- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:الإيمان بالملائكة
نعم، يمكن القول بأن الملائكة الكرام مكلفون، هذا هو ما ذكره أهل العلم في هذه القضية العقدية، على تباين بين طبيعة التكليف في حق الملائكة واختلافه عن تكليف الثقلين: الإنس والجن، ومآلاته في الدار الآخرة، وقد تم التطرق في موضع آخر إلى علاقة تكليف الملائكة بعبوديتهم لله تعالى.
وإذا توجهنا تلقاء النصوص الشرعية، واستعرضنا القرآن والسنة، لم نجد عسرا في ملاحظة الأدلة الدالة على أن للملائكة الكرام تكليفا خاصا بهم، وأنهم وعلى الرغم من اختيارهم وعدم اضطرارهم، إلا أنهم يفعلون ما يؤمرون، فإلى أدلة تكليفهم:
أدلة التكليف:
تتنوع الأدلة على تكليف الملائكة بين القرآن والسنة، وهي أكثر من أن تحصى، ويمكن أن نجمل أهمها بما يلي:
الأدلة من القرآن
- قوله تعالى: {بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} (الأنبياء:26-27)، والشاهد من الآية: أن حال الملائكة في غاية الطاعة، فكما أن قولهم تابع لقول ربهم تبارك وتعالى، فعملهم أيضا مبني على أمره، لا يعملون عملا لم يؤمروا به، وأمرهم دليل على تكليفهم.
- آيات الأمر بالسجود لآدم عليه السلام، كمثل قوله تعالى: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين} (الأعراف:11)، وقوله سبحانه: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} (الحجر:29)، ففيها الأمر الصريح بالسجود.
- قوله تعالى: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا} (الأنفال: 12) وهذا كله –كما يقول السفاريني-تكليف وناشئ عن التكليف.
-قوله تعالى: {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} (الأنبياء:27)، ومثله قوله تعالى: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} (التحريم:6)، والشاهد من الآيتين: تبعية الملائكة لخالقهم في أقوالهم وأفعالهم على الدوام، فلا يعملون عملا لم يؤمروا به، وهذا دليل على تكليفهم.
- ما ثبت في النصوص المختلفة على التكاليف المختلفة التي أوكلت بالملائكة، وأن كل صنف منهم مكلف بشيء أمره الله به، فجبريل عليه السلام مكلف بالوحي، وإسرافيل بالنفخ في الصور، وميكائيل بالمطر والنبات، وملك الموت بقبض الأرواح، وآخرون بنصرة المؤمنين في المعارك، إلى غير ذلك من الملائكة عليهم السلام.
قال ابن حزم: "فنص الله تعالى على أنهم مأمورون منهيون متوعدون مكرمون موعودون بإيصال الكرامة أبدا، مصرفون في كتابة الأعمال، وقبض الأرواح، وأداء الرسالة إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والتوكل بما في العالم الأعلى والأدنى وغير ذلك".
- قول الملائكة عليهم السلام: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا} (مريم:64)، فالآية صريحة على أنهم مأمورون، وبالتالي فهم مكلفون.
الأدلة من السنة:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض) متفق عليه، واللفظ لمسلم، والشاهد هنا: أن الحب والبغض كعبادتين باطنيتين ليستا مجرد ميول أو مشاعر أو عواطف عند الملائكة، ولكنهما مرتبطتان بالأمر الإلهي حبا وبغضا، وهذا نوع من التكليف.
- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: (ألا تزورنا أكثر مما تزورنا؟)، فنزل قوله تعالى: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا} (مريم:64) رواه البخاري، والشاهد هنا: أن سبب نزول الملائكة إلى الأرض إنما يكون تبعا للأمر الرباني، وأنه لا نزول لها إلا حينما تؤمر بذلك.
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت، لا أفتح لأحد قبلك) رواه مسلم، والشاهد هو قوله: (بك أمرت) ففيه دلالة على أنه مأمور، والأمر تكليف.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا) رواه مسلم، وفي "صحيح ابن حبان" بسند صحيح: (اتركوا هذين حتى يفيئا) أي: يرجعا عن الخصام ويتصالحا. والشاهد هنا: أن القائل: أنظروا أو اتركوا، هو الله جل في علاه، بدليل الرواية الأخرى في "مستخرج أبي عوانة": (فيقول الرب عز وجل) والسياق يؤكد ذلك كما ذكره العلماء، فهو أمر إلهي بإرجاء أمر هذين المتشاحنين حتى يصطلحا، والأمر تكليف.