مَثل المُنافق كمَثَل الشّاة العائرة

0 1538

روى الإمام مسلم في صحيحه في "كتاب صفات المنافقين وأحكامهم" من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين؛ تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة -وفي رواية: تكر في هذه مرة وفي هذه مرة-) رواه مسلم.

غريب الحديث

الشاة العائرة: الحائرة المترددة لا تدري أيها تتبع.
تعير: تتردد وتذهب أو تنفر وتشرد.
تكر في هذه مرة وفي هذه مرة: تعطف على هذه وعلى هذه.

معنى الحديث

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المنافق) أي صفته العجيبة الشأن (كمثل الشاة العائرة) أي الطالبة للفحل المترددة -من "عار" أي ذهب وبعد- (بين الغنمين) أي القطيعين، فإن الغنم اسم جنس يقع على الواحد والجمع، لا تدري أيهما تتبع (تعير) أي تنفر وتشرد (إلى هذه) أي القطعة (مرة، وإلى هذه) أي القطعة الأخرى (مرة) أخرى؛ ليضربها فحلها، فلا ثبات لها على حالة واحدة، وإنما هي أسيرة شهوتها، وهو تشبيه مركب محسوس بمعنى معقول، تقريبا إلى فهم المخاطب، فشبه تردده بين الطائفتين -أي المسلمين والكافرين تبعا لهواه ومراداته، وقصدا إلى شهواته- بتردد الشاة العائرة التي لا تستقر على حال، وبذلك وصفهم الله تعالى في قوله: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هـؤلاء ولا إلى هـؤلاء} (النساء:143).

وهذا المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم يبين حال المنافق وحقيقته، بأنه ليس له ثبات على الإيمان والحق والهدى، بل هو مع المؤمنين في ظاهره ومع الكافرين بباطنه، حرصا منه على المنافع الدنيوية، فإذا كان هناك نفع من المؤمنين قال لهم: أنا معكم، وإن رأى منفعة عند غيرهم قال: أنا معكم، يقول الله تعالى واصفا طريقتهم: {الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين} (النساء:141)، كما بين الله عز وجل حالهم في الآية الأخرى فقال: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هـؤلاء ولا إلى هـؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} (النساء:143)، فهذا تحذير من سلوك مسلك المنافقين واتباع طريقتهم المذمومة.

وقفات مع المثل

- وجه الشبه في الحديث: تمثيل حال المنافق في عدم ثباته على الحق والهدى، بحال الشاة العائرة المترددة بين الغنمين، قال الإمام الطيبي رحمه الله: "شبه تردد المنافق بين المؤمنين والكافرين تبعا لهواه وقصدا لأغراضه الفاسدة كتردد الشاة الطالبة للفحل، فلا تستقر على حال، ولذلك وصفوا في التنزيل: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هـؤلاء ولا إلى هـؤلاء} (النساء:143)".

- ذم النفاق والمنافقين: هذا المثل يبين خبث المنافقين وفساد طويتهم وسوء عملهم، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "قد هتك الله سبحانه وتعالى أستار المنافقين، وكشف أسرارهم في القرآن، وجلى لعباده أمورهم؛ ليكونوا منها ومن أهلها على حذر، وذكر طوائف العالم الثلاثة في أول سورة البقرة: المؤمنين والكفار والمنافقين، فذكر في المؤمنين أربع آيات، وفي الكفار آيتين، وفي المنافقين ثلاث عشرة آية؛ لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم، وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله، فإن بلية الإسلام بهم شديدة جدا؛ لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته، وهم أعداؤه في الحقيقة، يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وإصلاح، وهو غاية الجهل والإفساد، فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه، وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه، وكم من علم له قد طمسوه، وكم من لواء له مرفوع قد وضعوه، وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول غراسه ليقلعوها، وكم عموا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها، فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية، ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية، ويزعمون أنهم بذلك مصلحون {ألا إنهم هم المفسدون ولـكن لا يشعرون} (البقرة:12)، {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون} (الصف:8)".

- كيف يسلم المسلم من النفاق وأخلاق المنافقين؟ تحصل له السلامة بالاعتصام بحبل الله المتين، والاستقامة على شرعه ونهجه، والعمل بطاعته مع المؤمنين المخلصين، والثبات على ذلك، فإذا التزم بذلك سلم من النفاق وأخلاق المنافقين.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة