لطائف الرواة - الفقهاء السبعة 1-2

0 1491

الفقهاء السبعة: هم سبعة من فقهاء مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، اجتمعوا في زمان واحد معا، هو زمان التابعين، واختلف في سبب هذه التسمية، فقيل: لأنهم الذين انتهى إليهم العلم والفتوى في المدينة النبوية بعد وفاة الصحابة رضوان الله عليهم، أو: هم الذين اتخذهم الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله مستشارين له، ولذا عرفوا بأنهم: فقهاء المدينة السبعة، أو الفقهاء السبعة من التابعين.

وهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار، واختلف في السابع: فقيل هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو قول الأكثر، وقيل هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي.

قال الحافظ العراقي رحمه الله في "ألفيته":

وفي الكبار الفقهاء السبعه *** خارجة القاسم ثم عروه

ثم ســـــــــليمان عبيد الله *** سعيد والسابع ذو اشتبـاه

أبو ســــــلمة أو ســـالم *** أو فأبو بكر ، خلاف قائم

ولنا وقفة موجزة مع كل واحد من هؤلاء الأعلام:

1- سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب القرشي المخزومي، أبو محمد، ولد بالمدينة النبوية لسنتين مضتا من خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل: لأربع مضين منها، وكان لجده صحبة، ورغم نسبه القرشي في أعرق بطونها -بني مخزوم- إلا أنه نشأ وترعرع وتعلم في المدينة -عاصمة الخلافة ودرة الأمصار الإسلامية-, وظل فيها طوال حياته لم يفارقها أبدا إلا لحج أو عمرة أو جهاد, وكانت المدينة بها ثلة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه رضوان الله عليهم, فاستغنى بالمدينة عن غيرها، واجتهد في طلب الحديث منذ صغره، وسمع من كبار الصحابة: عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبا موسى وسعدا وعائشة وأبا هريرة وابن عباس وأم سلمة وخلقا سواهم.

امتحن من بني أمية فلم يتزعزع، ولم تأخذه في الله لومة لائم، وكان صاحب عبادة وجماعة وعفة وقناعة، وكان كاسمه بالطاعات سعيدا، ومن المعاصي والجهالات بعيدا.

كان عالم أهل المدينة، وسيد التابعين في زمانه، ولم يكن أحد أعلم منه بأقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حتى قال عنه قدامة بن موسى: "كان ابن المسيب يفتي والصحابة أحياء"، ولشدة اهتمامه بالحديث أحبه الصحابة جميعا وأثنوا عليه, وزوجه أبو هريرة رضي الله عنه من ابنته, واصطفاه بالرعاية والعناية, وحمل سعيد بن المسيب حديث أبي هريرة كله -وهو الصحابي الأكثر رواية من بين الصحابة-, كما اختص سعيد بن المسيب بحديث ابن عمر رضي الله عنهما، وحمل عنه علم أبيه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب, خاصة أقضيته الشهيرة, حتى برع فيها, وصار الناس يسألونه عنها حتى في وجود ابن عمر نفسه.

توفي بالمدينة النبوية سنة أربع وتسعين من الهجرة -في خلافة الوليد بن عبد الملك-, وعمره خمس وسبعون سنة, وكان يقال لهذه السنة التي مات فيها "سنة الفقهاء"؛ لكثرة من مات منهم فيها، رحمه الله رحمة واسعة.

2- عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله المدني، ولد في بداية خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، ويعد من الطبقة الثانية من أهل المدينة من التابعين، نشأ وترعرع بالمدينة ثم انتقل إلى البصرة ثم إلى مصر، ثم عاد إلى المدينة فتوفي فيها.

حدث عن: أبيه بشيء يسير لصغره، وعن أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وعن خالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم، ولازمها وتفقه على يديها، وروى عن: سعيد بن زيد، وعلي بن أبي طالب، وسهل بن أبي حثمة، وسفيان بن عبد الله الثقفي، وجابر بن عبد الله وغيرهم، وروى عنه: ابن شهاب الزهري وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان وسليمان بن يسار ويزيد بن أبي حبيب وغيرهم.

كان فقيها عالما ثبتا مأمونا ثقة كثير الحديث، قال الإمام العجلي عنه: "مدني تابعي ثقة، وكان رجلا صالحا لم يدخل في شيء من الفتن"، وكان عابدا جليلا يقرأ كل يوم ربع القرآن، ويقوم به في الليل، وكان كريما جوادا يثلم حائطه أيام الرطب، ثم يأذن للناس، فيدخلون فيأكلون ويحملون.

توفي بالمدينة النبوية سنة أربع وتسعين من الهجرة، عن عمر يناهز السبعين عاما، رحمه الله رحمة واسعة.

3- القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أبو محمد المدني، ولد في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه سنة خمس وثلاثين من الهجرة، وتربى في حجر عمته أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما بعد موت أبيه، الذي كان واليا على مصر من قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه.

أخذ العلم والفقه عن: عمته أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما، وعن حبر الأمة عبد الله بن عباس، وروى عن: عبد الله بن عمر، وأبي هريرة، ومعاوية وغيرهم رضوان الله عليهم، وروى عنه: ابنه عبد الرحمن والشعبي والزهري وابن أبي مليكة وغيرهم خلق كثيرون.

كان إماما حجة ثقة عالما فقيها ورعا كثير الحديث، قال يحيى بن سعيد: "ما أدركنا بالمدينة أحدا نفضله على القاسم"، وقال خالد بن نزار: "كان أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة: القاسم وعروة وعمرة".

اختلف المؤرخون في تاريخ وفاته، والأرجح أن وفاته كانت سنة ثمان ومائة من الهجرة، عن عمر يناهز ثلاثا وسبعين سنة، رحمه الله رحمة واسعة.

4- خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري النجاري، أبو زيد المدني، ولد في حدود سنة ثلاثين من الهجرة -لم تذكر سنة ولادته في أغلب المراجع، بل سنة وفاته فقط-، وكان جده لأمه سعد بن الربيع الأنصاري، أحد النقباء السادة في بيعة العقبة الثانية.

روى عن: أبيه وعمه يزيد وأسامة بن زيد وغيرهم، ولم يكن بالمكثر من الحديث، وروى عنه: ابنه سليمان، وابن أخيه سعيد بن سليمان، وسالم أبو النضر، وأبو الزناد - وهو تلميذه في الفقه-، وابن شهاب الزهري، وغيرهم.

كان مشهورا بالعلم والفضل، معروفا بالصلاح والعبادة، وكان أحد الذين وكل إليهم كتابة المصحف في خلافة عثمان رضي الله عنه، وكان يستفتى في زمنه وينتهي الناس إلى قوله، ويقسم المواريث بين أهل المدينة من الدور والنخل والأموال، ويكتب الوثائق للناس.

توفي بالمدينة النبوية سنة مئة من الهجرة، ودفن بالبقيع، ولما جاء خبر وفاته إلى رجاء بن حيوة قال لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، قدم قادم الساعة فأخبرنا أن خارجة بن زيد مات، فاسترجع عمر وصفق بإحدى يديه على الأخرى، وقال: ثلمة والله في الإسلام، رحمه الله رحمة واسعة.

وسنقف مع تراجم بقية الفقهاء السبعة في مقال لاحق بإذن الله تعالى، وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة