مجالس الذكر.. فضائل ومنافع

0 2847

خير أعمال المسلمين وأزكاها، وأطهرها وأعلاها، وأشرفها قدرا عند الله تعالى، وأجلها مكانة عنده ذكر الله عز وجل؛ كذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم قال: [ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكر الله](رواه الترمذي وحسنه ابن حجر وصححه الألباني والمنذري).

فخير عمل يعمله المسلم وأزكاه أن يذكر ربه ومولاه، فالذكر خير ما يكتسب من القربات، وأولى ما ترفع به الدرجات، وهو أفضل من الصدقات، ويعدل الجهاد في سبيل رب الأرض والسموات، قال تعالى: {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة ۖ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ۗ ولذكر الله أكبر ۗ والله يعلم ما تصنعون}(العنكبوت:45).

فلما كان للذكر هذا الفضل كانت لمجالسه الرفعة على بقية مجالس الناس، فهي بحق رياض كرياض الجنة في هذه الحياة؛ كما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: [إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر]..
والحديث وإن كان ضعفه جماعة من أهل العلم والمحدثين، إلا أنه قد حسنه بعضهم كالحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث المشكاة، والألباني في صحيح الترغيب وغيره، وعلى كل حال فمعناه صحيح؛ فإن مجالس ذكر الله فيها حياة القلوب، وزيادة الإيمان، وزكاة النفوس، وسبيل السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة. 

مجالس السكينة والرحمة:
وهي مجالس تتنزل على أهلها السكينة، وتغشاهم الرحمة، وتحفهم الملائكة، ويذكرهم الله فيمن عنده؛ كما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده]، وفي رواية: [لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة... الحديث].

يباهي الله بأهلها الملائكة
ففي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل حديثا مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومن به علينا، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة](رواه مسلم).
يقول الإمام النووي رحمه الله: (قوله [إن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة]، معناه: يظهر فضلكم لهم، ويريهم حسن عملكم، ويثني عليكم عندهم).

مجالس مغفرة
ومجالس الذكر مجالس يغفر الله لأهلها ذنوبهم، فهي مجالس مغفرة وعفو وتوبة، كما ذكر ذلك أبو هريرة رضي الله عنه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إن لله ملائكة سياحين في الأرض فضلا عن كتاب الناس، يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجاتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم، وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ فيقولون: يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك، فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك، فيقول: كيف لو رأوني؟ فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا، فيقول: فما يسألوني؟ فيقولون: يسألونك الجنة، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ فيقولون: من النار، فيقول الله: هل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا، وأشد لها مخافة، فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة! فيقول: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم](رواه الترمذي وقال حسن صحيح).
وأصله في الصحيحين ففي البخاري: [إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا... الحديث].
ومعنى [فضلا عن كتاب الناس]، أي: زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق، فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم، إنما مقصودهم حلق الذكر. قاله النووي في شرح مسلم.

تبديل سيئات أهلها حسنات:
ومن فضائل هذه المجالس الطيبة المباركة أن يبدل الله سيئات أصحابها حسنات، تكرما منه عليهم، وثوابا منه لهم على حضورهم هذه المجالس الزاكيات، وقد ورد الحديث بذلك وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة وصحيح الجامع وصحيح الترغيب والترهيب عن سهل بن الحنظلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله عز وجل فيه فيقومون؛ حتى يقال لهم: قوموا قد غفر الله لكم، وبدلت سيئاتكم حسنات].

وأخرج مثله البيهقي عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما جلس قوم يذكرون الله عز وجل إلا ناداهم مناد من السماء: قوموا مغفورا لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات].

الذاكرون أهل الكرم يوم القيامة
فقد روى ابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [يقول الله جل وعلا: سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم. فقيل: من أهل الكرم يا رسول الله؟ قال: أهل مجالس الذكر في المساجد].

ذكر الله لهم
وهو أعلى المطالب وأغلى الفضائل، أن يذكرك الله تعالى وهو من هو وأنت من أنت، قال تعالى: {فاذكروني أذكركم}(البقرة:152).
وفي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [قال الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني: إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة](رواه ابن حبان). 

إيواء الله لأصحابها
ومن الفضائل أيضا أن الله يؤوي من أوى إلى هذه المجالس ويقربهم إليه:
قال أبو واقد الليثي رضي الله عنه: [بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فأقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد: فأما أحدهما فرأى فرجة فجلس، وأما الآخر فجلس خلفهم، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم عن الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه](متفق عليه).

أهل الذكر أهل الجنة:
فقد روى الإمام أحمد والمنذري وغيرهما بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو قال: [قلت يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال: غنيمة مجالس الذكر الجنة](صححه المنذري والهيثمي والألباني).

فإذا كان لمجالس الذكر كل هذه الفضائل فحري بالمسلم أن يسارع إليها، ويكون من أهلها، وينتسب إلى أصحابها لينال من فضائلها وبركاتها.
وساعة الذكر فاعلم ثروة وغنى .. .. وساعة اللهو إفلاس وفاقات.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة