والجن والإنس يموتون

0 1788

هما قضيتان عقديتان مرتبطتان ارتباطا وثيقا، وليس من العسير لحظهما في الحديث النبوي الشهير، والذي قال فيه النبي –صلى الله عليه وسلم-: (والجن والإنس يموتون) رواه البخاري ومسلم.

فمما يستدل به ويتحدث عنه شرحا وتفصيلا عند هذا النص، قضية إثبات موت الجن كما هو الحال في السلالة البشرية، وذلك بالدلالة المباشرة المأخوذة من النص النبوي السابق، والقضية الأخرى: الحديث عن أعمار الجن ومقارنتها بأعمار من يقابلونهم من البشر.

لذا كان من المناسب إفراد الحديث بإيجاز عن هاتين القضيتين، وسرد النصوص الواردة فيهما، واستجلاء دلالاتها.

الموت حتم على كل شيء
لقد كتب الموت على على الجن والإنس وغيرهما من المخلوقات الأرضية، وكذا الموت لمن شاء الله من خلائق السماوات العلية، ذلك ما نقرؤه في الآية القرآنية في سورة الرحمن: {كل من عليها فان* ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} (الرحمن: 26 – 27)، وقوله سبحانه: {يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} (غافر: 16)، وما رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه: "..ينزل الله إلى السماء الدنيا فينادي: لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار" وقال الذهبي عنه: "على شرط مسلم".

ولذلك فإن من أهم أسباب التعلق القلبي العبادي بالله تعالى ما اتصف به سبحانه من الديمومة والحياة الكاملة، ومن كان متصفا بمثل هذا الكمال حقيق ألا يدعى غيره، وألا يرجى سواه، ومن هنا نفهم سر الاقتران بين صفة الحياة الإلهية وضرورة الإخلاص لله توحيدا وتوكلا من جهة، وبين الإقرار بضعف وافتقار الإنس والجن، في قوله –صلى الله عليه وسلم-: (اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت، أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون) متفق عليه، واللفظ لمسلم.

ومن دلالات السنة الصريحة على موت الجن ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي السائب، مولى هشام بن زهرة، أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته، قال: فوجدته يصلي، فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكا في عراجين –الأعواد التي في سقف البيت-في ناحية البيت، فالتفت فإذا حية فوثبت لأقتلها، فأشار إلي أن اجلس فجلست. فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوما، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خذ عليك سلاحك؛ فإني أخشى عليك قريظة)، فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها الرمح ليطعنها به وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه-أي الحية-، فما يدرى أيهما كان أسرع موتا: الحية أم الفتى، فجئنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذكرنا ذلك له وقلنا: ادع الله يحييه لنا، فقال: (استغفروا لصاحبكم) ثم قال: (إن بالمدينة جنا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا، فآذنوه ثلاثة أيام-أي أعلموه-، فإن بدا لكم بعد ذلك، فاقتلوه؛ فإنما هو شيطان) وفي رواية أخرى: (فإذا رأيتم شيئا منها فحرجوا عليها ثلاثا).

كيف يموت الجن

لا نعلم نصا صريحا يبين الكيفية التي يموت عليها الجن، ولا الأسباب المؤدية لذلك؛ لأن المصدر المعرفي الوحيد والممكن للاستناد عليه، والأخذ منه، هو القرآن الكريم، وما صح من سيد المرسلين –صلى الله عليه وسلم-.

أما الكيفية الوحيدة التي وردت نصا في القرآن الكريم، فهي المذكورة في قوله سبحانه: {إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين} (الحجر: 18) وما جاء في تفسيرها من قول أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: ( إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله..فإذا فزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم، قالوا للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقو السمع.. فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه، وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه..) وهو حديث طويل رواه البخـاري، وجاء في سياق البيان لما يصدق فيه الساحر من الأمور الغيبية التي يقولها، والقصد هنا بيان إمكان احتراق الجن بالشهب التي في السماء.

ولربما قيل هنا: إذا اتخذت الجن أشكالا حيوانية فإنها تصبح أسرى هذا الشكل، وقد يفهم ذلك من حديث أبي سعيد الخدري والذي ذكرناه في الفقرة السابقة، حيث مات الجن حين كان على صورة الحية.

على أن ما يقال على ألسنة الجن حين استنطاقهم أثناء الرقية الشرعية على من أصابه المس، فإنه لا يمكن الركون إليه ولا الاطمئنان به، لغلبة الكذب على الجن، خصوصا وأن المس في العادة إنما يكون من مردة الجن والكفرة منهم، وبالتالي لا ينبغي تصديقهم فيما يخبرون به من الكيفيات والأسباب للموت.

أعمـار الجن

م
ا قيل في أسباب موت الجن يقال هنا كذلك: ليس بين يدينا نص صريح يبين إعمار الجنة على وجه التحديد، فطريق ذلك هو الوحي حصرا، ومع ذلك فثمة مؤشرات عامة تدل على وجود الطول النسبي في أعمارهم مقارنة بأعمار بني آدم.

وأصرح هذه المؤشرات هو ما أخبرنا به القرآن الكريم نفسه، ونعني بذلك قول الحق تبارك وتعالى في شأن إبليس اللعين : {قال أنظرني إلى يوم يبعثون* قال إنك من المنظرين} (الأعراف: 14-15)، ذلك لأن هذا الطول العمري والامتداد الزمني له ما يبرره ويفسره من تجليات الحكمة الإلهية، وضرورة وجود إبليس على طول التاريخ البشري، ليتحقق الابتلاء والامتحان، وهو امتداد تحدد في منتهاه بنهاية الوجود البشري: {قال فإنك من المنظرين* إلى يوم الوقت المعلوم} (ص: 80 – 81).

ولكن هل يقال بأن هذا الامتداد والتطاول الكبير سمة عامة في الجن والشياطين، أم أنه خاص بإبليس الرجيم نظرا لخصوصية ديمومته وبقائه؟ هنا لا مجال للاستنتاج ولا لاستحداث الأقوال لأنه تقول على الله بغير علم، نهينا عنه وأمرنا باجتنابه: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} (الإسراء: 36)، {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والأثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} (الأعراف: 33).

وأما ما جاء في الحديث المشتهر على ألسنة القصاص، وفيه حوار بين النبي –صلى الله عليه وسلم- وبين أحد أحفاد إبليس، وفيه قوله: "أفنيت عن الدنيا إلا قليلا، وكنت في زمن قابيل حين قتل هابيل" فقد رواه الطبراني، وحكم عليه ابن الجوزي بالوضع وقال: "فيه إسحاق بن بشر كان يضع الحديث على الثقات لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب!".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة