- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:من الحديبية إلى تبوك
في ربيع الآخر من السنة التاسعة من الهجرة النبوية، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خمسين ومائة رجل من الأنصار، على مائة بعير وخمسين فرسا، ومعه راية سوداء ولواء أبيض إلى الفلس ـ صنم طييء ـ, فيما عرف في السيرة النبوية بسرية طيىء، فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر، فهدموا الفلس وحرقوه، ورجعوا ومعهم الكثير من السبي (الأسرى) والنعم والشاء، وفي السبي سفانة أخت عدي بن حاتم الطائي المشهور، وهرب عدي إلى الشام.
وفي السيرة النبوية لابن هشام والبداية والنهاية لابن كثير وغيرهما: ".. فجعلت بنت حاتم (سفانة) في حظيرة بباب المسجد، كانت السبايا يحبسن فيها، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقامت إليه، وكانت امرأة جزلة، فقالت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن علي من الله عليك، قال: ومن وافدك؟ قالت: عدي بن حاتم، قال: الفار من الله ورسوله؟ قالت: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني، حتى إذا كان من الغد مر بي، فقلت له مثل ذلك، وقال لي مثل ما قال بالأمس، قالت: حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست منه، فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه، قالت: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن علي من الله عليك، فقال صلى الله عليه وسلم: قد فعلت، فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة، حتى يبلغك إلى بلادك، ثم آذنيني (أخبريني)، فسألت عن الرجل الذي أشار إلي أن أكلمه فقيل: علي بن أبي طالب، وأقمت حتى قدم ركب من بلى أو قضاعة، قالت: وإنما أريد أن آتي أخي بالشام، قالت: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، قد قدم رهط من قومي، لي فيهم ثقة وبلاغ، قالت: فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملني، وأعطاني نفقة، فخرجت معهم حتى قدمت الشام".
ارتحلت سفانة حتى قدمت على أخيها عدي بالشام، لأنه لما سمع بخيل رسول الله صلى الله عليه وسلم هرب بأهله وولده وفر إلى الشام، فلما وصلت إليه أخبرته بما لقيت من رسول الله من كرم وحسن معاملة، وقالت له: أرى أن تلحق به سريعا، فإن يكن نبيا فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكا فأنت أنت، فما كان منه إلا أن أخذ بمشورتها، وقدم على النبي، ثم أسلم.
قال ابن الأثير في كتاب "أسد الغابة في معرفة الصحابة": "قالت: فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملني وأعطاني نفقة، فخرجت حتى قدمت الشام على أخي عدي بن حاتم، فقال لها عدي: ما ترين في أمر هذا الرجل؟ قالت: أرى أن تلحق به، كذا رواه يونس ولم يسم سفانة وسماها غيره، ورواه عبد العزيز بن أبي رواد نحوه وزاد: وكانت أسلمت فحسن إسلامها".
وفي سرية طيء يقول ابن القيم في كتابه "زاد المعاد": "وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب فى مائة وخمسين رجلا من الأنصار على مائة بعير، وخمسين فرسا، ومعه راية سوداء، ولواء أبيض إلى الفلس، وهو صنم طيئ ليهدمه، فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر، فهدموه، وملؤوا أيديهم من السبي والنعم والشاء، وفى السبي أخت عدى بن حاتم، وهرب عدي إلى الشام، ووجدوا فى خزانته ثلاثة أسياف، وثلاثة أدراع، فاستعمل على السبي أبا قتادة، وعلى الماشية والرثة عبد الله بن عتيك، وقسم الغنائم فى الطريق، وعزل الصفي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقسم على آل حاتم حتى قدم بهم المدينة .. قال عدي: فأتتنى أختى، فقالت: لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها، ائته راغبا أو راهبا، فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه، قال عدي: فأتيته وهو جالس فى المسجد، فقال القوم: هذا عدى بن حاتم..".
ويحدثنا عدي بن حاتم رضي الله عنه عن قصة إسلامه ـ والتي كانت بدايتها إحسان النبي صلى الله عليه وسلم لأخته سفانة ـ فيقول: (فقلت: لو أتيت هذا الرجل فإن كان كاذبا لم يخف علي، وإن كان صادقا اتبعته، فأقبلت فلما قدمت المدينة استشرف لي الناس (نظروا إلي) وقالوا: جاء عدي بن حاتم، جاء عدي بن حاتم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لي: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم، قال: قلت: إن لي دينا، قال: أنا أعلم بدينك منك - مرتين أو ثلاثا - ألست ترأس قومك؟ قال: قلت: بلى، قال: ألست تأكل المرباع (ربع غنائم الحرب)؟ قال: قلت: بلى، قال: فإن ذلك لا يحل لك في دينك، قال: فتضعضعت لذلك، ثم قال: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم، فإني قد أظن - أو قد أرى أو كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - أنه ما يمنعك أن تسلم خصاصة (حاجة وفقر) تراها من حولي، وتوشك الظعينة (المرأة على البعير في الهودج) أن ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز، وليفيضن المال - أو ليفيض - حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة، قال عدي بن حاتم: فقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن على كنوز كسرى بن هرمز، وأحلف بالله لتجيئن الثالثة، إنه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لي) رواه أحمد وابن حبان.
لقد كان تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أعدائه ومبغضيه تعاملا قائما على الشجاعة والقوة في مواقع القتال، والرحمة والشفقة والدعوة في مواطنها، فكانوا يهابونه ويوقرونه، وكثير من الذين دخلوا الإسلام كان بسبب ما رأوا من شمائله وحسن أخلاقه ومعاملته صلوات الله وسلامه عليه، فكان الواحد من المشركين ليس على وجه الأرض من هو أبغض له من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يصبح وليس على وجه الأرض من هو أحب إليه منه، وذلك لحسن خلقه وعفوه عنه وإحسانه إليه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .. والسيرة النبوية زاخرة بالأمثلة والمواقف الدالة على ذلك، ومنها ما حدث مع سفانة أخت عدي بن حاتم التي عفا عنها النبي صلى الله عليه وسلم وأكرمها، فكان ذلك سببا وبداية في إسلامها هي وأخيها عدي رضي الله عنهما.