكيك ، وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك)، قال السيوطي: أي عند خروج نفسك وانقطاع نفسك، ومعنى ذلك قياس ما ذكرناه؛ لأنه كأنه منع نفسه أن يخرج، وإنما سميت البئر كظامة؛ لإمساكها الماء.
المرابض: في مسند أحمد وأصله في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (إذا لم تجدوا إلا مرابض الغنم ومعاطن الإبل فصلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل)، ذكر ابن حجر أن مرابض الغنم جمع مربض وهو: موضع إقامتها على الماء، وقال أهل اللغة: هي مباركها ومواضع مبيتها ووضعها أجسادها على الأرض للاستراحة.
قال العيني: في مرابض الغنم "المرابض: جمع مربض- بفتح الميم- من ربض في المكان يربض إذا لصق بها وأقام ملازما لها"، وقال ابن فارس: وربض الرجل وربضه: امرأته؛ والقياس مطرد، لأنها سكنه، والدليل على صحة هذا القياس أنهم يسمون المسكن كله ربضا. وقال الشاعر:
جاء الشتاء ولما أتخذ ربضا يا ويح كفي من حفر القراميص
والقرموص: حفرة تحفر في الأرض توقد فيها النار.
ومن الكلمات المتعلقة بها: الرويبضة: جاء في الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجة وغيرهما عن أنس: (وتنطق الرويبضة) فهو: الرجل التافه الحقير، وسمي بذلك لأنه يربض بالأرض؛ لقلته وحقارته لا يؤبه له، وحديث: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة) رواه ابن حبان وابن خزيمة وغيرهم، والربض: ما حول المدينة؛ ومسكن كل قوم ربض.
وكاء السه: ورد عند أصحاب السنن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ)، قال ابن سيده: "وكل ما شد رأسه من وعاء ونحوه وكاء".
ومنه حديث أبي سعيد في صحيح مسلم: (وعليكم بالموكى) هو بضم الميم وإسكان الواو مقصور غير مهموز ومعناه: انبذوا فى السقاء الدقيق الذي يوكى أي: يربط فوه بالوكاء، وهو الخيط الذي يربط به والله أعلم، ويقال: فلان يوكأ فلانا أي: يسكته يأمره أن يسد فمه ويسكت، وهذا الفرس يوكي الميدان شدا أي: يملؤه، وأصله أن يملأ السقاء ماء ثم يوكى أي يشد.
قال أبو عبيد: "السه" حلقة الدبر، قال: وأصل الوكاء الخيط الذي يشد به رأس القربة، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- اليقظة للعين بمنزلة الوكاء للقربة، فاذا نامت العينان استرخى ذلك الوكاء، وحصل منه الحدث والريح أ.هـ
ومما جاء بمعنى الإمساك والمنع حديث أسماء في البخاري: (تصدقي ولا توكى فيوكى الله عليك) أي: لا تمسكي فيمسك فضله عنك كما أمسكت، وهو من باب المقابلة والمشاكلة اللفظية.