مواقع التواصل بين السلبيات والإيجابيات

0 973

لا شك أن التغير الذي حدث في عالم التواصل وأجهزته يمكن أن يحمل وصف الثورة بكل معانيه، بل هو انفجار وإبهار، وقد كان لهذه الثورة أثرها على مستخدميها سلبا أو إيجابا. ولا يختلف أحد أن هذا الإبهار وتلك الثورة قد أثرت على العالم، وكان لها إيجابياتها التي يحمد مستخدمها وجودها، وكان معها سلبياتها التي أوقفت البعض طويلا قبل الدخول إلى هذا العالم الافتراضي خوفا من منزلقاته ومخاطره.

على أنه لم يعد هناك من يمكنه التغاضي عن الواقع والابتعاد عنه ليكون في مأمن؛ فقد عمت البلوى وانتشر الأمر ولم يعد ممكنا التغاضي عنه بل لزم التعاطي الإيجابي.

ورغم أن مستخدم هذه الوسائل لابد وأن يكتوي ببعض نارها ويصيبه بعض شررها، إلا أننا لابد وأن نقارن بين الإيجابيات والسلبيات، ونعلم مكامن كل منهما، ولا يبقى على المستخدم بعد ذلك إلا أن يختار لنفسه فـ {كل نفس بما كسبت رهينة}، و{الإنسان على نفسه بصيرة}، فمن استطاع التحكم في نفسه فستصبح بالنسبة له وسيلة نافعة جدا، ومن أفلت زمام نفسه ولو قليلا، أصبحت وسيلة فتاكة لدينه ووقته وربما لأسرته أيضا.

أولا: الإيجابيات
لقد حوت هذه الوسيلة إيجابيات كثيرة ومنافع مشكورة غير منكورة، وتطبيقات لم تكن متاحة من قبل، فيها فوائد ومنافع دنيوية وأخروية.. فمن ذلك:
أولا: المساعدة في العلم وسرعة البحث
وهو أمر غاية في الأهمية لكل مجد مجتهد ولكل طالب معرفة، لأي علم من العلوم بجميع تخصصاته، فقد اختصرت وسائل البحث الجديدة والمتعددة العمر على الباحثين، فخلال ثوان معدودة يحصل الإنسان على كم هائل من المعلومات فيما يخص بحثه، ربما لم يكن ليحصلها في سنوات بل عشرات السنين.

وقد فتحت أمام الباحث أبواب المكتبات العالمية، ودور الثقافة والمعرفة في العالم، مما سهل الوصول إلى الكتب والأبحاث ورسائل الدكتوراه والماجستير وغيرها، وكذا المخطوطات والمطبوعات، علاوة على البحث الموضوعي وغيرها، وهو أمر هائل يسر على كثير من الناس كثيرا من الجهد والعمر والوقت والمال.

ثانيا: وسيلة تواصل اجتماعي
خصوصا عند بعد المسافات، أو اختلاف الأقطار، أو عند صعوبة التلاقي والزيارة، فهناك الرسائل البريدية، والرسائل الفورية، والمكالمات الصوتية، ومكالمات الفيديو التي تجعلك في معية من تتواصل معه وتريد الاطمئنان عليه، مهما بعدت المسافات بينك وبينه.

ثالثا: وسيلة للدعوة إلى الله
وهي ثورة بحق في عالم الدعوة إذا استخدمت الاستخدام الأمثل، فأصبح التواصل مع الآخرين في بلاد بعيدة أمرا قريبا، وأصبح نشر المحاضرات والخطب والدروس من السهولة بمكان، وكذلك الكتب والمقالات العلمية والدعوية، وانتشرت مواقع الفتوى والدعوة ، كما أن وسائل مثل الواتساب، وتويتر، وانستجرام، والفيسبوك، يمكن أن تستغل استغلالا كبيرا للتواصل مع العلماء والدعاة، رغم أن هناك بعض القصور والملاحظات التي ينبغي التنبه إليها كنقل الأحاديث المغلوطة أو المكذوبة، والخوض في الدين بغير علم، أو نشر بعض الأفكار غير المقبولة.. ولكنها تبقى في النهاية وسيلة دعوية هامة ينبغي أن ينتبه إليها.

رابعا: المساهمة في التسويق والتجارة الإلكترونية
فقد فتحت المجال أمام أصحاب التجارات بالتجول حول العالم وهم في بيوتهم، وإمكان إجراء عملياتهم التجارية بسهولة وسرعة كبيرتين بالنسبة للماضي القريب، وسهلت التواصل مع تجار العالم والتبادل التجاري بين الدول، وهناك مواقع تجارة عالمية للبيع والشراء المباشر في هذا الفضاء الهائل لكل أنواع البضائع والممتلكات.

خامسا: سرعة تداول الأخبار:
ففي لحظة واحدة ومع الخبر مباشرة يكون قد انتشر، فلم يعد الخبر يحتاج إلى انتظار خروج الصحيفة، أو انتظار نشرات الأخبار في التلفاز أو الإذاعة، بل أصبحت هذه المواقع تقوم بهذا الدور وفي وقت أقل بكثير وتنوع كبير. وهو ما جعل الخبر يحمل كثيرا من المصداقية في غالب الأوقات، دون تحريف من الأجهزة المعنية، أو تغيير لملامح الحدث، خصوصا إذا كان ينشر مع صور أو فيديو.

سادسا: ظهور الصحافة الرقمية وصحافة المواطن
وقد قلل ظهور هذا النوع من الصحافة من قيمة الصحافة الورقية، ومن احتكار الإعلام الحكومي للأخبار، وكان من إيجابياته سرعة التداول مع ظهور ووضوح الحقائق، لكنه أيضا قد يصيبه التضارب والبلبلة أحيانا.

ومن الإيجابيات أيضا: المساعدة في الأعمال الخيرية، وكذلك فرص البحث عن وظائف، كما كان لها دور كبير من المساهمة في الثورات العربية، وانتقالها وانتشارها كانتشار النار في الهشيم، وكذلك ساعدت في نقل الأحداث والأخبار والمتابعة الدائمة عبر اليوم.

ثانيا: السلبيات
وكما كان لهذه الوسائل إيجابياتها غير المنكورة، وكان لها دورها في تعزيز الجوانب الحياتية والمعرفية لمستخدميها، إلا انه كان لها أيضا سلبيات مشهورة وذات أثر وخطورة.. ومن ذلك:
ا ـ نشر المواد الإباحية والمشاهد غير الأخلاقية:
وهذه من أكبر مفاسدها، وأكثر مخاطرها على الأفراد والأسر والمجتمعات، فقد امتلأت تلك الوسائل بهذا البلاء، وأصبح الوصول إليها سهلا ميسورا، مع توفر نوع من السرية لمستخدميها، وأيضا مع كثرتها وتنوعها وكثرة الإغراء بها، وفي نفس الوقت صعوبة الحجب والمنع، واستحالة المراقبة الكاملة.
وقد كان لها آثار مدمرة على حياة بعض الأفراد، وهدم كثير من الأسر، ودور كبير في نشر الفاحشة وهدم الأخلاق، وصرف اهتمامات الناس ـ خاصة الشباب ـ عما يفيد، وإدمان كثير منهم على هذا العفن الذي يفسد الدين والدنيا.

ب ـ نشر الأفكار الهدامة

فقد استخدم البعض هذه الوسائل في نشر الإلحاد، والدعوة إلى الشذوذ والبدع، وازدراء الأديان، والدعوة إلى المبادئ والأفكار الصادمة، وإثارة النعرات الإقليمية والطبقية والعرقية، وتشجيع العنف والتطرف، مما يكون له تأثير سلبي على الأمن العام، والسلم المجتمعي.

ج ـ الترويج للشائعات والمعلومات الكاذبة
ولا شك أن الاختفاء وراء الشاشة وجهالة المصدر لدى المتلقي تغري البعض بأن يطلق هذه الشائعات، مع أمن الملاحقة والمتابعة.
وهذا يؤدي إلى حدوث بلبلة في المجتمع ويخلق فيه حالة من القلق والهلع، علاوة على ما يلصق بالأبرياء من اتهامات، وإساءة الظن بين الناس بعضهم وبعض، كما ينتج عنها إشاعة الفتن بين الأصفياء، وقطع الوشائج، والتسبب في الجرائم. فهي معول هدم في المجتمع، ووسيلة لإسقاط الدعاة والعلماء وأهل الوجاهة، زد على ذلك ما تسببه من أضرار للأشخاص، وخسائر للشركات، وإحراج لبعض الدول أحيانا.

د ـ انتهاك الخصوصيات
ومعناه حصول البعض على معلومات المستخدم الخاصة والتحكم فيها بطريقة سيئة، ويكون ذلك بطرق مختلفة كالهاكرز، وبرامج التجسس، أو عن طريق اختراق الشركات المزودة للخدمة.

وأضرار هذا الأمر خطيرة جدا، وأشهرها الابتزاز أو التهديد للحصول على منافع خاصة، ومنها تقنيات التتبع اللاسلكي، أو الإزعاج بالإعلانات الدعائية. ومنها أيضا وصول المعلومات الخاصة إلى جهات أمنية أو قضائية أو استخباراتية.
ومنها أيضا نشر هذه المعلومات الخاصة على المواقع العامة مما يسبب مشاكل أسرية أو إحراجا عاما أو عائليا للبعض، وفي كثير من الأحيان هدم البيوت وتدمير الأسر.. هذا كله علاوة على حرمته الشرعية.

هـ ـ ضياع الأعمار والأوقات
فهذا الفضاء المذهل، والعالم العجيب يأخذ الإنسان رغما عنه ليتجول فيه فلا يحس إلا والساعات قد مرت من بين يديه، كما وأن وسائل التواصل تحتاج إلى وقت طويل للقراءة والرد والإرسال والمتابعة، فلا يشعر الإنسان بمرور الأوقات والساعات.

و ـ الإدمان والعزلة عن الواقع
تؤدي كثرة التعامل مع هذه الوسائل بعد مدة إلى حالة من الإدمان، بحيث تأخذ غالب وقته ويصبح له عالمه الخاص الذي يستقطبه من عالمه الحقيقي وواقعه الطبيعي، ويأخذه عمن حوله وفي بعض الأحيان يضر بعمله وعلاقاته الأسرية والاجتماعية، مما يؤدي مع الوقت إلى خلق جيل لا يشعر بدفء العواطف وقوة الروابط، جيل منعزل غير قادر على التواصل المباشر مع الآخرين، منقطع عن الاجتماع في المحال والمحافل العامة والمشاركة في المناسبات الأسرية والاجتماعية، سريع الهرب منها للعودة إلى عالمه الخاص في جهازه الخاص.

ي ـ التفكك الأسري

يؤدي الانغماس الشديد في الواقع الافتراضي والتفاعل معه كبديل للواقع الحقيقي إلى إهمال الواجبات الخاصة بالأسرة والزوجة والأولاد، وكذلك من المرأة إن كان لها مثل هذا الواقع، فيفضل كل فرد الوحدة عن بقية أفراد الأسرة، وتقل الاجتماعات الأسرية واللقاءات الأبوية، ويتهرب منها الجميع مما يؤدي في النهاية إلى التفكك وعدم الترابط بين أفراد الأسرة بعضهم ببعض، فتصبح أسرا مهترئة مما يؤثر على التربية والاهتمام الأخلاقي والعلمي وهذا بدوره يعود على المجتمع ولابد. 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة