وما كان الله لِيُعَذِّبَهُمْ وأنتَ فيهم

0 2966

نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو الرسول المصطفى، والنبي المجتبى، اختصه الله عز وجل دون غيره من الأنبياء والرسل بفضائل وخصائص كثيرة، تشريفا وتكريما له، مما يدل على جليل قدره وعلو منزلته عند ربه، قال الله تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات}(البقرة: 253). قال الزمخشري: "{ورفع بعضهم درجات} أي: ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء، فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم بدرجات كثيرة، والظاهر أنه أراد محمدا صلى الله عليه وسلم لأنه هو المفضل عليهم".

ومن خصائصه صلوات الله وسلامه عليه الكثيرة التي خصه الله بها: أنه سيد ولد بني آدم، وأشرف الخلق، وأفضل الرسل، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول من يشفع، وأعطي جوامع الكلم، ونصر بالرعب، وأحلت له الغنائم، وجعلت له الأرض طهورا ومسجدا، وأرسل إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون، وأنه أول من يدخل الجنة، وأنه صاحب الشفاعة والوسيلة والفضيلة وهي أعلى درجة في الجنة، وهو صاحب الكوثر، وهو نهر عظيم وعده الله به في الجنة، وأن أمته أكرم الأمم وأخيرها، وأحسنها وأفضلها، وأنها أمة محفوظة من الهلاك والاستئصال، وهي أكثر أهل الجنة، وأنه صلى الله عليه وسلم وأمته أول من يجتاز الصراط ويدخل الجنة.. إلى غير ذلك من الفضائل والخصائص التي خصه الله عز وجل بها في الدنيا والآخرة .

حياته أمنة وأمان لأصحابه وأمته:

من خصوصياته صلى الله عليه وسلم في الدنيا أنه كان أمنة لأصحابه وأمته من العذاب، بخلاف الأمم السابقة، فقوم نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام عذبوا في حياة أنبيائهم وأهلكوا، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فمن خصائصه في الحياة الدنيا أن وجوده في أصحابه وأمته أمان لهم من الفناء والعذاب، فلا يأتي عذاب عام فيهلكهم. فعن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ) رواه مسلم.
الأمنة والأمن والأمان يعني الطمأنينة وعدم الخوف، قال النووي: "وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون) أي من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب، واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحا، وقد وقع كل ذلك .. قوله صلى الله عليه وسلم: (وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين".
وقال الطيبي: " (فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون) أراد بوعد السماء انشقاقها وذهابها يوم القيامة، وذهاب النجوم تكويرها وانكدارها وانعدامها. وأراد بوعد أصحابه ما وقع بينهم من الفتن. وكذلك أراد بوعد الأمة. والإشارة في الجملة إلى مجيء الشر عند ذهاب أهل الخير، فإنه لما كان بين أظهرهم كان يبين لهم ما يختلفون فيه، فلما توفي جالت الآراء واختلفت الأهواء وكان الصحابة يسندون الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول أو فعل أو دلالة حال، فلما فقد قلت الأنوار، وقويت الظلم، وكذلك حال السماء عند ذهاب النجوم، والأمنة في هذا الحديث جمع أمين وهو الحافظ".

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فنزلت: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون * وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون}(الأنفال: 34:33) رواه البخاري.
قال ابن هبيرة: "وقوله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} المعنى: إنما امتنع العذاب عنهم بمكة لكونك فيهم. وقوله: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} أي لو استغفروا لما عذبوا".
وقال ابن كثير والطبري في تفسيريهما: "عن ابن عباس قال: كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قد قد"! ويقولون: لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. ويقولون: غفرانك، غفرانك، فأنزل الله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}(الأنفال: 33). قالابن عباس: كان فيهم أمانان: النبي صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار"
وقال النيسابوري: "فجعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سببا لنجاة المؤمنين، ثم لما نجاهم وأنقذهم لا يردهم إلى النار، هذا للمؤمنين. وقال للكافرين: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}(الأنفال: 33).. ذلك أن الله تعالى عذب أمم من تقدم من الأنبياء في حياة رسلهم وأنبيائهم أمام أعينهم، وشرف نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه لم يهلك أمته في حضرته، ولن يهلك جميعها بعده لأسباب إلهية رتبها بحكمته، وجعلها مرتبطة بنبيه لما من عليه بفضله وخصه بكرمه". وقال ابن الجوزي: "وفي معنى {وأنت فيهم} قولان: أحدهما: وأنت مقيم بين أظهرهم، قال ابن عباس: لم تعذب قرية حتى يخرج نبيها والمؤمنون معه. والثاني: وأنت حي".

ما أصيب المسلمون بل ولا الكافرون بمثل موته صلى الله عليه وسلم، فإنه مفتاح السعادة والهداية، ونبي الأمة وهاديها، وبدرها وسراجها المنير، ورحمة الله ونعمته على العالمين قال الله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}(الأنبياء:107)، فذهابه ذهاب لكل خير، فأي مصيبة أصيب بها العباد أعظم من موته صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال أنس رضي الله عنه:"ما رأيت يوما قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يوما كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد وصححه الألباني، وقال ابن رجب: "ولما توفي صلى الله عليه وسلم اضطرب المسلمون، فمنهم من دهش فخولط، ومنهم من أقعد فلم يطق القيام، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام"، وكما كانت حياته صلى الله عليه وسلم أمنة لأصحابه كانت أمنة للكفار من عذاب الله عز وجل العام والشامل لهم، وهذه خصوصية من خصوصياتها الكثيرة التي اختصه الله تعالى بها، قال الله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}(الأنفال: 33).

لا شك أن معرفة الخصائص والفضائل التي خص الله تبارك وتعالى بها نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم تجعلنا نزداد به إيمانا وتصديقا، وحبا وتوقيرا، وطاعة واتباعا.. ومن فوائد دراسة السيرة النبوية معرفة هذه الفضائل والخصائص، قال محمد بن الحسين: "قبيح بالمسلمين أن يجهلوا معرفة فضائل نبيهم صلى الله عليه وسلم، وما خصه الله عز وجل به من الكرامات والشرف في الدنيا والآخرة".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة