- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
لم تبق إلا أيام ويقبل علينا شهر رمضان المبارك، ذلك الضيف العزيز الذي لا يأتينا في العام إلا مرة، ثم سرعان ما يرحل ويتركنا قبل أن نشبع منه، ليغيب عنا سنة كاملة ننتظره بعدها ليعود إلينا مرة أخرى.
لقد مر رمضان منذ شهور.. فهل اشتقت إليه؟
لقد أصبح رمضان على الأبواب.. فهل شممت نسيمه، وأحسست قربه؟
رمضان كاد أن يطرق بابك.. فهل أعددت له عدتك، وهل أخذت له أهبتك، وهل هيأت له نفسك، واستعددت لاستقباله؟
إن رمضان فرصة الزمان.. هكذا قال أهل العلم، وهكذا ينبغي أن يعتقد المسلم، وهكذا كان يعتقد سلفنا الصالح رضوان الله عليهم أجمعين.. فلم يكن رمضان بالنسبة لهم مجرد شهر من الشهور، بل كان له في قلوبهم مكانة خاصة ظهرت واضحة من خلال استعدادهم لهم، واحتفائهم به، ودعائهم وتضرعهم إلى الله أن يبلغهم إياه، لما أعلمهم نبيهم من فضيلته وعظيم منزلته عند الله وفذلك في الحديث الذي رواه أحمد وابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم) رواه النسائي. وقد بين لنا صلى الله عليه وسلم في أحاديثه أن خير شهر يمر على المسلمين هو شهر رمضان، وأنه ليس هناك شهر أعظم بركة عليهم منه، وبين في ذات الوقت ان الناس في استقبالهم لرمضان أصناف شتى وصور متعددة، وهو الواقع كما نراه.
1ـ فصنف من الناس: رمضان هذا أثقل على قلوبهم من الجبال الرواسي؛ لما في قلوبهم من المرض والزندقة، وصومه أثقل على قلب أحدهم من نقل الجبال ونزح البحار، يتمنى أحدهم أن لو لم يكن في الدنيا رمضان، ويستعدي الناس عليه، لو أنصفوه لألغاه من قاموس الألفاظ ومن بين الشهور والسطور، يستعدي الناس عليه ويشتكيه عندهم، كما ذكر ابن رجب في لطائف المعارف: "كان رجل في زمن الرشيد ينشد ويقول:
أتاني شهر الصوم لا كان من شهر .. ولا صمت شهرا بعده آخر الدهر
فــلو كان يعـديني الأنـام بقـوة .. على الشهر لاستعديت منهم على الشهر
قال فأصابه مرض فكان يصرع في اليوم مرات، ومات قبل أن يبلغ رمضان التالي.
2ـ وصنف من الناس: يرى رمضان قاطعا لشهواته، ومانعا له من ملذاته، فهو يستعد لرمضان بالعب من الشهوات، والإكثار من الملذات، كما قال بعض هؤلاء:
إذا العشرون من شعبان ولت .. فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشــرب بأقـداح صغار .. فإن الوقت ضاق عن الصغار
3ـ وصنف من الناس: هم وكلاء إبليس، وإخوان الشياطين، رأوا أن الله قد سلسل في رمضان مردة الجن فقاموا هم مقامهم، وأخذوا مكانهم في إفساد صيام الناس وقلوبهم، وتضييع ثوابهم وأجرهم، وسرقة أوقاتهم بما يعرضون من أفلام ومسلسلات وفوازير ومسرحيات وغيرها.. وقد تفننوا في إغراء الناس وإغوائهم، وتضييع دينهم وأوقاتهم بما لا يخطر على بال الشيطان نفسه ربما، حالهم كما قال القائل:
وكنت امرءا من جند إبليس فارتقى .. بي الحال حتى كان إبليس من جندي
فإن مات قبلي كنت أحســن بعــده .. طرائـق فســق لـيس يحســنها بعــدي
4ـ وصنف رابع: يستعد لرمضان بتخزين المطعومات والمأكولات والمشروبات والحلويات، وكأن رمضان شهر طعام لا شهر صيام، حتى إن أحدهم لينفق في رمضان أضعاف ما ينفقه في غيره، ويأكل فيه أضعاف أضعاف ما يأكله في غيره، فأتعبوا أنفسهم بكثرة النفقات، وأثقلوا اقتصاد أممهم حتى صار رمضان عبئا عليهم وعلى أمتهم.. وهؤلاء لم يفقهوا معنى رمضان، ولم يعرفوا مقصود الصيام.. فإذا كان ما تصوم عنه بالنهار تأكل ثلاثة أضعافه بالليل فماذا استفدت؟
5ـ أهل الإيمان:
وهناك صنف آخر بينه النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أهل الإيمان والفهم والعقل، علموا قيمة رمضان، ومقصود ربهم من تشريع الصيام، فاستعدوا وتهيؤوا لرمضان، لكنه استعداد من نوع آخر، دعاء وتضرع ورجاء إلى رب الأرض والسماء أن يمد في أعمارهم ليبلغوا رمضان، وأن يعينهم على إعماره بالطاعات والإكثار من الخيرات والحسنات، وهجر السيئات والموبقات، ثم يمن عليهم بعد ذلك بالقبول والرضا عن العمل، كما قال معلى بن الفضل يصف أصحاب النبي رضوان الله عليهم: "كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم"، وقال يحيى بن أبي كثير: "كان من دعائهم: اللهم سلمنا إلى رمضان، اللهم سلم لنا رمضان، وتسلمه منا متقبلا".
واستعداد هؤلاء لرمضان إنما هو تهيئة النفس لبذل المجهود الموصل إلى تحقيق المقصود ونيل الثواب والأجر الموعود.. فسبقتهم نية خالصة لله وعزم أكيد على أن يكون رمضان شهر عبادة وطاعة وقربات وصدقات، وإحسان وجود، وتغيير إلى الأصلح، فسبق النية يدل على عزيمة على الفعل والعمل، توجب لهم الأجر حتى وإن فاتهم شيء عن غير قصد أو بسبب عجز.
ومع النية الخالصة توبة صالحة تخفف الظهر، وتقلل الحمل، وتيسر العبادة؛ ليكون صاحبها أهلا للمسابقة والمنافسة في الخيرات.
واستعداد هؤلاء وأمثالهم من أهل الإيمان يشمل التخطيط المتقن والمحكم لتحقيق أهداف واضحة المعالم ظاهرة النتائج معلومة الأثر في الدين والخلق والنفس، لا يتركون رمضان يدهمهم ثم يفكرون ماذا سيصنعون، بل أهدافهم واضحة، وخططهم جاهزة، لم يبق إلا دخول رمضان للتطبيق.
والصادقون في إعمار رمضان بالأعمال المرضية للرب سبحانه يسابقون في نبذ أسباب الإعاقة والموانع من تحقيق مرادهم من الانتفاع برمضان، فالشواغل كالتلفاز والنقال وغيرها له حدوده وترتيبه ـ إن كان ثم ضرورة ـ وإلا أعطوه إجازة تامة في رمضان؛ ليسلم لهم شهرهم، وتتم لهم عبادتهم، ويكمل لهم الأجر والثواب.
ومن صدق الاستعداد لرمضان تهيئة الجو العام الأسري والاجتماعي للاستفادة، فلا ينسى المؤمن أصحابه وإخوانه وخلانه من النصيحة، والتعاون على البر والتقوى، ولا ينسى الأب أبناءه وأولاده بل يدخلهم معه في سباق المنافسة على الخير كل بحسبه، وتحويل البيت إلى خلية عبادية تستحق أن ينظر الله إليها بنظر الرحمة والرضا والقبول فقد قال تعالى للمؤمنين: {قوا أنفسكم وأهليكم نارا}(التحريم:6).
ومن علامات الصدق في حسن الاستعداد عند أهل الإيمان، الجد في السير إلى الله والسعي إلى الفوز برضوانه، والمسابقة في الوصول إليه؛ فليس هناك على وجه الأرض منافسة أشرف من المنافسة في سرعة نيل رضاه وأسبقية الوصول إلى عفوه، وأن تكون رقبتهم هي أول رقبة عتقت من النار في هذا الشهر الفضيل.
إن أهل الله لهم سعي في أن يضربوا في كل خير بسهم، كل حسب حاله، فالصلاة باب للمنافسة، والصدقات باب، والقرآن باب، وإفطار الصائمين باب، وقضاء حوائج المحتاجين باب، وقيام الليل باب، وإطعام الطعام باب، والإحسان إلى الناس باب.. وهكذا يسعى المسلم لأن يدعى من كل أبواب الجنة، وأن يكون رمضان هذا شهر الجنة والرضوان.
إن صور الاستعداد للخير في رمضان كثيرة، وأنواعه وفيرة، وطبائع الناس مختلفات، وأحوالهم متباينات، وطرق الانتفاع بشهر الخير تنادي على الراغبين في صنوف الخيرات كما قال عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات: (وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل).
فاللهم أقبل بقلوبنا عليك، وحرك ألسنتنا بالدلالة عليك، وجوارحنا بحسن العبادة لك.. وبلغنا رمضان بمنك، وأعنا فيه على طاعتك، وتقبله منا بجودك وعفوك ورحمتك .. يا أكرم الأكرمين.