- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:من بدر إلى الحديبية
غزوة بدر تعد من أشهر الغزوات التي قادها النبي صلى الله عليه وسلم ضد الكفار، وهي من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام كله، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى مكان بئر بدر بين مكة والمدينة المنورة، كما عرفت كذلك بيوم الفرقان، لأنها فرقت بين الحق والباطل، قال الله تعالى: {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان}(الأنفال:41)، وقال تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر}(آل عمران:123}. قال ابن كثير: "قوله: {ولقد نصركم الله ببدر} أي: يوم بدر، وكان في يوم جمعة وافق السابع عشر من رمضان، من سنة اثنتين من الهجرة، وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله، ودمغ فيه الشرك وخرب محله، هذا مع قلة عدد المسلمين يومئذ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا".
وقد استشهد من المسلمين في غزوة بدر أربعة عشر شهيدا، ـ كما ذكر ابن هشام وابن كثير وغيرهما ـ: ستة من المهاجرين، وستة من الخزرج، واثنان من الأوس، قال الذهبي: "شهداء بدر: عبيدة بن الحارث المطلبي، وعمير بن أبي وقاص الزهري ـ أخو سعد ـ، وصفوان بن بيضاء ـ واسم أبيه: وهب بن ربيعة الفهري ـ، وذو الشمالين عمير بن عبد عمرو الخزاعي ، وعمير بن الحمام بن الجموح الأنصاري ـ الذي رمى التمرات وقاتل حتى قتل ـ، ومعاذ بن عمرو بن الجموح السلمي، ومعاذ بن عفراء، وأخوه عوف ـ واسم أبيهما الحارث بن رفاعة من بني غنم بن عوف ـ، وحارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي الأنصاري ـ جاءه سهم غرب وهو غلام حدث وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أم حارثة! إن ابنك أصاب الفردوس الأعلى" ـ، ويزيد بن الحارث بن قيس الخزرجي ـ وأمه هي فسحم، ويقال له هو فسحم ـ، ورافع بن المعلى الزرقي، وسعد بن خيثمة الأوسي، ومبشر بن عبد المنذر أخو أبي لبابة، وعاقل بن البكير بن عبد ياليل الكناني الليثي ـ أحد الإخوة الأربعة البدريين ـ، فعدتهم أربعة عشر شهيدا".
وقفة مع بعض شهداء بدر:
سعد بن خيثمة:
استشهد سعد بن خيثمة رضي الله عنه في غزو بدر، وكان له مع أبيه في هذه الغزوة موقف، قال ابن حجر: "قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: استهم يوم بدر سعد بن خيثمة وأبوه فخرج سهم سعد فقال له أبوه: يا بني آثرني اليوم، فقال سعد: يا أبت لو كان غير الجنة فعلت، فخرج سعد إلى بدر فقتل بها، وقتل أبوه خيثمة يوم أحد". وهذا الموقف من سعد رضي الله عنه يعطي صورة مشرقة عن مدى حرص وتسابق الصحابة رضوان الله عليهم في غزوة بدر على الخروج للجهاد والقتال في سبيل الله، بل وتنافسهم في الحرص على الشهادة والموت في سبيل الله، فسعد الابن ووالده خيثمة لا يستطيعان الخروج معا لاحتياج أسرتهما لبقاء أحدهما، فلم يتنازل أحدهما للآخر عن الخروج للقتال رغبة في نيل الشهادة، حتى اضطرا إلى الاقتراع بينهما، فكان الخروج من نصيب سعد رضي الله عنه. لقد كان سعد رضي الله عنه في غاية البر والأدب مع والده، ولكنه كان حريصا على الجهاد في سبيل الله، مشتاقا إلى الجنة، ويعبر عن ذلك قوله لأبيه: "يا أبت لو كان غير الجنة فعلت".
عمير بن أبي وقاص:
من أصغر الشهداء في غزوة بدر، إذ لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، في "سير أعلام النبلاء" للذهبي: عن عامر بن سعد عن أبيه قال: "رد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن أبي وقاص عن بدر، استصغره، فبكى عمير فأجازه، فعقدت عليه حمالة سيفه". وأخرج ابن سعد عن الواقدي، من رواية أبي بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه، قال: "رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟ قال: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج، لعل الله أن يرزقني الشهادة، قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره فرده، فبكى فأجازه، فكان سعد يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ست عشرة سنة".
حارثة بن سراقة:
قصة استشهاده يرويها البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أم الربيع بنت البراء ـ وهي أم حارثة بن سراقة ـ أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا نبي الله، ألا تحدثني عن حارثة ـ وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غرب (لا يعرف من أي جهة رمي به) ـ فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك، اجتهدت عليه في البكاء؟ قال صلى الله عليه وسلم: يا أم حارثة إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى). وفي رواية أخرى: (فجاءت أمه فقالت: يا رسول الله! أخبرني عن حارثة؟ فإن كان في الجنة صبرت، وإلا فليرين الله ما أصنع - تعني من النياحة -، وكانت لم تحرم بعد!! فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: ويحك أهبلت؟ إنها جنان ثمان، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى). قال ابن حجر: "كان ذلك قبل تحريم النوح، فلا دلالة فيه (أي على جواز النوح)، فإن تحريمه كان عقب غزوة أحد، وهذه القصة كانت عقب غزوة بدر". وقال القسطلاني قوله صلى الله عليه وسلم: "(أو هبلت) للاستفهام أبك جنون؟ أما لك عقل؟ أو فقدت عقلك مما أصابك من الثكل بابنك حتى جهلت صفة الجنة، (أو جنة واحدة هي) بفتح الهمزة للاستفهام والواو للعطف، (إنها جنان كثيرة) في الجنة، (وإنه) أي ابنك حارثة في جنة الفردوس وهي أفضلها".
عمير بن الحمام:
أول شهيد من الأنصار في غزوة بدر، قال عاصم بن عمر بن قتادة: "أول قتيل قتل من الأنصار في الإسلام (أثناء القتال) عمير بن الحمام". ويروي أنس بن مالك رضي الله عنه قصة استشهاد عمير بن الحمام في غزوة بدر فيقول: ( .. فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه (أمامه)، فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: نعم، قال: بخ بخ (كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، فأخرج تمرات من قرنه (جعبة السهام) فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل) رواه مسلم.
فائدة: فضل أهل بدر:
الصحابة رضوان الله عليهم الذين شاركوا في غزوة بدر كان يقال عن أحدهم: فلان بدري، وفلان شهد بدرا، وكفى بهذه المنقبة شرفا وفضلا، قال ابن القيم: "فسعود الأيام ونحوسها: إنما هو لسعود الأعمال وموافقتها لمرضاة الرب، ونحوس الأعمال إنما هو بمخالفتها لما جاءت به الرسل، واليوم الواحد يكون يوم سعد لطائفة، ونحس لطائفة كما كان يوم بدر، يوم سعد للمؤمنين، ويوم نحس على الكافرين".
وفضل الصحابة الذين شهدوا بدرا يشمل الذين قتلوا فيها والذين لم يقتلوا، فالذين قتلوا أكرمهم الله بالشهادة، وميزهم بالخير، فعن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه وكان من أهل بدر قال: (جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟! قال صلى الله عليه وسلم: من أفضل المسلمين، أو كلمة نحوها، قال جبريل: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة) رواه البخاري. والذين شاركوا في بدر ولم يقتلوا يكفي في فضلهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم ) رواه البخاري. قال ابن القيم: "كل من بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة أو أخبره بأنه مغفور له، لم يفهم منه هو ولا غيره من الصحابة إطلاق الذنوب والمعاصي له ومسامحته بترك الواجبات، بل كان هؤلاء أشد اجتهادا وحذرا، وخوفا بعد البشارة منهم قبلها، وكالعشرة المشهود لهم بالجنة". وقال المناوي: "اعملوا ما شئتم أن تعملوا فإني غفرت لكم ذنوبكم أي: سترتها فلا أؤاخذكم بها لبذلكم مهجكم في الله ونصر دينه، والمراد إظهار العناية بهم وإعلاء رتبتهم، والتنويه بإكرامهم، والإعلام بتشريفهم، وإعظامهم، لا الترخيص لهم في كل فعل".
لقد ضرب الصحابة رضوان الله عليهم في غزوة بدر أروع الأمثلة في البطولة والاستشهاد، وأثبتوا فيها صدق إيمانهم، وعظيم بذلهم وتضحياتهم، ويقينهم بما أعد الله لهم في الجنة، الذي جعل أحدهم يستطيل حياته الباقية وإن لم يبق منها إلا لحظات يسيرة فيقدم ويسارع إلى القتال والموت في سبيل الله، كما وقع مع عمير بن الحمام رضي الله عنه، والآخر ـ خيثمة ـ مع بره وأدبه مع أبيه ينافسه في الخروج للجهاد والقتال، والآخر ـ عمير بن أبي وقاص ـ ما زال غلاما صغيرا يبكي أمام النبي صلى الله عليه وسلم حتى يأذن له للخروج للجهاد، فيقتل شهيدا.. فرضي الله عن أهل بدر وعن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.