- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:من البعثة إلى الهجرة
طلحة بن عبيد الله بن عثمان القرشي التيمي، يكنى أبا محمد، ويعرف بطلحة الخير، وطلحة الفياض، لكرمه وجوده، وهو أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة الذين توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة) رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض، فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله) رواه الترمذي وصححه الألباني، وقال: (طلحة ممن قضى نحبه) رواه الترمذي وحسنه الألباني. وقال عنه ابن الأثير: "وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد، وبايع بيعة الرضوان، وأبلى يوم أحد بلاء عظيما، ووقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، واتقى عنه النبل بيده حتى شلت أصبعه، وضرب على رأسه، وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره حتى صعد الصخرة.. ثم ساق بسنده عن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة قال: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: طلحة الخير، ويوم العشيرة طلحة الفياض، ويوم حنين طلحة الجود".
وفي قصة إسلام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه دليل من دلائل نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد روى الحاكم في المستدرك، وابن سعد في الطبقات، وابن كثير في البداية والنهاية، والبيهقي في دلائل النبوة عن ابراهيم بن محمد بن طلحة قال: قال لي طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: (حضرت سوق بصرى (بلدة بالشام) ، فإذا راهب في صومعته، يقول: سلوا أهل هذا الموسم (مجمع الناس للتجارة) أمنهم أحد من أهل الحرم، قال طلحة: قلت: نعم، أنا، فقال: هل ظهر أحمد بعد؟ قال: قلت: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطب، هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء، مخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرة (الأرض الغليظة ذات الحجارة السود) وسباخ (أرض ذات نز وملح)، فإياك أن تسبق إليه. قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال، فخرجت سريعا حتى قدمت مكة فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم، محمد بن عبد الله الأمين تنبأ (قال إنه نبي)، وقد تبعه ابن أبي قحافة، قال: فخرجت حتى دخلت على أبي بكر فقلت: أتبعت هذا الرجل؟ قال: نعم، فانطلق إليه، فادخل عليه فاتبعه، فإنه يدعو إلى الحق، فأخبره طلحة بما قال الراهب فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فأسلم طلحة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, بما قال الراهب، فسر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم).
فائدة: الذود عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه:
هناك شبهة ـ يذكرها بعض المبتدعة ـ لقول غير صحيح ورد في بعض كتب المفسرين وغيرهم، ذكروا فيها أن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه كان يريد أن يتزوج عائشة رضي الله عنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وحاشا لله أن يصدر ذلك من طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، قال الله تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما}(الأحزاب: 53)، قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "عن ابن عباس في قوله تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} قال: نزلت في رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم. قال رجل لسفيان: أهي عائشة؟ قال: قد ذكروا ذاك. وكذا قال مقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وذكر بسنده عن السدي أن الذي عزم على ذلك طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، حتى نزل التنبيه على تحريم ذلك".
وقال القرطبي: "وكذا حكى النحاس عن معمر أنه طلحة، ولا يصح. قال ابن عطية: لله در ابن عباس! وهذا عندي لا يصح على طلحة بن عبيد الله"، وقال ابن عطية: "وهذا عندي لا يصح على طلحة, الله عاصمه منه".
فأمثل رواية في تفسير قول الله تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} ما جاء في تفسير ابن كثير وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه دون ذكر طلحة ولكن عن رجل مبهم، فقال ابن عباس: "نزلت في رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم". وأما طلحة المذكور في بعض الروايات الضعيفة في بعض كتب التفسير وغيرها ليس هو طلحة بن عبيد الله الصحابي الجليل المبشر بالجنة، ولكن طلحة آخر .. وحتى إن صحت هذه الروايات فليس المقصود ما زعمه بعض المبتدعة أنه هو طلحة بن عبيد الله الصحابي المشهور، قال السيوطي: "ونظير هذا ما روي في سبب نزول قوله: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا}(الأحزاب: 53):أن طلحة بن عبيد الله قال: يتزوج محمد بنات عمنا ويحجبهن عنا، لئن مات لأتزوجن عائشة من بعده، فنزلت (الآية)، وقد كنت (السيوطي) في وقفة شديدة من صحة هذا الخبر، لأن طلحة أحد العشرة أجل مقاما من أن يصدر منه ذلك، حتى رأيت بعد ذلك أنه رجل آخر شاركه في اسمه واسم أبيه ونسبه، فإن طلحة المشهور الذي هو أحد العشرة - طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم التيمي - ، وطلحة صاحب القصة - طلحة بن عبيد الله بن مسافع بن عياض بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم التيمي ـ، قال أبو موسى في الذيل عن ابن شاهين في ترجمته: هو الذي نزل فيه : {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا}، وذلك أنه قال: لئن مات رسول الله لأتزوجن عائشة، وقال: إن جماعة من المفسرين غلطوا، وظنوا أنه طلحة أحد العشرة".
وفي قصة إسلام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه دليل من دلائل نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، وشاهد على معرفة اليهود بعلاماته وأماراته صلى الله عليه وسلم، فمن المعلوم أن اليهود أقاموا بالجزيرة العربية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يفخرون على جيرانهم من العرب بأنهم من أهل الكتاب، وأنهم يعتنقون دينا سماويا منزلا من عند الله، وقد اقترب ظهور نبي آخر الزمان الذي بشرت به التوراة، وذكرت أوصافه، ومع أن البشارات والعلامات التي يعرفونها قد تجمعت في النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كتموا ما عندهم من آيات وبينات، ولم يؤمنوا به حقدا وحسدا واستكبارا، لأنهم كانوا يتطلعون أن يكون هذا النبي من بينهم، قال الله تعالى :{الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون}(البقرة:146)، وقال تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}(البقرة: 109)، قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "من بعد ما أضاء لهم الحق لم يجهلوا منه شيئا، ولكن الحسد حملهم على الجحود"، وقال ابن تيمية: "والأخبار بمعرفة أهل الكتاب بصفة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم في الكتب المتقدمة متواترة عنهم.. وقال أبو العالية: {من بعد ما تبين لهم الحق} من بعد ما تبين لهم أن محمدا رسول الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، فكفروا به حسدا وبغيا، إذ كان من غيرهم".
ومع حقد اليهود الشديد على النبي صلى الله عليه وسلم، وكتمانهم أو تحريفهم للتوراة، فقد آمن به صلوات الله وسلامه عليه الكثير منهم لعلمهم ببعض علاماته وصفاته الموجودة في التوراة قبل كتمانها أو تحريفها، والأمثلة على ذلك من السيرة النبوية كثيرة، ومنها: قصة إسلام عبد الله بن سلام وطلحة بن عبيد الله، والذي كان في إسلامهما دليل من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.