حسن الجوار

0 1538

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال -صلى الله عليه وسلم-: " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره ".يتيقن صاحب الفكر المستنير والنظرة الواعية لآداب الأخوة والجوار في الإسلام أنها تتمتع بمسحة اجتماعية تقوي أواصر النسيج الاجتماعي الذي يقرب بين الأخلاء والجيران في المكان والزمان، وكذلك في المصالح العامة والمنافع المشتركة التي يقتضيها القرب المكاني والمضايفة، وإذا كان التضامن أو التكافل هو التعاون المثمر الذي يقيمه الناس فيما بينهم، فإن الجار أحق الناس في إقامة هذا التعاون والتبادل البناء والمثمر لتقدم الجار على غيره، ومن هنا كانت حكمة الإسلام في دعوة المسلمين إلى تعميم الإحسان ونشر البر على الجار بغض النظر عن القرابة في الدين أو النسب، فقال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل..} [النساء:36]
ولقد أفاضت السنة النبوية في بيان رعاية حقوق الجار، والوصية به، وصيانة عرضه، والحفاظ على شرفه، وستر عورته، وسد خلته. ومن أجلى تلك النصوص قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " ما زال جبريل يوصيني بالجـــار حتى ظننت أنه سيورثه ".
فلم تكن الوصية الخالدة التي أوصى بها جبريل عليه السلام نبينا -صلى الله عليه وسلم- بالجار وصية كباقي الوصايا، بل زادت أهميتها بتلك الصيغة التي بالغ فيها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بقوله ( حتى ظننت أنه سيورثه).

قال الإمام الغزالي: آداب الجار أن يبدأ بالسلام ولا يطيل معه الكلام، ولا يكثر عليه وعن حاله السؤال، ويعوده في مرضه، ويعزيه عند مصيبته، ويقوم معه في عزائه، ويهنئه في فرحه، ويشاركه في سروره، ويتلطف في معاملة أولاده، ويصفح عن زلاته، ويعاتبه برفق عند هفواته، ويغض بصره عن حرمه، ويعينه في نوائبه، ولا يتطلع من السطح إلى عوراته ولا يضايقه بصوته، ولا يؤذيه بوضع الجذع على جداره، ولا يصب الماء في ميزابه، ولا يطرح التراب في فنائه، ولا يضيق طريقه إلى داره، ولا يتبعه بالنظر فيما يحمله إلى بيته، ويستر ما ينكشف من عوراته، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ولا يسمع عليه كلاما من عدوه، ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه.
قال -صلى الله عليه وسلم-: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ...". وأوصى -صلى الله عليه وسلم- أبا ذر -رضي الله عنه- بقوله: " يا أبا ذر! إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك ".
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أهدى؟ قال: " إلى أقربهما منك بابا ".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: " كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قنعا تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما ".

ومن حق الجار التعرف عليه وتفقد أحواله، فمن الناس من لا يعرف جاره الملاصق، وربما دامت الجيرة سنوات عديدة وهم على هذا الحال، إما تجاهلا أو تهاونا أو اشتغالا بالدنيا. وهذا يكثر في المدن الكبرى؛ التي ترزح تحت وطأة المدنية الحديثة، ولا ريب أن هذا الصنيع تفريط وتقصير؛ فمن حق الجار أن تتعرف عليه وتجعل لفرحه وحزنه ومشكلاته حيزا من تفكيرك ومشاعرك، ولا يحصل هذا إلا بتفقد أحواله، والسؤال عن حاجاته، فقد يكون مريضا وقد يكون مديونا، وقد وقد.
كم من إنسان ينام قرير العين وجاره قد أطارت الهموم والأحزان النوم عنه.. فهل يليق هذا؟! وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: " ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم ".
ويروى أن محمد بن الجهم كان جارا لسعيد بن العاص عاش سنوات ينعم بجواره فلما عرض محمد بن الجهم داره للبيع بخمسين ألف درهم، وحضر الشهود ليشهدوا، قال: بكم تشترون مني جوار سعيد بن العاص؟ قالوا: إن الجوار لا يباع، وما جئنا إلا لنشتري الدار. فقال: وكيف لا يباع جوار من إذا سألته أعطاك، وإن سكت عنه بادرك بالسؤال، وإن أسأت إليه أحسن إليك، وإن هجته عطف عليك؟ فبلغ ذلك الكلام جاره سعيد بن العاص فبعث إليه بمائة ألف درهم وقال له: أمسك عليك دارك .

وإذا كان الأذى بغير حق محرما، فأذية الجار أشد تحريما وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ...".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: " والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه" [أي غوائله وشروره].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه".
وقيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله! إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لا خير فيها، هي من أهل النار". قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة، وتصدق بأثوار من الأقط، ولا تؤذي أحدا؟ فقال رسول الله: " هي من أهل الجنة".

فلو حقق الناس آداب الشرع في نفوسهم لسعدت البشرية جمعاء وعاش الناس في أمن وطمأنينة ولم نجد هذا التصدع في صرح البناء الاجتماعي للأسرة والمجتمع بل تخطى ذلك إلى تصدع بين الدول العربية والإسلامية، ولو أقام المسلمون آداب الجوار التي بينتها لنا السنة النبوية المطهرة وأخذوا بها في واقعهم لذاب هذا التشرذم وتوطدت أواصر المحبة بين الأفراد والمجتمعات والشعوب والدول.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة