من أراد الحج فليتعجّل

0 1055

أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين الصالحين بالمسارعة إلى الخيرات والطاعات، فقال عز وجل: {فاستبقوا الخيرات} (البقرة:148)، وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على المبادرة والمسارعة في عمل الخير والبر, قبل أن تتغير النفوس وتتقلب القلوب, فقال عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا، ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ومن هذا الباب: ما رواه الإمام أحمد في مسنده وأصحاب السنن الأربعة بإسناد صحيح أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة)، وعند الإمام البيهقي بلفظ: (... فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة).

التعجل إلى الطاعات

تضافرت النصوص الشرعية على ذم التعجل في كل شيء؛ إلا في الطاعة، فإن التعجل محمود ومطلوب، قال الله تعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} (الحديد:21)، وقال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين} (آل عمران:133)، ومن قبل قال كليم الله موسى عليه صلوات الله وسلامه: {وعجلت إليك رب لترضى} (طه:84)، وفي الحديث المرفوع: (بادروا بالأعمال سبعا، هل تنتظرون إلا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر) رواه الترمذي وحسنه، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة) رواه أبو داود وصححه الألباني.

ولما كان الحج هو الركن الخامس من الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام، ومن أعظم ما شرع الله تعالى لعباده لتطهير صحائفهم وتزكية نفوسهم، وكانت النفوس مجبولة على محبة الأوطان وعدم مفارقتها، والتعلق بها والبقاء فيها، رغب الشارع في الحج ترغيبا شديدا، وجعل له فضائل جليلة، وأجورا كبيرة؛ لأنه يتطلب مفارقة الأوطان والمألوفات من أهل ومال وأصحاب وعشيرة، وكذلك حثا للعباد على قصد هذا البيت العتيق بالحج والعمرة، وتشويقا لهم إلى رؤية تلك المعالم التي هبط فيها الوحي، ونزلت فيها الرسالة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

من أراد الحج فليتعجل

يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (من أراد الحج فليتعجل) أي: من قدر على أدائه، لأن الإرادة مبدأ الفعل، والفعل مسبوق بالقدرة، فيستحب له التعجيل لما في التأخير من تعريضه للموانع، وليغتنم الفرصة إذا وجد الاستطاعة من القوة والزاد والراحلة قبل عروض مانع يعيقه عن الذهاب لأداء هذه الفريضة العظيمة.

ثم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم سبب الحث على التعجل في الحج فيقول: (فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة)، وهذا من قبيل المجاز باعتبار الأول، إذ المريض لا يمرض؛ بل الصحيح هو الذي يمرض، والقصد الحث على الاهتمام بتعجيل الحج قبل العوارض والموانع، والمعنى: أن من قدر له المرض سيمرض فيمنعه ذلك عن الحج وأداء النسك، فليحرص كل امرئ على اغتنام الفرصة وعدم تفويتها، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة تحول بينه وبين الحج والعمرة، لاسيما مع كثرة الوافدين إلى البيت الحرام في كل عام، والازدحام الشديد الهائل، وما يتطلبه ذلك من إجراءات وترتيبات تنظم الموسم وتقيده بعدد معين، فما تيسر الآن قد لا يتيسر بعد ذلك، فعليك بتعجيل الحج إذا تيسر لك، فإنك لا تدري ماذا يعرض لك من الشواغل والصوارف، رزقنا الله وإياكم حج بيته الحرام، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة