- اسم الكاتب:د. راغب السرجاني
- التصنيف:تاريخ و حضارة
في ألمانيا
أما في ألمانيا فإننا نجد تزايدا ملحوظا في عدد المقبلين على اعتناق الإسلام، فنجد أنه خلال الفترة من يونيو 2004م إلى يونيو 2005م اعتنق الإسلام 4000 ألماني بزيادة أربعة أمثال عدد من أسلموا خلال نفس الفترة من العام الذي سبقها . ويبلغ العدد الإجمالي للمسلمين في ألمانيا حوالي 3.5 ملايين مسلم، بما يمثل نسبة 4.2% من عدد سكان ألمانيا البالغين 82 مليون نسمة في عام 2007م. ويعود استقرار السكان المسلمين في ألمانيا إلى القرن السادس عشر الميلادي، وقد تم بناء أول مسجد في مدينة بوتسدام الألمانية في عام 1731م.
أما أقدم المساجد الباقية إلى الآن فهو في العاصمة برلين وتم بناؤه في عام 1924م، ويليه مسجد في مدينة هامبورج أقيم في عام 1957م، ويعتبر مسجد (الفتح) المقام في مدينة مانهايم منذ عام 1995م من أكبر مساجد ألمانيا، وقد بلغ عدد المساجد وأماكن الصلاة في ألمانيا الحالية إلى 2200 مسجد ومصلى.
ومن المنظمات الإسلامية الفاعلة في المجتمع الألماني منظمة التجمع الإسلامي، التي تأسست في عام 1958م على يد جماعة من الطلبة الوافدين بمشاركة عدد من المسلمين المقيمين في ألمانيا، ويصدر عن التجمع مجلة بعنوان (الإسلام)، ولها صفحة إلكترونية على شبكة الإنترنت. وقد أسهمت المنظمة في تأسيس عدد كبير من المراكز الإسلامية بالمدن الألمانية، وأهمها المراكز الإسلامية بمدن ميونيخ وشتوتجارت وكولونيا، ويتبع المنظمة 60 جمعية إسلامية، وبلغ عدد أعضائها نحو 60 ألفا.
بجانب منظمة التجمع الإسلامي يوجد العديد من المنظمات الإسلامية، مثل هيئة الاتحاد التركي الإسلامي التي تأسست في عام 1985م، ومؤسسة (ميلي جوروش) التركية التي أسست في 1986م، والمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا الذي تأسس في عام 1994م .
وفي بريطانيا تعدى عدد المسلمين 1.6 مليون مسلم، بما يمثل نسبة 2.7% من عدد السكان البالغ عددهم 61 مليون نسمة في عام 2007م .
وبالنسبة لإيطاليا فتشير آخر الإحصاءات الرسمية الإيطالية إلى أن عدد المسلمين في إيطاليا بلغ أكثر من مليون مسلم، من بين 58 مليون نسمة هم عدد سكان إيطاليا في عام 2007م . كما يقدر عدد المسلمين في إسبانيا -حسب (الاتحاد الإسباني للجماعات المسلمة)- بنحو 700 ألف مسلم، بينهم أكثر من 200 ألف يحملون الجنسية الإسبانية، وقد بلغ عدد سكان إسبانيا 40.4 مليون نسمة في عام 2007م، كما يقدر عدد المساجد في مختلف المدن الإسبانية بنحو 600 مسجد.
أيضا توجد الجاليات المسلمة في بقية الدول الأوربية، مثل هولندا بنسبة 5.5% من عدد السكان البالغ 16.5 مليون نسمة عام 2007م . وأيضا في سويسرا التي تقع جنوبي أوربا الوسطى، ويصل عدد سكانها إلى حوالي سبعة ملايين نسمة، وقد وصل الإسلام إلى سويسرا بواسطة البحارة الأندلسيين المسلمين في عام 321هـ- 939م، وبعد سقوط الأندلس هاجر عدد من المسلمين فرارا من الاضطهاد الديني إلى جنوب سويسرا. وفي العصر الحديث بعد الحرب العالمية الثانية لجأت إلى سويسرا أقلية مسلمة، ونتيجة لجهود بعض الدعاة اعتنق عدد من السويسريين الإسلام، وكان عدد المسلمين بسويسرا في سنة (1371هـ= 1951م) يقدر بألفين، ويقدر عددهم الآن بنحو 400 ألف مسلم . وتوجد الجاليات المسلمة أيضا في إيطاليا وبلجيكا واليونان وقبرص وإسبانيا ومالطا والنمسا، وغيرها من بقية الدول الأوربية.
ويقدر عدد المسلمين في أوربا بكاملها بحوالي 50 مليون مسلم.
ويمكن تصنيف الأقلية المسلمة في أوربا كما يلي:
1- أبناء الدول الأوربية الأصليون الذين دخلوا الإسلام منذ قرون طويلة، وحافظوا على إسلامهم رغم كل ما واجهوه من تحديات ومحاولات لمحو هويتهم الإسلامية، مثل الألبان والبوسنيين، والكوسوفيين المقدونيين، والمسلمين في بلغاريا. ويضاف إليهم المسلمون الجدد، من أمثال (رجاء جارودي) من فرنسا، و(مراد هوفمان) من ألمانيا، وغيرهما ممن اعتنقوا الإسلام.
2- مسلمون مهاجرون تجنسوا بجنسية البلد المقيمين فيه، مثل المهاجرين إلى أوربا بغرض العمل، ثم استقروا في بلد المهجر، والطلاب الذين سافروا لاستكمال دراساتهم العليا في أوربا ثم آثروا البقاء والإقامة هناك، وغيرهم الكثير ممن اجتذبته النهضة الأوربية الحديثة للهجرة إليها والاستقرار بها.
مسلمو أوربا.. مشكلات وتحديات:
لا نستطيع أن نتخطى هذه النقطة بدون التعرض للمشكلات التي تعاني منها الجاليات المسلمة في القارة الأوربية، فما زالت الغالبية العظمى من المهاجرين المسلمين الذين يعيشون في أوربا يجهلون كل شيء عن واقع وتاريخ أوربا التي يعيشون فيها، فهذه الغالبية لا تعرف تاريخ البلد الذي تعيش فيه ولا مؤسساته ولا رموزه الفكرية ولا المسئولين عنه؛ الأمر الذي يحرمهم من التكيف مع هذا المجتمع والاندماج فيه. كما نجد أن الأغلبية العظمى من أبناء الجالية الإسلامية ليست مثقفة، سواء ثقافة إسلامية دينية أو حتى ثقافة غربية، وتفتقد الجالية المسلمة في نفس الوقت القيادة الفكرية المستنيرة الناضجة التي تستطيع احتواء المهاجر المسلم وإرشاده إلى الطريق القويم.
كما تعاني الجاليات الإسلامية من خلافاتها الداخلية مثل الخلافات العرقية أو المذهبية. ومن أخطر المشاكل التي يعاني منها المسلمون في أوربا تلك التي يواجهها الجيلان الثاني والثالث على نحو خاص، فبينما تنحصر مشكلة الجيل الأول غالبا في الغربة عن وطنه، نجد الجيلين الآخرين يعانيان من مخاطر الاغتراب الفكري والروحي؛ وذلك بسبب غياب الاتصال بثقافة البلد الأصلي فينشأ جيل حائر متذبذب، بل وأحيانا رافض لانتمائه الأصلي ومتطلع إلى الانصهار في مجتمعه الجديد، وتبلغ المعاناة أوجها حين يتبرأ هذا الجيل من بيئته الأصلية انحيازا إلى بيئة جديدة ولكنها ترفضه بدورها.
كانت الهجرة العربية إلى بلدان أوربا في بدايتها مفروضة وإلزامية خاصة بالنسبة لأبناء المغرب العربي الخاضع للاحتلال الفرنسي، ثم أصبحت بمرور الزمن طواعية تتحكم فيها ظروف موضوعية، وكان الاستعمار هو محركها ودافعها الأساسي، وبمرور الزمن صارت دوافعها المباشرة في الغالب اقتصادية واجتماعية.
وقد شهدت العقود الأخيرة تزايدا ملحوظا في عدد العرب المهاجرين إلى أوربا، بل وتحولت الهجرة العربية خلال عقد الثمانينيات من هجرة ذكور إلى هجرة أسرية.
وغالب الهجرة العربية إلى بلدان أوربا هجرة من أجل العمل، ويعمل معظم المهاجرين العرب كعمال غير مؤهلين يقومون عادة بأصعب وأشق المهن، ويتقاضون الأجور المتدنية بالنسبة إلى زملائهم الأوربيين، ويقيمون عادة في مساكن غير صحية وغير ملائمة، وفي أحياء معزولة عن باقي المساكن، ويمثلون بالتالي الفئة الاجتماعية الأقل يسرا من الناحية المادية بين سكان أوربا.
كما يتعرض أبناء المهاجرين العرب في أوربا إلى مجموعة من المشكلات أهمها فشل أبناء المهاجرين مدرسيا حيث يتسرب معظمهم (ثلاثة أرباعهم تقريبا) من المدارس، وتعتبر نسبة الفشل الدراسي بين أبناء المهاجرين مرتفعة جدا. كما توجه السياسات التعليمية الانتقائية المعتمدة في دول الغرب أبناء المهاجرين إلى التعليم المهني، وفي نفس اختصاصات آبائهم؛ مما يعوق تطلعهم لممارسة ما يتطلب خبرة فنية عالية، ومن ثم تخلق هذه الأوضاع شعورا بالنقص عند أبناء المهاجرين يدفعهم إلى عدم الاعتزاز بتقاليد وقيم والديهم.
ولا ننكر أن الوضع المتردي لمعظم دول العالم الإسلامي كان سببا مباشرا لهذه الهجرات المتوالية، إضافة إلى حالة التشتت والفردية التي يعاني منها منذ إلغاء الخلافة الإسلامية التي كانت بمنزلة الهيئة المدافعة عن كل المسلمين في أي مكان في العالم، فلم يكن أحد يجرؤ على الانتقاص من حق المسلمين إلا بعد إسقاطها، أما منذ سقوط الخلافة الإسلامية إلى الآن فلم نجد على مستوى الحكومات العربية والإسلامية سياسة واحدة واضحة ومسئولة بالنسبة إلى الوجود العربي - الإسلامي في أوربا أو الغرب.
ومن أهم التحديات الفكرية التي تواجه الجاليات الإسلامية في أوربا، وتشعر بها طوال الوقت أن هناك فجوة فكرية في التاريخ الإسلامي، وفي فقه المسلمين في الغرب، ومصدر هذه الفجوة أن العلماء والفقهاء ظلوا على امتداد التاريخ الإسلامي يفكرون في الجاليات غير الإسلامية التي تعيش في ديار المسلمين، وقد وضعوا لهؤلاء كتبا وفقها تغني هذا الجانب، ولكن هؤلاء العلماء لم يفكروا - إلا قليلا - في وضع الجاليات الإسلامية التي تعيش في الغرب.
ولذا فإن الحاجة أصبحت ملحة إلى فقه للأقليات الإسلامية في الخارج، يدرس أحوال المهاجرين، ويحصر أمرها لتجد سبيلها إلى أحكام فقهية تيسر وتسهل حياة إخواننا في الخارج.
وقد بدأت بالفعل جهود محمودة في هذا المضمار، منها إنشاء المجلس الأوربي للإفتاء، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.