إني يُطعِمُني ربي ويسقين

0 1433

الوصال في الصوم من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه كما قال القاضي عياض: "متابعة الصوم دون الإفطار بالليل"، وقال ابن الأثير: "هو أن لا يفطر يومين أو أياما".
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن صوم الوصال، لكنه كان يواصل الصوم يومين بل ثلاثة أيام متوالية، لا يأكل فيهن ولا يشرب، ولما أراد بعض الصحابة رضوان الله عليهم أن يقتدوا به في ذلك، نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تواصلوا، قالوا: إنك تواصل؟ قال: لست كأحد منكم، إني أطعم وأسقى، أو إني أبيت أطعم وأسقى) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والوصال، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله! قال: إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون) رواه مسلم. وفي رواية للبخاري: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، فقال: له رجال من المسلمين: فإنك يا رسول الله تواصل! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقين، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال، فقال: لو تأخر لزدتكم، كالمنكل بهم حين أبوا) رواه البخاري.
قال ابن كثير: "فقد ثبت النهي عنه من غير وجه، وثبت أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يقوى على ذلك ويعان".

قول بعض الصحابة رضوان الله عليهم: (فإنك يا رسول الله تواصل) ليس اعتراضا، وإنما هو سؤال تعلم واستفسار عن الجمع بين نهيه لهم عن الوصال في الصوم وفعله الدال على الإباحة، فأجابهم باختصاصه به بعبارات واضحة، مبينا لهم أنهم ليسوا مثله، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقين). وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن الوصال، ووصال أناس منهم، فإنه ليس معصية ولا على سبيل المنازعة له صلى الله عليه وسلم، بل لأنهم فهموا في البداية أن النهي ليس على سبيل المنع، وإنما كان شفقة بهم، وكانوا رضوان الله عليهم حريصين على متابعته والاقتداء به صلى الله عليه وسلم في كل كبيرة وصغيرة، حتى الأمور التي فيها مشقة ظاهرة، ولم يعلموا رضوان الله عليهم خصوصيته في ذلك.
قال ابن حجر: "واستدل بمجموع هذه الأحاديث على أن الوصال من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وعلى أن غيره ممنوع منه، إلا ما وقع فيه الترخيص من الإذن فيه إلى السحر". وقال ابن عثيمين: "صوم الوصال أن لا يفطر الإنسان في يومين، فيواصل الصيام يومين متتالين، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وقال: (من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر)، والمواصلة للسحر من باب الجائز، وليست من باب المشروع، والرسول صلى الله عليه وسلم حث على تعجيل الفطر، وقال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)، لكنه أباح لهم أن يواصلوا إلى السحر فقط، فلما قالوا: يا رسول الله إنك تواصل، فقال: (إني لست كهيئتكم)".

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (إني أبيت يطعمني ربي ويسقين): قال النووي: "معناه: يجعل الله تعالى في قوة الطاعم والشارب، وقيل: هو على ظاهره، وأنه يطعم من طعام الجنة كرامة له، والصحيح الأول، لأنه لو أكل حقيقة، لم يكن مواصلا". وقال ابن حجر: "وقال الجمهور قوله: (يطعمني ويسقين) مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة، فكأنه قال يعطيني قوة الآكل والشارب، ويفيض علي ما يسد مسد الطعام والشراب، ويقوي على أنواع الطاعة من غير ضعف في القوة ولا كلال في الإحساس. أو المعنى: إن الله يخلق فيه من الشبع والرى ما يغنيه عن الطعام والشراب فلا يحس بجوع ولا عطش، والفرق بينه وبين الأول أنه على الأول يعطى القوة من غير شبع ولارى مع الجوع والظمأ، وعلى الثاني يعطى القوة مع الشبع والرى، ورجح الأول بان الثاني ينافي حال الصائم ويفوت المقصود من الصيام والوصال، لأن الجوع هو روح هذه العبادة بخصوصها". وقال ابن كثير: "(إني لست كهيئتكم، إني يطعمني ربي ويسقين): والأظهر أن ذلك الطعام والشراب في حقه إنما كان معنويا لا حسيا".

الوصال في الصوم من الأمور التي اختص الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم ،والتي لا تجوز متابعته فيها، وفي النهي عن الوصال في الصوم مظهر من مظاهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته بأصحابه وأمته، وقد قال الله تعالى عنه صلى الله عليه وسلم: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}(التوبة: 128)، وفي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل، قال: إني لست كهيئتكم، إني يطعمني ربي ويسقين) رواه البخاري.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة