لماذا الإسلام والإسلام وحده؟

0 1134

هل من الممكن يا ترى أن يجيب مقال في وريقات يسيرات عن سؤال عظيم كهذا؟ الحق أن هذا ممكن جدا؛ لأن القضية كلما كان وضوحها أشد،لم يحتج في بيانها إلا إلى أقل جهد، ثم يتفاوت الأمر بعد ذلك بحسب تجرد المتلقي ومدى حبه الحق ومبلغ تحريه إياه.

وسوف أجعل الجواب في صورة نقاط كالجرعات المركزة لطالب الشفاء ..شفاء قلبه ،ليسهل الانتفاع بها، وبين يدي ذلك توطئة موجزة :
خلق الله النفس الإنسانية مركوزا فيها جبلة: أن تدين بدين لا يمكنها أن تنفك عنه، مفطورة في أصل النشأة على أن يكون هذا الدين هو التوحيد، فأما جبلتها على أن تدين بدين –أيا كان هذا الدين-، فذلك أن كل إنسان ملزم -ولابد- حركة يتلبس بها ،وأعمالا تصدر منه، لا يعدمها حتى وهو ساكن الجسم، مادام عقله يعمل، إذ من الأعمال: أعمال القلوب، وهذه الحركات إنما هي مرآة للإرادات والاعتقادات التي في فؤاده، فلا انفكاك بين مرجل القلب والجنان، ومعمل الجوارح والأركان بحسبها، ومجموع هذه المنظومة: هو دين في الحقيقة، سواء أكان دينا حقا أم باطلا ،كما في التنزيل {لكم دينكم ولي دين} (الكافرون:6) .
وأما كونه مفطورا على التوحيد؛ فلأنه مفطور على حب الحق والخير -وإن تنكبه-، والحق واحد في نفسه في الأصل، وهذا يقتضي وحدة المصدر في ذاته وتشريعه، وأسمائه وصفاته، سبحانه وتعالى عما يصفون.

وبهذا تدرك مغالطة الملحدين في التحرر من الدين، وقد شبه الله عز وجل كلمة التوحيد ونقيضها بشجرة طيبة وأخرى خبيثة، فقال: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار} (إبراهيم:24-26)، فهؤلاء الملحدون حقيقة دعواهم في التحرر من كل دين: كمن زعم أن الشجرة الخبيثة ليست شجرة !..فإن قال عن نفسه: (لاديني) أو ما أشبه، فلا يصدق في دعواه إلا بمعنى معين: أي لا يدين بالإسلام أو النصرانية أو المجوسية ونحوها، ولكن هو يدين ولابد بقوانين مستمدة من ملذاته يضفي عليها ما شاء من أحكام، بعد أن غلق أبواب النور الإلهية إلى قلبه، ومنافذها دون عقله، وما يزال يفعل ذلك، ليخبو صوت الفطرة شيئا فشيئا، حتى تهلك، ولم يرض بذلك فقتل ما سماه (فكرة الإله) ليتخذ من هواه الإله! فلايعود عليه رقيب قدسي هروبا من وخز الضمير، وتراه (فلسف) ذلك باستمداد جملة من الأطروحات من كتابه (المقدس)!, وقد يكون كتابه هذا مشتملا على تعاليم فولتير أو راسل أو سارتر أو نيتشه..إلخ، ثم لا يكتفي بذا ولا تهدأ نفسه حتى )يبشر) بدينه ليكون أبلغ في عين نفسه أنه إنما اتخذ هذا الطريق عن (عقلانية)، وذاك من سر نضالهم بكل جلد عن باطلهم، فالحق أن هؤلاء على دين، دين يعبد الواحد منهم فيه (إلها) :هو نفسه، و(شريعته): شهواته، و (نبيه) : فيلسوفه أو المفكر الذي أعجب به!

إذا فهمت ما سبق جيدا، فهذا أوان الشروع في المقصود :
-حتى يحق معنى الالتزام -على جهة الفرض الحتمي- باتباع دين، لابد أن يكون مصدره فوقيا، لا ينتمي إلى منظومة المخلوقات، والإنسان أرقى هذه الكائنات الحية، فلا موجب عقليا يقتضي فرض التبعية في قوانين الحياة لإنسان مثلي، بل لو فرضنا أن مخلوقا أعظم يسكن معنا الأرض، فليس مجرد كونه عظيم العلم والجسم-مثلا- بمقتض لطاعته على جهة الاستقلال، حتى تكون تبعا لطاعة خالق أعلى؛ لأن الذي خلق هو المنوط به وحده هداية ما خلق إلى ما فيه استقامة أمرهم وصلاحهم، وهذا أمر بديهي لا ينبغي أن يكون محل جدل أو توقف؛ ولهذا قال عز وجل: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} (تبارك:14)، ولعظم الوثاقة بين صفة الخلق، وما يقتضيه ذلك من توحيد مصدر التشريع الذي به صلاح أمر البشر، قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر } (الأعراف:54)، وقال سبحانه: {إن علينا للهدى} (الليل:12) ، قال الإمام قتادة السدوسي في تفسيرها: "على الله البيان: بيان حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته "، وقال سبحانه: { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} (طه:50)، إن وضوح هذه الحقيقة لا يحتاج معه إلى تدليل، أما ترى الإنسان يصنع آلة، فيرفق معها دفترا إرشاديا في إيضاح طريقة استعمالها ؟!..وهو بهذا يحقق مصلحتين لابد منهما:
-حصول المنفعة من الجهاز المصنوع، بحيث يؤدي ما لأجله صنع،
-وتوقي ما يمكن أن يفسده ويخرجه عن صحته، كذلك الوحي مع الإنسان..ولله المثل الأعلى.

فإذا عرفت ذلك: فإن الذين يدعون ربانية المصدر هم اليهود والنصارى والمسلمون، وبقية الأديان أرضية لا يزعم أهلها أنه جاءهم نبي أو رسول بلغهم عن ربهم شيئا، فآل النظر إلى ثلاثة أديان لا غير، ولا يعزب عن العاقل المنصف أن يدرك بأن كتب اليهود والنصارى تعرضت لتحريفات هائلة لا ينكرها أهلها أنفسهم (1)..وهذا وحده مناقض لربانية المصدر، مبطل لفرضية الالتزام بها عقلا، فلم يصف من هذا الوجه إلا الإسلام وحده.

ثانيا-وضوح الحق ومدى ظهوره، فهذا معيار مهم في أحقية الاتباع، إذ ليس يصح أن يفرض المعتقد على الناس فرضا بدعوى: " ما وجدنا عليه آباءنا"، وترى الله شنع على أصحاب هذه الدعاوى التي حاصلها اتباع الظنون والتخرصات، أو التقليد الأعمى العري عن البرهان، في آيات كثيرة جدا وبأساليب شتى، كقوله جل ثناؤه: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى} (النجم:23)، وقوله: {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون}(الزخرف:23)، وغيرها من الآيات، وإذا أردت استبانة الوضوح فثم طريقان: طريق مجمل وطريق مفصل، وليس مقال كهذا يسع التفصيل، ولا حتى الإجمال، وإنما يغني من ذلك الإشارة في مثل هذا المقام إلى ثلاثة محاور:

1- أسرع الأديان انتشارا كما تشهد إحصاءات الغرب أنفسها (2) ، رغم ضعف أهله، وبعد أكثرهم عن الاستقامة على دينهم كما أمر الله تعالى، ورغم كل ما يتعرض له الإسلام من حملات شرسة في تشويه صورته، وتلويث حقيقته، وتدنيس سمعته.
2-أن كتابه حجة بالغة، وآية باهرة، وقع التعجيز به في مقام بيان صدق النبوة، وترى فيه مثل قوله تعالى:{قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}(البقرة:111)، و{:قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا} (الأنعام:148)، إلخ الآيات المثيرة لمكامن الكبرياء العلمي عند الخصوم، وهو فوق كونه في مجموعه آية كبرى خالدة، في نظمه وبلاغته، أعجزت أساطين العرب، بيد أن الرسالة النبوية بعامة مشتملة على أنواع الدلائل الكثيرة، والبراهين الوفيرة، سواء من ذلك ما تعلق بالسيرة النبوية، أو الإشارات العلمية التي صدقتها الكشوف
الحديثة، أو النبوءات المستقبلية التي أنبأنا عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- أو غير ذلك.
3-أن نفس تشريعاته والعقائد المضمنة فيه :ميسرة سلسلة تدلف إلى القلب بانسياب ليس مبناها على فلسفات معقدة ولا تعسفات مشددة ،بل كما قال ربنا {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} (القمر:17)

ثالثا-أن الإسلام هو الرسالة الوحيدة التي تحتوي على منظومة فريدة من تفصيلات شاملة متكاملة، في العقائد والأخلاق، والمعاملات والعبادات والآداب: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}(المائدة:3)، وعلى قواعد كلية ومقاصد شرعية لاستنباط حكم لكل نازلة مستجدة، مما لم يقع له نظير في العهد الأول، كما قال عز وجل: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} (النساء:83)، وفي الصحيحين عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) متفق عليه، فهذا إقرار الاجتهاد في طلب حكم الله في الوقائع، خلافا لكتب اليهود والنصارى، فغالب ما فيها قصص وأحداث ركيكة المعاني والألفاظ والحشو، ولا تكاد تظفر بشيء يصلح أن تنظمه في عقد تشريعي إلا في نتف يسيرة في العهد القديم –كما يسمى-، لا تصنع نظام حياة، ولا يأتلف منها منهج موضوعي ولا عشر معشاره، وأما التناقضات الصارخة التي تعج بها كتبهم والعبث الجلي فيها فحدث ولا حرج!، وهذا بصرف النظر عن صحة ما بقي من أحكام في نفسها، أو عدم صحته.

رابعا –أن الرب المعبود في هذا الدين: رب موصوف بما يليق في حكم العقل السليم أن يكون ربا، فله صفات الجمال والجلال المثبتة على وجه الكمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وما من شك أن العبودية للإله الحق، فرع عن معرفة هذا الإله، فإذا فتشت في صفاته عند اليهود والنصارى ألفيت –والعياذ بالله- إلها يندم ويجهل ويتعب، إلخ، في حين ترى في الإسلام وحده :{هل تعلم له سميا}(مريم:65)، {ولم يكن له كفوا أحد}(الإخلاص:4)، {فلا تضربوا لله الأمثال}(النحل:74).{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }(الشورى:11) ، وفي حين ترى مثلا في العهد القديم-يؤمن به اليهود والنصارى-ما مثل جاء في سفر الخروج "لأنه في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض وفي اليوم السابع استراح وتنفس" (31: 17) تجد في القرآن العظيم { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} (ق:38) .وما قلته هنا عن التصور الحق عن الإله المتفق مقتضى العقل السليم ، قل مثله في الحديث عن أنبياء الله ورسله فصورتهم في كتابهم "المقدس" مشوهة مسفهة لا يصلحون معها أن يكونوا موضعا للائتساء ، وقابل ذلك بصورة أنبياء الله ورسله كتاب الله العزيز.

يا أيها الإنسان!: إنك لم تخلق بعقل لتكون كالأنعام أو أضل!، إن غاية الوجود إنما تتحقق بحسن توجيه الملكات فيما فيه تثبيت الكمالات، لا ما فيه تعطيلها أو إفسادها أو إبطالها؛ فلذلك قال المولى سبحانه:{ لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل} (الأعراف:179)، وأعظم كمالاتك: الفطرة والعقل، الفطرة تحدوك لتكون ذا دين، وتجتذبك إلى التوحيد بين حين وحين، بحسب قوة صفائها، والعقل يهديك إلى استكشاف الحق لتميز بينه وبين الباطل .

إن تأهيل الإنسان في أصل خلقته ليكون ثم فارق جوهري بينه وبين سائر الحيوان وهو العقل، لايصح أن يكون هملا في حكمة من ثبت كمال حكمته =الله جل ثناؤه ، فلابد أن تملأ هذه الهوة الفارقة: تعاليم علوية، وإلا صار معطلا عن قيمة حقيقية تسد الهوة لتصرفه في وجوه الاستغلال الذي يكافئ فارق الكمال، فيكون بخلوه عن استمداد الوحي في الاستهداء: أحط من الأنعام: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم*ثم رددناه أسفل سافلين *إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون*فما يكذبك بعد بالدين* أليس الله بأحكم الحاكمين }(التين:4-8) .

هوامش المقال
1. في دائرة المعارف الأمريكية مثلا ما ترجمته : "أما النصوص التي بين أيدينا، فقد نقلتها إلينا أجيال عديدة من الكتبة والنساخ، ولدينا شواهد وفيرة تبين أن الكتبة قد غيروا - بقصد أو دون قصد منهم - في الوثائق والأسفار، التي كان عملهم الرئيسي هو كتابتها ونقلها."
2. يكفي أن تكتب في أي محرك بحث جملة إحصائية انتشار الإسلام ، أو بالإنجليزية : Statistical spread of Islam ، أو نحوها من العبارات، لتخرج بعشرات النتائج التابعة لمصادر غربية وعربية تقرر نفس الحقيقة ، ومن هذه المواقع ما لا يخفي عداءه ورهبته من هذه الظاهرة "المخيفة" أو "المقلقة" !

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة