دموع التائبين

0 1389

 همسة من محب
أخي الحبيب، سلام الله عليك ورحمته وبركاته.
أيها الحبيب.. لك وحدك.. من بين هذا الوجود.. أبعث هذه الرسالة، ممزوجة بالحب، مقرونة بالود، مكللة بالصدق، مجللة بالوفاء، فافتح أيها الحبيب مغاليق قلبك.. وأرعني سمعك.. حتى أهمس في أذنك..
نصيحة من أحبك على قدر طاعتك لربك. ويخشى عليك كخشيته على نفسه.
أخي.. إنك تحمل قلبا بتوحيد الله ناطقا، ومن ناره خائفا، وفي جنته راغبا، على الرغم من تفريطنا.
فها أنا ذا أمد يدي إليك… وأفتح قلبي بين يديك.. وأضع كفي بكفك لنمشي سويا على الصراط المستقيم.
أعطني يدك
أخي.. تعال معي نسير على هذا الطريق علنا نفوز بمحبة الله ورضوانه.. فوالله إني أحب لك الجنة.
حديث الروح إلى الأرواح يسري *** وتدركه القلوب بلا عناء
نداء وحنين
أخي الحبيب.. إن هذه الخطايا ما سلمنا منها فنحن المذنبون أبناء المذنبين.. ولكن الخطر أن نسمح للشيطان أن يستثمر ذنوبنا ويرابي في خطيئتنا. أتدري كيف ذلك؟
يلقي في روعك أن هذه الذنوب خندق يحاصرك فيه لا تستطيع الخروج منه.
يوحي إليك أن أمر الدين لأصحاب اللحى والثياب القصيرة، وهكذا يضخم الوهم في نفسك حتى يشعرك أنك فئة والمتدينين فئة أخرى. وهذه يا أخي حيلة إبليسية ينبغي أن يكون عقلك أكبر وأوعى أن تنطلي عليه.

صور تسكب دموع التائبين
أخي الحبيب.. تصور إذا مات الإنسان من غير توبة وهو يسحب على وجهه وهو أعمى في نار حرها شديد، وقعرها بعيد، وطعام أهلها الزقوم وشرابهم فيها الصديد {يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورآئه عذاب غليظ }(إبراهيم:17).
يسحب على وجهه في نار {وقودها الناس والحجارة }(التحريم:6).
النار وما أدراك ما النار
سوداء مظلمة شعثاء موحشة *** دهماء محرقة لواحة البشر
فيها الحيات والعقارب قد جعلت *** جلودهم كالبغال الدهم والحمر
لها إذا غلت فور يقلبهم *** ما بين مرتفع منها ومنحدر
يا ويلهم تحرق النيران أعظمهم *** بالموت شهوتهم من شدة الضجر
وكل يوم لهم في طول مدتهم *** نزع شديد من التعذيب والسعر
فيها السلاسل والأغلال تجمعهم *** مع الشياطين قسرا جمع منقهر

فتذكر رحمك الله {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون، في الحميم ثم في النار يسجرون }(غافر:71-72).
تذكر أخي {يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا }(الأحزاب:66).
أهل النار.. {ليس لهم طعام إلا من ضريع، لا يسمن ولا يغني من جوع }(الغاشية:6-7).
أهل النار.. {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا }(الكهف:29).
{وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم }(محمد:15).
أهل النار.. {لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل }(الزمر:16).
أهل النار.. {يومئذ مقرنين في الأصفاد، سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار }(إبراهيم:49-50).
أهل النار.. {قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود }(الحج:19-20).
أهل النار.. {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين }(الأنعام:27).
استمع إليهم {وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل }(فاطر:37).
يقولون.. فاسمع ما يقولون {قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون، قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون}(المؤمنون:106-108).
ينادون فانظر من ينادون
{ونادوا يا مالك }ومالك خازن جهنم {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون، لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون }(الزخرف:77-78).
إخواني.. {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا، ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا }(مريم: 71-72).

إذا مد الصراط على جحيم *** تصول على العصاة وتستطيل
فقوم في الجحيم لهم ثبور *** وقوم في الجنان لهم مقيل
وبان الحق وانكشف الغطاء *** وطال الويل واتصل العويل

فتفكر فيما يحل بك إذا رأيت الصراط وحدته، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته، ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيظها وزفيرها، وقد كلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك، واضطراب قلبك.
والخلائق أمامك يسيرون عليه، فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكردس على وجهه في نار جهنم. {فمنهم شقي وسعيد، فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد، وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ }(هود:106-110).
أخي الحبيب.. إذا كان الحال كذلك فلا بد من وقفة مع النفس لمحاسبتها والسير بها إلى رضوان الله تعالى قال سبحانه {ففروا إلى الله }فهذا هو الملجأ والملاذ - الفرار إلى الله تعالى - قال ابن الجوزي رحمه الله في قوله تعالى: {ففروا إلى الله }بالتوبة من ذنوبكم [زاد المسير 841]، {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق }(الحديد:16).

بعض فضائل التوبة
إليك أخي الحبيب بعض فضائل التوبة حتى تشحذ بها همتك وتفر بها إلى مولاك سبحانه وتعالى:
أولا: التوبة سبب نيل محبة الله تعالى: وكفى بهذه الفضيلة شرفا للتوبة، قال الله تعالى: {إن الله يحب التوابين }(البقرة:222).
ثانيا: التوبة سبب نور القلب ومحو أثر الذنب: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منها ". (صحيح الجامع1666).
ثالثا: التوبة سبب لإغاثة الله تعالى لأصحابها بقطر السماء وزيادة قوة قلوبهم وأجسامهم: قال الله تعالى على لسان هود عليه السلام: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم }(هود:52).
رابعا: التوبة تجعل المذنب كمن لا ذنب له: فعن أبي سعيد الأنصاري رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الندم توبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ". (أخرجه الطبراني في الكبير وهو في صحيح الجامع 6679).
خامسا: التوبة أول صفات المؤمنين: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين }(التوبة:112).
سادسا: التوبة سبب في فرح الرب سبحانه وتعالى فرحا يليق بجلاله وعظمته سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك، إذ هو بها قائمة عنده.." (متفق عليه).
قال ابن القيم رحمه الله: هذا الفرح له شأن لا ينبغي للعبد إهماله والإعراض عنه، ولا يطلع عليه إلا من له معرفة خاصة بالله وأسمائه وصفاته، وما يليق بعز جلاله. (مدارج السالكين1210).
سابعا: وبالجملة؛ فإن الله تعالى علق الخير والفلاح بالتوبة، فلا سبيل إلى نيل خيرات الدنيا والآخرة إلا بها، قال سبحانه: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون }(النور:31).

أمور تعين على التوبة
أخي الحبيب.. لقد جعل الله في التوبة ملاذا مكينا وملجأ حصينا، يلجه المذنب معترفا بذنبه، مؤملا في ربه، نادما على فعله، غير مصر على خطيئته، يحمي بحمى الاستغفار، ويرجو رحمة العزيز الغفار، إلا أنه توجد بعض العوائق في طريق سير العبد على التوبة وهاك بعض الأمور التي تعين على التوبة:

1- الإخلاص لله أنفع الأدوية: فإذا أخلص الإنسان لربه، وصدق في طلب التوبة أعانه الله عليها، وأمده بألطاف لا تخطر بالبال، وصرف عنه الآفات التي تعترض طريقه قال الله تعالى: {لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين }( يوسف:24)
2- امتلاء القلب بمحبة الله عز وجل: فالمحبة أعظم محركات القلوب، فالقلب إذا خلا من محبة الله تعالى تناوشته الأخطار، وتسلطت عليه سائر النوائب والمحبوبات، فشتته، وفرقته.
ولا يغني هذا القلب، ولا يلم شعثه، ولا يسد خلته إلا عبادة الله عز وجل ومحبته.
3- المجاهدة: قال الله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين }(العنكبوت:69).
قال ابن المبارك رحمه الله:

ومن البلايا للبلاء علامة *** ألا يرى لك من هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها *** والحر يشبع تارة ويجوع

والمقصود بالمجاهدة مجاهدة النفس حتى الممات والسير بها إلى رضوان الله تعالى.
4-قصر الأمل، وتذكر الآخرة: فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".
وكان ابن عمر يقول: ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ) (رواه البخاري).
قال ابن عقيل رحمه الله: ما تصفو الأعمال والأحوال إلا بتقصير الآمال، فإن كل من عد ساعته التي هو فيها كمرض الموت، حسنت أعماله، فصار عمره كله صافيا.

5- الدعاء: فهو من أعظم الأسباب، وأنفع الأدوية، ومن أعظم ما يسأل ويدعى به سؤال الله التوبة النصوح، ولذا كان من دعاء نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم }(البقرة:128)
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم " (رواه أحمد والترمذي).
6- استحضار أضرار الذنوب والمعاصي: ومنها حرمان العلم والرزق، والوحشة التي يجدها العاصي في قلبه، وبينه وبين ربه تعالى، وبينه وبين الناس.
ومنها تعسير الأمور، وظلمة القلب وغيرها مما ذكره العلامة المحقق ابن القيم رحمه الله في ( الداء والدواء ) فليراجعه من أراد المزيد فإنه فريد في بابه رحم الله مؤلفه.
أخي الحبيب.. هذه بعض الأمور التي تعين على التوبة فعض عليها بنواجذك، جعلني الله وإياك من التوابين.

أخي التائب.. ماذا لو أحسست بالفتور والضعف؟
أولا: أخي عليك بسرعة طلب الغوث من الله تعالى فتدعوه سبحانه متضرعا متذللا أن لا يرفع عنك توفيقه وأن لا يكلك إلى نفسك طرفة عين.
ثانيا: تفكر في أهوال يوم القيامة والقبور وتفكر في نعيم الجنة فسرعان ما يفتح الله عليك وتعود إلى ربك.
ثالثا: واظب أخي على محاسبة النفس.
رابعا: المحافظة على الأذكار مع حضور القلب وتدبره لمعانيها.
خامسا: مجالسة الصالحين والعلماء العاملين فهو من أعظم أسباب رفع الهمة وإزالة الفتور.
أسأل الله أن يحفظني وإياك من الحور بعد الكور ومن الضعف بعد القوة ومن الضلال بعد الهدى.
وفي الختام
لا أملك إلا أن أقول: اللهم اغفر لي ولأخي وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم ثبت قلبي وقلبه على دينك {والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما، إنها ساءت مستقرا ومقاما }(الفرقان:65-66).
والحمد لله رب العالمين

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة