لفظ (زين) في القرآن الكريم

0 1603

تفيد معاجم اللغة أن حروف (الزاي) و(الياء) و(النون) أصل صحيح، يدل على حسن الشيء وتحسينه. فالزين نقيض الشين. يقال: زينت الشيء تزيينا: إذا حسنته، وأظهرت ما فيه من محاسن. وأزينت الأرض، وازينت، وازدانت: إذا حسنها عشبها. يقال: زانه، وزينه: إذا أظهر حسنه، إما بالفعل، أو بالقول. والزينة: ما يتزين به، وكذلك الزيان. والجمع أزيان. وقمر زيان: حسن، وامرأة زائن: متزينة. والزينة الحقيقية: ما لا يشين الإنسان في شيء من أحواله لا في الدنيا، ولا في الآخرة. فأما ما يزينه في حالة دون حالة، فهو من وجه شين. وتزيين الله للأشياء قد يكون بإبداعها مزينة، وإيجادها كذلك، وتزيين الناس للشيء: بتزويقهم، أو بقولهم، وهو أن يمدحوه ويذكروه بما يرفع منه.

وذكر الراغب الأصفهاني أن (الزينة) بالقول المجمل ثلاث: زينة نفسية كالعلم، والاعتقادات الحسنة. وزينة بدنية، كالقوة وطول القامة. وزينة خارجية كالمال والجاه. فمن الزينة النفسية قوله تعالى: {حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم} (الحجرات:7). ومن الزينة الخارجية قوله سبحانه: {فخرج على قومه في زينته} (القصص:79) فهي الزينة الدنيوية من المال والأثاث والجاه.

وقد نسب الله تعالى (التزيين) في مواضع إلى نفسه، وفي مواضع إلى الشيطان، وفي مواضع ذكره غير مسمى فاعله؛ فمما نسبه إلى نفسه قوله في الإيمان: {وزينه في قلوبكم} (الحجرات:7)، وفي الكفر قوله: {زينا لهم أعمالهم} (النمل:4). ومما نسبه إلى الشيطان قوله عز وجل: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم} (الأنفال:48)، وقوله تعالى: {لأزينن لهم في الأرض} (الحجر:39). ومما لم يسم فاعله قوله عز وجل: {زين للناس حب الشهوات} (آل عمران:14).

ولفظ (زين) ورد في القرآن الكريم في ستة وأربعين (46) موضعا؛ جاء في سبعة وعشرين (27) موضعا بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} (الصافات:6). وجاء في تسعة عشر (19) موضعا بصيغة الاسم، من ذلك قوله عز وجل: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده} (الأعراف:32)، وأكثر تكرار لهذا اللفظ في القرآن جاء بصيغة الفعل المبني للمجهول (زين)، من ذلك قوله عز وجل: {زين للناس حب الشهوات} (آل عمران:14).

ولفظ (زين) ورد في القرآن الكريم على عدة معان، نذكر منها:

* (زين) بمعنى (الحسن والتحسين) وهو أكثر ما جاء وفق هذا المعنى، من ذلك قوله عز وجل: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا} (البقرة:212) يعني: حسن لهم أمر الدنيا وزخرفها. ومنه أيضا قوله عز وجل: {كذلك زينا لكل أمة عملهم} (الأنعام:108) يعني: حسنا. ووفق هذا المعنى كذلك قوله الباري تعالى: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت} (يونس:24) أي: أنبتت وحسنت بالحبوب والثمار والأزهار. ومنه قوله عز وجل: {ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين} (الحجر:16) أي: حسنها بالبروج التي تسر الناظرين إليها.

* (الزينة) بمعنى (الحلي) من ذلك قوله تعالى: {ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم} (طه:78) أي: من حليهم، وكانوا استعاروه حين أرادوا الخروج مع موسى عليه السلام، وأوهموهم أنهم يجتمعون في عيد لهم. ومنه كذلك قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن} (النور:31). وقوله عز وجل: {ليعلم ما يخفين من زينتهن} (النور:31) أي: حليهن.

* (الزينة) بمعنى (الكساء واللباس) من ذلك قوله سبحانه: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} (الأعراف:31) أي: البسوا ثيابكم؛ إذ كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمروا أن يلبسوا ثيابهم. وبحسب هذا المعنى أيضا قول الباري تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} (الأعراف:32)، قال: كانوا إذا جاءوا البيت فطافوا به، حرمت عليهم ثيابهم التي طافوا فيها. فإن وجدوا من يعيرهم ثيابا، وإلا طافوا بالبيت عراة، فقال: {من حرم زينة الله} قال: ثياب الله التي أخرج لعباده.

* (الزينة) بمعنى (الجاه والمال والعظمة) من ذلك قوله تبارك وتعالى: {وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة} (يونس:88) أي: جاها ومالا وسلطانا. ومنه أيضا قوله عز وجل في حق قارون: {فخرج على قومه في زينته} (القصص:79) أي: خرج مفتخرا بما معه من الجاه والمال والحشم.

* (الزينة) بمعنى (الشرف والفخر) من ذلك قوله سبحانه: {ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} (الكهف:28) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فيما ذكر قوم من عظماء أهل الشرك، فرأوه جالسا مع خباب وصهيب وبلال، فسألوه أن يقيمهم عنه إذا حضروا، فكاد يقوم، ويتركهم قعودا، فأنزل الله عليه: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} يريد {زينة الحياة الدنيا} مجالسة أولئك العظماء الأشراف من أهل الشرك.

* (الزينة) بمعنى (ما يتزين به الناس من متاع الدنيا) من ذلك قوله عز جل: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} (الكهف:46) أي: {المال والبنون} مما يتزين به في الحياة الدنيا، وليسا من عداد الآخرة. ومنه أيضا قوله تعالى: {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها} (القصص:60) أي: وما أعطيتم أيها الناس من شيء من الأموال والأولاد، فإنما هو متاع تتمتعون به في هذه الحياة الدنيا، وهو من زينتها التي يتزين به فيها، لا يغني عنكم عند الله شيئا، ولا ينفعكم شيء منه في معادكم. وعلى هذا المعنى أيضا قوله عز وجل: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} (النحل:8) أي: جعل سبحانه هذه الأنعام زينة لكم، تتزينون بها مع المنافع التي فيها لكم، للركوب، ونقل المتاع، وغير ذلك. وعلى هذا المعنى أيضا قوله سبحانه: {إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} (الأحزاب:28) الزينة هنا: ما تشتهيه الأنفس من متاع الدنيا كالأموال، والمساكن، ونحوهما.

فأما قوله تعالى: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} (الكهف:7) (الزينة) هنا كل ما على وجه الأرض، فهو عموم؛ لأنه دال على بارئه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أراد بالزينة الرجال. وعنه أيضا: أن الزينة الخلفاء والأمراء. وعنه أيضا: العلماء زينة الأرض. وقال بعضهم: أراد النعم والملابس والثمار والخضرة والمياه، ونحو هذا مما فيه زينة. قال القرطبي: والقول بالعموم أولى، وأن كل ما على الأرض فيه زينة من جهة خلقه وصنعه وإحكامه.

وأما قوله عز وجل: {قال موعدكم يوم الزينة} (طه:59) قال ابن عباس رضي الله عنهما: يوم عاشوراء. وقال مجاهد، وقتادة، وغيرهما: كان يوم عيد لهم، يتزينون فيه، ويجتمعون في كل سنة. وقيل: هو يوم النيروز.

هذا، وقد ذكر ابن عاشور أن لفظ (زين) قليل الدوران في كلام العرب مع حسنه وخفته، وقد تبين لنا أنها وردت في القرآن الكريم في مواضع عدة، وأكثر ما جاء هذا اللفظ على معنى التحسين والتزويق، وجاء بدرجة أقل بمعنى الحلي واللباس، والجاه والعظمة وما يتزين به الناس من متاع الحياة الدنيا.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة