الإسلام المستعصي على الغرب

0 694

إن المتأمل في عظمة هذا الدين، وجوانب الإعجاز التي تأخذ بالألباب، وتبهر العقول، في كل جوانبه التشريعية والعبادية والسلوكية والأخلاقية والوجدانية، ليدرك بأن هذه الشريعة، وهذا الدين جاء بكل ما يوافق الفطرة، وما يوافق العقول، وقد تحدى علماء الإسلام في القديم والحديث بأن يأتي أحد على أي حكم أو تشريع من تشريعات الإسلام بالثلب والعيب من جانب مناقضته للعقول والإفهام.

إن من جوانب الإعجاز في هذا الدين، أن أصوله الكلية وتشريعاته، أحكمت بحيث لا يستطيع أحد على مر الدهور والأزمان، وتباعد الديار والمكان، مهما أوتي من قوة مادية أو معنوية أن يزعزع أو يشكك المسلمين حول أصوله العظيمة، وكلياته المحكمة.

ومهما ضعف مفهوم الإسلام عند المسلمين، تبقى هذه الأصول أبية عصية على التغيير؛ لوضوحها وسهولتها وقوتها وتجذرها في النفوس والعقول لدى المسلمين، وهذا يفسر قوة انتشار الإسلام، وثبات أهله عليه، ويأس أعداء الدين من زحزحة المسلمين، وإخراجهم من دينهم، أو إبعادهم عنه بالكلية.

يقول المفكر الألماني مراد هوفمان: "إن هذا الدين الذي قام على أسس متينة يتمسك دائما بتشبث عجيب بمبدئه القائم على وحدانية الله وبكتابه (القرآن الكريم) ونبيه (الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم)، وبرهن بذلك على قدرة تكاملية غير عادية، وهذا منح الإسلام القدرة على تجاوز سنوات طويلة من الملاحقة، وعلى تجديد نفسه بنفسه دائما وأبدا، وبذلك لم تكن هناك أبدا أزمة انتماء في الإسلام، وحتى في عصرنا هذا يبدي لنا هذه المعالم القديمة الواضحة. هذه المعالجة متماثلة - على الرغم من غناها- بالحقائق ويمكنها أن تفتح الباب - ولو قليلا - على الإسلام. إن معالجة كهذه لا تدعي أساليب البحث العلمي، لكنها يجب أن تكون موثوقة دون خضوعها للتحليل، ويمكن للقارئ أن يركن إلى حقيقة أن عرض الإسلام بهذا الأسلوب يتوافق مع العقيدة التي تلتزم بها الأكثرية الساحقة من المسلمين في كل أنحاء العالم " ا. هـ. من كتاب:(الإسلام كما يراه ألماني مسلم: ص20-21).

بل الأعجب من هذا من تأمل واقع الحرب على الإسلام فكل من أراد النيل من الإسلام وأصوله الكبرى عاد عليه بالنقيض، فانتفضت الأمة واستيقظت من غفلتها، وهبوا لنصرة دينهم مع أن كثيرا من المسلمين يكون بعيدا في واقعه عن روح الإسلام الصحيح، وهذا والله التحدي، ولعل الشواهد التي سمعناها لما قام الرسام الدنماركي بالسخرية بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، تمنى الأعداء أنهم ما ارتكبوا هذه الحماقة، وكذلك قل ما يفعل من هجوم غبي لا يدرك طبيعة هذا الدين وتجذره في نفوس المسلمين: [ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا] (النساء: 82).

ومن القضايا الكلية التي كانت بتقدير العليم الحكيم سببا من أسباب استعصاء الإسلام على كل الهجمات التي وجهت له عبر العصور ما يأتي:
أولا: القرآن الكريم
القرآن الكريم: هو أصل من الأصول الذي تجتمع عليه الأمة، ولا يستطيع لا الملحد المعلن، ولا المستتر أن يشكك الناس فيه، أو يغير عقيدتهم تجاهه، وأنه ليس من عند الله، وسر هذه القداسة والمكانة حتى عند غير المسلمين: أن القرآن الكريم يظهر لكل من قرأه وتأمله وعرفه حق المعرفة، أنه ليس بكلام بشر، بل هو كلام الله - تعالى -، وبطبيعة الحال يؤدي للاعتراف بصدق النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وبصدق رسالته والإيمان الذي جاء به، فسر القداسة تعود إلى عدد من الأمور:

أولا: القرآن محفوظ من التغيير والتبديل مع تغير الأزمان والأماكن والأشخاص، وكل محاولة لتغييره وتبديله، تبوء بالفشل الذريع، ويلحق صاحبها الخزي والعار؛ مصداقا لقوله - تعالى -: [إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون] (الحجر: 9).

ثانيا: - أن القرآن لا يستطيع أحد كائنا من كان ـ ولو كان من أذكياء العالم وأركانه في العقل والمعرفة ـ أن يأتي بمثله، أو بعشر سور منه، أو بسورة منه، وحتى بآية، وهذا التحدي قائم منذ أن نزل القرآن على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل أربعة عشر قرنا وإلى يومنا هذا وسيظل قائما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ مما يزيد قناعة الناس بهذا الدين، وبهذا القرآن، كما قال - تعالى -: [قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا] (الإسراء: 88).
وقال - تعالى -: [أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين] (هود: 13).
وقال - تعالى -: [وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين] (البقرة: 23).
فهذا مسيلمة الكذاب لما حاول أن يتطاول، فادعى النبوة، وزعم كذبا وزورا أنه يوحى إليه، أصبح يوصم بالكذب على تعاقب الدهور والأزمان، ثم أخزاه الله وأهانه يوم اليمامة، حيث مات شر ميتة.

ثالثا: أن القرآن معجز في أحكامه، وتشريعاته، وأخباره، وموافقاته للمكتشفات الحديثة التي بهرت عقول الغرب، وليس هذا مجال البسط حول هذا الموضوع.
رابعا: أن القرآن كلام الله، وصفة من صفاته، فمن قدح فيه، فهو يقدح في الذات الإلهية؛ ولهذا يئس أعداء الدين من نزع قداسة القرآن من قلوب المسلمين، وحتى الذين انحرفوا في الاعتقاد وقفوا عند القرآن، فلم يستطيعوا أن ينالوا منه، ولهذا كان من فطنة وذكاء وفهم علماء الإسلام من المتقدمين والمتأخرين الاحتجاج بالقرآن عند اشتداد النزاع، خاصة في قضايا الاعتقاد والأصول.
كما فعل الإمام البخاري - رحمه الله - لما عقد كتابا للتوحيد والرد على الجهمية في كتابه (الجامع الصحيح)، جعل جل أبوابه معنونة بالآيات، وهو ما فعله صاحب كتاب (التوحيد) من المتأخرين، حيث جعل غالب استدلاله في الأبواب بالآيات القرآنية.
وهذان المثالان لمجرد التمثيل لا للحصر، ومن تأمل في مصنفات السلف في الاعتقاد في القرون المتقدمة، يجد هذه الميزة بارزة فيها - رحمهم الله - إحياء لهذا الأصل، وقطعا لحجة الخصوم، وبيانا لعامة الناس، بصحة المنهج وقوته.

مقام النبي صلى الله عليه وسلم:
ومن القضايا الكبرى التي كلما حاول الغرب النيل منها أو القدح فيها؛ وإذا بها تنقلب وتصبح وقودا؛ يشعل جذوة الإيمان في قلوب المسلمين، ويجعلهم أكثر اعتزازا وحماسا وتمسكا بدينهم؛ مقام النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهو أمر عجيب، ولهذا يعتبر تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرا متجذرا في قلب كل مسلم، لا يمكن تشويهه أو زعزعته، وهو علامة على صدق نبوته وصحة رسالته.

فهذا الانتشار العجيب لدينه ولرسالته، وكذلك استمرارها عبر القرون؛ لم يحدث في أي دين وحضارة قبله، والعجيب في هذا الأمر اعتراف الغرب وعلمائه ومن لم يدن بدينه بعظمته، والشهادة بصدقه وصدق نبوته، ولهذا شاهدنا الحماقات التي ارتكبها بعض الحاقدين على الإسلام؛ سواء ما حدث من قبل الأصوليين الإنجيليين في الغرب، أو ما حصل في الدنمارك، وكيف كانت سببا في عودة المسلمين عودة صادقة إلى دينهم، واتحاد كلمتهم، وظهور صوتهم، وعودتهم إلى التمسك بدينهم وإيقاظ بعض غفلتهم، حتى سمعنا من يتحسر على ما أنفق من أموال؛ لإبعاد الأمة عن دينها، وعن قرآنها، وعن نبيها، ولكن لله الأمر من قبل ومن بعد.

ولعل من القضايا التي يسلم بها الغرب حول النبي ــ - صلى الله عليه وسلم - ــ والتي لا يستطيعون إنكارها، ومن ينكرها مكابر جاحد للحقائق، ولا يعرف ميزان العلم ولا منطق المعرفة ألا وهي: أن المعلومات حول النبي ــ - صلى الله عليه وسلم - ــ الدقيقة، حول حياته ودعوته؛ موثقة توثيقا لا يتطرق إليه الشك ولا يمكن رده.

يقول مراد هوفمان في كتابه: "وبسبب أزمة المصادر في العهد الجديد بعد الآن - حتى بين أوساط رجال الدين المسيحي-؛ بأنه لا أمل في التوثيق التاريخي لحياة المسيح. هناك كثير من المعلومات عن التبشير بالمسيح، أما عن المسيح المبشر فلا يعرف إلا القليل.
وعلى النقيض من ذلك؛ فإن حياة وآثار الرسول الكريم موثقة بكل تفاصيلها، ولا تتوفر معلومات عن أية شخصية من شخصيات العصور القديمة المتأخرة كما تتوفر عن شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -” أ. هـ (الإسلام كما يراه ألماني مسلم).

ومن الجوانب التي جعلت مقام النبوة من عوامل استعصاء الإسلام على الغرب: أن رسالته عالمية في خطابها وفي تشريعاتها؛ فخطابها لكل الناس، كما قال - تعالى -: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}( الأعراف: 158) وقال - تعالى -: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا}(سبأ: 28).
وهي عالمية في تشريعاتها؛ فهي قائمة على العدل والرحمة والمساواة، كما قال - تعالى -: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}(الأنبياء: 107)، وقال - تعالى -: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}(الحجرات: 13).

ومن جوانب عالمية رسالته: شمولها لكل جوانب الحياة، كما قال - تعالى -: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}(الأنعام: 38).
ولهذا كان من أصحابه وأتباعه: العربي القرشي، والحبشي الإفريقي، والفارسي الأعجمي، والرومي الأحمر، ولم يفرق بينهم، بل أعلى من شأن من عمل وآمن بمبادئ رسالته الخالدة.

ولهذا ينبغي على الدعاة، وكل إنسان مثقف؛ أن يظهر جوانب العظمة في سيرته أثناء دعوته لغير المسلمين، وحتى المسلمين، وأن تصبح ثقافة معلومة سهلة يسيرة في أذهان وعقول وقلوب الأجيال القادمة.
نسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يعلي كلمة الحق والدين في كل مكان.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بتصرف.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة