رمضان بين التخطيط والتخليط

0 725

كان الأب يراقب ابنه وهو يصوب نحو الهدف بلعبة السهام، فأراد أن يفيده درسا ينفعه في حياته وفي دينه ودنياه، فطلب منه أن يغطي عينيه ثم يصوب إلى الهدف.. فقال الابن على البديهة: كيف أصيب هدفا لا أراه؟!
وهذا عين ما كان يريد الوالد سماعه، فقال له: إذا كنت لا يمكنك أن تصيب هدفا لا تراه، فكيف يمكنك أن تحقق هدفا غير موجود أصلا.
إن الإنسان لا يحقق هدفا إلا إذا كان هناك بالفعل هدف يريد تحقيقه أو إصابته.

وهذه هي أول خطوة في تحقيق النجاحات، وهي باب التخطيط للانتفاع بأي أمر أو في أي عمل، سواء كان عملا مؤسسيا أو جماعيا أو فرديا.

وإذا كان التخطيط شرطا لازما في كل أمر يراد له النجاح، فإن أساس التخطيط هو تحديد الأهداف المرادة بعناية، لننتقل بعد ذلك إلى مرحلة التخطيط لكيفية تحقيق هذه الأهداف.

إن كل مشروع ناجح لابد أن يتوفر فيه هذان الشرطان: أهداف محددة بعناية، وخطة واضحة المعالم لتحقيق هذه الأهداف، وهذا أمر متفق عليه عند جميع العقلاء.

ورمضان بالنسبة للمسلم ليس مجرد شهر من الشهور، وإنما هو مشروع عام، بل فرصة زمان ومشروع عمر، ولا يمكن للمسلم أن يستفيد منه الفائدة الأعظم إلا بحسن التخطيط بتصور الأهداف ثم حسن التخطيط لتطبيقها. وإنما خسر من خسر في رمضان وفاته الخير الكثير والأجر الوفير، وتخطته المنافع بسبب سوء التخطيط أو عدم التخطيط من الأصل.

مهمات في الطريق:
من أراد أن يحقق أعلى استفادة وأن تثمر خططه عن أفضل النتائج فلابد له من أمور:
أولا: وضوح الأهداف:
بأن تكون واضحة لا غموض فيها ولا لبس، فلا يكفي أن يرغب في أن يقرأ كثيرا من القرآن، أو أن يصلي كثيرا، أو يتصدق كثيرا، وإنما يلزمه أن يحدد عدد الأجزاء التي يريد قراءتها، والوقت الذي سيقرأها فيه، وكم سيقرأ في كل فترة، وكذلك عدد الركعات ومواعيدها بعد الظهر، أو بين المغرب والعشاء، أو في الليل، وكم ركعة سيصليها في كل وقت منها، وحتى الصدقة ينبغي أن يحدد ما سيتصدق به كل يوم، أو على مدار شهره لا يترك ذلك للظروف والأحوال.

ثانيا: إمكانية التحقيق:
فوضع أهداف مغالى فيها، لا تتناسب مع حال الإنسان أو عمله ووقت فراغه، وظروف أسرته الضرورية يجعل تحقيق الأهداف مستحيلا فيعجز عنها أو عن بعضها فيصيبه الإحباط ويفوته الخير بعضا أو كلا.

ثالثا: أن تكون أهدافا مناسبة:
تستحق أن تسمى أهدافا، فليست مطالب سهلة جدا لا طموح فيها ولا جهد، ولا تكون أيضا قليلة وبسيطة لا تتناسب مع عظمة الشهر ومقامه.. وإنما شيء يرقي الإنسان في العبادات والدرجات والمستوى الإيماني.

رابعا: وضع الخطط اللازمة لتطبيق الأهداف:
ولابد من توفر أساسيات في الخطط الموضوعة.. منها:
أـ مناسبة الخطة للهدف: فأهداف الناس تختلف، ومقاصد رمضان كثيرة، وثماره متنوعة ووفيرة، ولهذا قد تختلف الأهداف على حسب حاجة الإنسان لها أو إرادته ومطلوبه من رمضان، فمريد التوبة والمغفرة ليس كمريد العتق من النار، وهما بدورهما يختلفان عمن يريد حفظ القرآن أو تدبره، أو من يعالج خللا أخلاقيا، أو نقصا إيمانيا في جانب من الجوانب.. فخطط كل صنف يجب أن تناسب مقصده ومراده.

ب ـ إمكانية التطبيق: فكما أن الهدف يجب أن يكون مستطاعا فكذلك الخطة الموضوعة يجب أن تكون خطة في متناول يد المنفذ يمكن أن يترجمها على أرض الواقع وإلا كانت ضربا من الخيال.. فمثلا الإنسان البطيء الحفظ يجب أن يكون هدفه متناسبا مع حفظه، ثم الوقت المعد للحفظ والمراجعة يجب أن يكون مناسبا لمقدار الحفظ.. وبطيء القراءة يلزمه أن يضع للقراءة وقتا يناسب الكم المطلوب وإلا فاته المقصود.

ج ـ الجدية في التنفيذ: فلابد من المراقبة لمدى تطبيق الخطط، ثم المحاسبة، ثم المعاتبة، ثم المعاقبة.
فمراقبة النتائج لازمة لمعرفة مدى الالتزام، فإذا رأى تقصيرا حاسب نفسه عليه، وقضاه إن أمكن، وعاتب نفسه على التفريط وإلا وضع عقوبات تلزم النفس بالانضباط والالتزام بالخطة الموضوعة.

فالخطط تنظم الوقت، وتقلل الجهد، وتبين الخلل، وفي النهاية ترسم طريق النجاح.. فلابد من التخطيط وإلا ضاع منا رمضان، وقديما قال بعضهم: إما التخطيط وإما التخليط والتخبيط.

الله بلغنا رمضان، وأعنا على استغلاله على الوجه الذي ترضى به عنا.. آمين..

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة