التأهيل لا التدليس

0 589

يعتني كثير من الناس - وبالأخص العاملين في الميدان الدعوي والخيري - بالتأهيل العلمي الأكاديمي لأنفسهم، وهي ظاهرة صحية وإيجابية؛ فالتأهيل يترك أثره على شخصية الفرد وتعامله مع مواقف الحياة، وعلى أدائه العلمي والدعوي.

والتأهيل الأكاديمي - كغيره من الأدوات - هو وسيلة لبناء النفس وإعدادها، ومن ثم فمن أهم مداخل تقويمه الإجابة عن السؤال الجوهري: إلى أي حد أسهمت هذه الوسيلة في تطوير أداء أصحابها؟

وهذا السؤال ينبغي أن يكون مدخلا لاتخاذ قرارات الدخول في مشروعات التأهيل ابتداء، ومدخلا لتقويم عملياتها ووسائلها.

ولقد قادت حرارة هذا التوجه الإيجابي للتأهيل العلمي والأكاديمي، إلى بروز ظواهر سلبية في ميدان التأهيل العملي، جديرة بالتساؤل حولها.

لقد أدى الطلب المتزايد على الشهادات العليا إلى بروز مؤسسات تجارية، لا تملك مصداقية علمية، تتسابق في منح الشهادات لمن يطلبها، و يديرها أفراد لا يملكون التأهيل العلمي، وهمهم الأكبر زيادة الدخل وإرضاء الزبون.

إن الحصول على لقب (الدكتور) يعني أن صاحبه يملك أعلى شهادة علمية في التخصص، وقد أصبح مرجعا في تخصصه، ومتمكنا من أسس العلم ومهارات البحث فيه، ومن ثم ينبغي أن يكون ذلك معيارا في تقويم مشروعات منح الألقاب العلمية.

وعليه؛ فالسؤال الذي ينبغي أن نسأله أنفسنا قبل دخولنا في مشروعات كهذه هو: هل ما بذلناه من جهد علمي يكفي لأن نحكم على أنفسنا أننا نستحق هذا اللقب؟

والأمر يبدو أكثر تحديا فيمن يحمل اللقب العلمي في غير تخصصه الجامعي، فهل استوعب أسس التخصص ومعارفه الأساسية ومهارات البحث فيه، أم أنه قام بكتابة مجموعة أوراق ومن ثم حاز اللقب العلمي؟

جدير بالصالحين أن يتحلوا بخلق الصدق والجدية، وأحسب أنه لا يليق بهم البحث عن الألقاب العلمية بأسهل الطرق ولو كانت ذات مصداقية متدنية.

حين نمنح أنفسنا ألقابا فهو عبء نحمله يتطلب منا أن نكون عند مستوى هذه الألقاب، وعليه ينبغي أن نعي ماذا يتطلبه هذا الأمر.

ووجود التعقيد والروتين في سياسات القبول وأنظمة التعليم العالي، لا يسوغ لنا التسابق في البحث عن اللقب بأي وسيلة.

وحين نختار لأنفسنا قرارا؛ فإما أن ندفع الثمن الملائم له، أو نبقى حيث تقف قدراتنا وعزيمتنا.

وما يحصل للمرء من مجد لا يستحقه سيصبح وبالا عليه فيما بعد، وحين تتسع دائرة الحصول على المؤهل الرخيص يفقد قيمته ومكانته.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة