لقاء النبي بالأنبياء في رحلة الإسراء والمعراج

0 1941

رحلة الإسراء والمعراج معجزة من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم، أكرمه الله تعالى بها، وأراه فيها آيات باهرة، وقد جاء حديث القرآن الكريم عن الإسراء في سورة الإسراء، وعن المعراج في سورة النجم، قال الله تعالى :{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}(الإسراء:1)، وقال تعالى: {أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى}(النجم 18:12). قال ابن عاشور: " فللنبي صلى الله عليه وسلم كرامتان: أولاهما: الإسراء، وهو المذكور هنا (سورة الإسراء). والأخرى: المعراج، وهو المذكور في حديث الصحيحين مطولا وأحاديث غيره. وقد قيل: إنه هو المشار إليه في سورة النجم".

وهذه المعجزة احتارت فيها بعض العقول، فزعمت أنها كانت بالروح فقط، أو كانت مناما، لكن الذي عليه جمهور المسلمين من السلف والخلف أنها كانت بالجسد والروح، قال ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري: "إن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة، في اليقظة بجسده وروحه صلى الله عليه وسلم، وإلى هذا ذهب جمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عن ذلك، إذ ليس في العقل ما يحيله، حتى يحتاج إلى تأويل".
ومن الأدلة على أن الإسراء والمعراج بالجسد والروح استعظام كفار قريش لذلك، فلو كانت المسألة مناما ـ كما يدعي ويزعم البعض ـ لما استنكرته قريش، ولما كان فيه شيء من الإعجاز. قال الشيخ حافظ الحكمي في "معارج القبول": "ولو كان الإسراء والمعراج بروحه في المنام لم تكن معجزة، ولا كان لتكذيب قريش بها وقولهم: كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس، شهرا ذهابا وشهرا إيابا، ومحمد يزعم أنه أسرى به اللية وأصبح فينا.. لو كان ذلك رؤيا مناما لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليه معنى، لأن الإنسان قد يرى في منامه ما هو أبعد من بيت المقدس ولا يكذبه أحد استبعادا لرؤياه".

وقد تعددت روايات الإسراء والمعراج في الأحاديث النبوية الصحيحة، وليس هناك حديث واحد يجمع أحداث هذه الرحلة المباركة كلها، وإنما هناك أحاديث كل منها يشير إلى جزء أو جانب منها، قال السيوطي: "الإسراء ورد مطولا ومختصرا .. وقد عد القسطلاني في المواهب اللدنية ستة وعشرين صحابيا وصحابية رووا حديث الإسراء والمعراج، لذا فهو حديث متواتر مع نص القرآن عليه في سورتي الإسراء والنجم".

ومن جملة ما حدث ورآه النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج: لقاؤه بالأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ في السماء، وصلاته إماما بهم عند بيت المقدس.

لقاء النبي بالأنبياء في السماء:

روى البخاري في صحيحه حديث الإسراء والمعراج عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا، قيل: من هذا؟ قال جبريل، قيل: من معك؟ قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا ولنعم المجيء جاء، فأتيت على آدم فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من ابن ونبي, فأتينا السماء الثانية، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: من معك؟ قال محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على عيسى ويحيى فقالا: مرحبا بك من أخ ونبي، فأتينا السماء الثالثة, قيل: من هذا؟ قيل: جبريل، قيل: من معك؟ قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على يوسف فسلمت عليه، قال: مرحبا بك من أخ ونبي، فأتينا السماء الرابعة، قيل: من هذا؟ قيل: جبريل، قيل: من معك؟ قيل: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قيل: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال: مرحبا من أخ ونبي، فأتينا السماء الخامسة، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتينا على هارون فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من أخ ونبي، فأتينا على السماء السادسة، قيل: من هذا؟ قيل: جبريل، قيل: من معك؟ قيل: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على موسى فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من أخ ونبي، فلما جاوزت بكى، فقيل: ما أبكاك؟ قال: يا رب هذا الغلام الذي بعث بعدي، يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي، فأتينا السماء السابعة، قيل: من هذا؟ قيل: جبريل، قيل: من معك؟ قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ مرحبا به ونعم المجيء جاء، فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من ابن ونبي ..).
وفي رواية مسلم: (ثم عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم بصحبة جبريل إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبريل، فسئل عمن معه؟ فأخبر أنه محمد صلى الله عليه وسلم، ففتح لهما.. وهكذا سماء بعد سماء، حتى انتهيا إلى السماء السابعة، فلقيا في السماء الأولى آدم عليه السلام، وفي الثانية يحيى وعيسى عليهما السلام، وفي الثالثة يوسف عليه السلام، وفي الرابعة إدريس عليه السلام، وفي الخامسة هارون عليه السلام، وفي السادسة موسى عليه السلام، وفي السابعة إبراهيم عليه السلام).

صلاة النبي بالأنبياء إماما:

ثبت في السنة الصحيحة أن نبينا صلوات الله وسلامه عليه صلى بإخوانه الأنبياء عليهم السلام إماما في رحلة الإسراء والمعراج عند بيت المقدس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة (قبيلة مشهورة من صفاتهم أنهم شداد طوال القامة)، وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم ـ يعني نفسه ـ، فحانت الصلاة فأممتهم) رواه مسلم.
وقد اختلف العلماء هل كانت تلك الصلاة قبل عروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء أم بعد أن هبط منها، والراجح: قبل عروجه إلى السماء، قال ابن حجر: "قال عياض: يحتمل أن يكون صلى بالأنبياء جميعا في بيت المقدس، ثم صعد منه إلى السماوات .. ويحتمل أن تكون صلاته بهم بعد أن هبط من السماء فهبطوا أيضا.. والأظهر: أن صلاته بهم ببيت المقدس كان قبل العروج". وقال: " قال (البيهقي): وصلاتهم في أوقات مختلفة وفي أماكن مختلفة لا يرده العقل، وقد ثبت به النقل، فدل ذلك على حياتهم. قلت: وإذا ثبت أنهم أحياء من حيث النقل، فإنه يقويه من حيث النظر كون الشهداء أحياء بنص القرآن، والأنبياء أفضل من الشهداء".

فائدة:

الحياة البرزخية (ما بين الموت والبعث) لا تجري عليها سنن الحياة الدنيوية، وإذا كانت حياة الشهداء البرزخية عند ربهم كاملة فإن حياة الأنبياء أكمل، ومن ثم فعلى المسلم الإيمان بهذه الحياة ـ البرزخية ـ دون التعرض لكيفيتها وحقيقتها إلا بنصوص صحيحة من الوحي (القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة). وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) صححه الألباني في صحيح الجامع، قال القرطبي: "فإن قيل: كيف يصلون بعد الموت وليس تلك الحال حال تكليف؟ فالجواب: أن ذلك ليس بحكم التكليف، وإنما ذلك بحكم الإكرام لهم والتشريف، وذلك أنهم كانوا في الدنيا حببت لهم عبادة الله تعالى والصلاة بحيث كانوا يلازمون ذلك، ثم توفوا وهم على ذلك، فشرفهم الله تعالى بعد موتهم بأن أبقى عليهم ما كانوا يحبون، وما عرفوا به"، وقال ابن تيمية: "هذه الصلاة ونحوها مما يتمتع بها الميت ويتنعم بها كما يتنعم أهل الجنة بالتسبيح، فإنهم يلهمون التسبيح كما يلهم الناس في الدنيا النفس، فهذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل، بل نفس هذا العمل هو من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به".
وقال الألباني: "ثم اعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) إنما هي حياة برزخية، ليست من حياة الدنيا في شيء، ولذلك وجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا، هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الصدد: الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيسة والآراء، كما يفعل أهل البدع الذين وصل الأمر ببعضهم إلى ادعاء أن حياته صلى الله عليه وسلم في قبره حياة حقيقية .. وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى".

الإسراء والمعراج معجزة عظيمة، ومنحة كريمة، أكرم الله تعالى بها نبينا صلى الله عليه وسلم، تثبيتا لفؤاده، وبيانا لعلو قدره ومنزلته، وفيها من المشاهد الكثير التي ينبغي الوقوف معها للاستفادة من دروسها ومعانيها، ومنها لقاؤه صلى الله عليه وسلم بإخوانه من الأنبياء وصلاته بهم إماما..

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة