- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:مباحث الأسانيد والرواة
بعد أن ذكرنا ترجمة موجزة لأربعة من فقهاء المدينة السبعة، نأتي إلى ذكر ترجمة من تبقى منهم -المتفق عليهم والمختلف فيهم- :
5- أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، مشهور بكنيته، واسمه على الراجح عبد الله، ولد بالمدينة النبوية سنة بضع وعشرين من الهجرة، وهو ابن الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وأمه تماضر بنت الأصبغ بن عمرو -من أهل دومة الجندل، أدركت حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أول كلبية نكحها قرشي-، وقد أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، فصارت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خالته من الرضاعة، فأخذ عنها كثيرا من الحديث، وتفقه على يديها.
حدث عن: أبيه بشيء قليل لكونه توفي وهو صبي، وعن أبي قتادة وأبي الدرداء وأسامة بن زيد ورافع بن خديج وثوبان وأبي هريرة وأم سلمة وخلق من الصحابة والتابعين، وروى عنه: ابنه عمر، وابن أخيه سعد بن إبراهيم، وعروة، وعامر الشعبي، وسعيد المقبري، وعمرو بن دينار، وعمر بن عبد العزيز، ونافع العمري، والزهري، ويحيى بن أبي كثير، وسلمة بن كهيل، وبكير بن الأشج، وسالم أبو النضر، وأبو الزناد، وغيرهم.
كان إماما ثقة فقيها كثير الحديث، من رجال الطبقة الثانية من التابعين، وكان من سادات قريش، وقد ولي قضاء المدينة النبوية حين كان سعيد بن العاص أميرا عليها في عهد الأمويين.
توفي بالمدينة النبوية سنة أربع وتسعين من الهجرة، في خلافة الوليد بن عبد الملك، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، رحمه الله رحمة واسعة.
6- عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله المدني، ولد بالمدينة النبوية في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو بعيدها، ونشأ بالمدينة وتفقه فيها ونبغ، حتى صار أحد فقهائها المعدودين، كان أبوه عبد الله رجلا صالحا، تولى بعض الأعمال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فحمد سيرته، وأما جده فهو عتبة بن مسعود أخو الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضوان الله عليهم أجمعين.
روى عن: أبيه وعمار بن ياسر وعائشة أم المؤمنين وابن عباس وابن عمر وغيرهم، وروى عنه: أخوه، والزهري، وضمرة بن سعيد المازني، وعراك بن مالك، وموسى بن أبي عائشة، وصالح بن كيسان، وغيرهم.
كان إماما ثقة عالما فقيها كثير الحديث والعلم بالشعر، وكان أعمش ضعيف البصر حتى ذهب بصره في آخر عمره، قال العجلي: "كان أعمش، وكان أحد فقهاء المدينة، ثقة، رجلا صالحا، جامعا للعلم، وهو معلم عمر بن عبد العزيز"، وقال أبو زرعة: "ثقة مأمون إمام"، وقال الزهري: "ما جالست أحدا من العلماء إلا وأرى أني قد أتيت على ما عنده، ما خلا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، فإني لم آته إلا وجدت عنده علما طريفا".
توفي بالمدينة النبوية سنة ثمان وتسعين من الهجرة، وهو ابن بضع وسبعين سنة، رحمه الله رحمة واسعة.
7- سليمان بن يسار الهلالي، أبو أيوب، ولد بالمدينة النبوية في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان مولى لأم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها وأرضاها.
حدث عن أمهات المؤمنين: مولاته ميمونة وأم سلمة وعائشة رضوان الله عليهن، وروى عن: حمزة بن عمرو الأسلمي وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر وجابر وعبد الله بن عباس والمقداد بن الأسود وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم، وروى عنه: أخوه عطاء بن يسار، والزهري، وبكير بن الأشج، وعمرو بن دينار وعمرو بن ميمون بن مهران، وسالم أبو النضر، وربيعة الرأي، وخلق سواهم.
كان من أوعية العلم، ومن أهل الفقه والصلاح والفضل، وكان ابن المسيب يقول للسائل: "اذهب إلى سليمان بن يسار فإنه أعلم من بقي اليوم"، وقال مالك: "كان سليمان من علماء الناس بعد ابن المسيب"، قال أبو زرعة: "ثقة مأمون فاضل عابد"، وقال النسائي: "أحد الأئمة"، وقال ابن سعد: "كان ثقة عالما رفيعا فقيها كثير الحديث".
توفي بالمدينة النبوية سنة سبع ومئة من الهجرة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، رحمه الله رحمة واسعة.
8- سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عمر المدني، ولد بالمدينة النبوية في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأمه أم ولد، وكان سعيد بن المسيب يقول: "أشبه ولد عمر به عبد الله، وأشبه ولد عبد الله به سالم"، وهو من سادات التابعين وعلمائهم وثقاتهم.
حدث عن: أبيه، وعائشة أم المؤمنين، وأبي هريرة، وأبي رافع، وأبي أيوب، وغيرهم، وروى عنه: ابنه أبو بكر، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي، وابن شهاب الزهري، وعبيد الله بن عمر، وغيرهم.
كان مرجع أهل المدينة في الفتوى، وعرف في زمانه بزهده وورعه، حتى قال عنه مالك: "لم يكن أحد في زمان سالم أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه"، وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: "أصح الأسانيد: الزهري عن سالم عن أبيه".
توفي بالمدينة النبوية سنة ست ومئة من الهجرة، في آخر ذي الحجة، وكان هشام بن عبد الملك يومئذ بالمدينة، وكان حج بالناس تلك السنة، ثم قدم المدينة فوافق موت سالم بن عبد الله فصلى عليه، رحمه الله رحمة واسعة.
9- أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المدني، اسمه وكنيته واحد، ولد بالمدينة النبوية في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان أبوه من كبار التابعين وأشراف قومه.
حاول أبو بكر اللحاق بجيش الزبير وطلحة يوم الجمل، لكنه رد هو وعروة بن الزبير لصغر سنهما، ثم كف بصره بعدئذ، فتفرغ للعلم، وتفقه بالمدينة على يد الصحابة وكبار التابعين.
روى عن: أبيه، وعمار بن ياسر، وأبي مسعود الأنصاري، وعائشة، وأم سلمة، وأبي هريرة، ونوفل بن معاوية، ومروان بن الحكم، وعبد الرحمن بن مطيع، وأسماء بنت عميس، وطائفة، وروى عنه: ابناه عبد الله وعبد الملك، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، وعامر الشعبي، وعراك بن مالك، وعمرو بن دينار، والزهري، وعبد ربه بن سعيد، وعكرمة بن خالد، وخلق كثير.
كان إماما ثقة عابدا فقيها مأمونا، قال الواقدي: "كان ثقة فقيها عالما سخيا كثير الحديث"، وقال ابن سعد: "ولد في خلافة عمر، وكان يقال له: راهب قريش لكثرة صلاته، وكان مكفوفا"، وقال ابن خراش: "هو أحد أئمة المسلمين، هو وإخوته يضرب بهم المثل".
توفي بالمدينة النبوية سنة أربع وتسعين من الهجرة، يقول عبد الله بن جعفر المخرمي: "صلى أبو بكر بن عبد الرحمن العصر، فدخل مغتسله فسقط، فجعل يقول: والله ما أحدثت في صدر نهاري هذا شيئا، فما علمت أن الشمس غربت حتى مات"، رحمه الله رحمة واسعة.
وقد ذكرنا ترجمة الأئمة الثلاثة المختلف في كون أحدهم سابع الفقهاء السبعة، إتماما للفائدة، وخروجا من الخلاف، وبالله التوفيق.