اللهم أعني عليهم بسبْعٍ كسبْعِ يوسُف

0 1442

الدعاء على الكفار أو الدعاء لهم له أحوال، فحين يشتد عداؤهم ومحاربتهم للإسلام يدعى عليهم بكف شرهم وهزيمتهم، وحين يرجى إسلامهم يدعى لهم بالهداية، وأحداث السيرة النبوية ومواقفها فيها ما يدل على دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين وكذلك الدعاء عليهم، ومن أحاديث الدعاء لهم ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قدم الطفيل بن عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن دوسا قد عصت، وأبت، فادع الله عليها، فظن الناس أنه يدعو عليهم، فقال: اللهم اهد دوسا وأت بهم).
ومن أحاديث الدعاء على المشركين ما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف) رواه البخاري، قال ابن حجر: "كان صلى الله عليه وسلم تارة يدعو عليهم، وتارة يدعو لهم، فالحالة الأولى حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم، والحالة الثانية حيث تؤمن غائلتهم ويرجى تألفهم كما في قصة دوس".
وقال العيني: " وقد ذكرنا أن دعاء النبي على حالتين: إحداهما: أنه يدعو لهم إذا أمن غائلتهم، ورجا هدايتهم، والأخرى: أنه يدعو عليهم إذا اشتدت شوكتهم، وكثر أذاهم، ولم يأمن من شرهم على المسلمين".

اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول: (اللهم اشدد وطأتك على مضر، وابعث عليهم سنين كسني يوسف) رواه البخاري. وروى مسلم عن مسروق بن الأجدع أنه قال: (كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا ـ وهو مضطجع بيننا ـ فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن قاصا عند أبواب كندة يقص، ويزعم: أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منها كهيئة الزكام، فقال عبد الله وجلس وهو غضبان: يا أيها الناس، اتقوا الله، من علم منكم شيئا فليقل بما يعلم، ومن لا يعلم فليقل: الله أعلم، فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}(ص:86)، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارا قال: اللهم سبع كسبع يوسف). وفي رواية للبخاري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى قريشا استعصوا عليه، فقال: اللهم أعني عليهم (قريش) بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم السنة حتى حصت كل شيء، حتى أكلوا الجلود والميتة، وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان، فأتاه أبو سفيان فقال: أي محمد، إن قومك قد هلكوا، فادع الله أن يكشف عنهم فدعا، ثم قال: تعودوا بعد هذا؟، ثم قرأ: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم}(الدخان:11:10) حتى بلغ {إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون}(الدخان:15). قال عبد الله: والبطشة الكبرى يوم بدر).
قال ابن عاشور في تفسيره: "فالمراد بالناس من قوله: {يغشى الناس} هم المشركون كما هو الغالب في إطلاق لفظ الناس في القرآن، وأنه يكشف زمنا قليلا عنهم إعذارا لهم لعلهم يؤمنون، وأنهم يعودون بعد كشفه إلى ما كانوا عليه، وأن الله يعيده عليهم كما يؤذن بذلك قوله: {إنا كاشفو العذاب قليلا}(الدخان:15).. وإذ قد كانت الآية مكية تعين أن هذا الدخان الذي هو عذاب للمشركين لا يصيب المؤمنين لقوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}(الأنفال:33)، فتعين أن المؤمنين يوم هذا الدخان غير قاطنين بدار الشرك، فهذا الدخان قد حصل بعد الهجرة لا محالة وتعين أنه قد حصل قبل أن يسلم المشركون الذين بمكة وما حولها، فيتعين أنه حصل قبل فتح مكة أو يوم فتح مكة على اختلاف الأقوال. والأصح أن هذا الدخان عني به ما أصاب المشركين من سني القحط بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.. والذي يستخلص من الروايات أن هذا الجوع حل بقريش بعيد الهجرة، وذلك هو الجوع الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: (اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف)، وفي رواية: (اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسنيننيوسف)، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: استسق لمضر، وفي رواية عن مسروق عن ابن مسعود في صحيح البخاري أن الذي أتى النبي هو أبو سفيان. وقال المفسرون: إن أبا سفيان أتاه في ناس من أهل مكة يعني أتوا المدينة لما علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان دعا عليهم بالقحط، فقالوا: إن قومك قد هلكوا فادع الله أن يسقيهم، فدعا".

المتأمل في السيرة النبوية وأحداثها يستوقفه اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء في غزواته ودعوته وجهاده وكافة أموره، ومن ذلك دعاؤه على الكفار حين يكثر أذاهم، وتشتد شوكتهم على الإسلام والمسلمين، كما دعا عليهم يوم الأحزاب بقوله: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب وزلزلهم) رواه البخاري. ودعا عليهم عقب غزوة أحد فقال: (اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك إله الحق) رواه أحمد وصححه الألباني. وكما دعا صلوات الله وسلامه عليه على قريش بقوله: (اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف)، قال ابن بطال: "كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب دخول الناس فى الإسلام، فكان لا يعجل بالدعاء عليهم ما دام يطمع في إجابتهم إلى الإسلام، بل كان يدعو لمن كان يرجو منه الإنابة. ومن لا يرجوه، ويخشى ضره وشوكته: يدعو عليه، كما دعا عليهم بسنين كسني يوسف، ودعا على صناديد قريش لكثرة أذاهم وعداوتهم، فأجيبت دعوته فيهم، فقتلوا ببدر، كما أسلم كثير ممن دعا له بالهدى".. ومن المعلوم أن من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته: سرعة استجابة الله لدعائه، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعوات المستجابة لأصحابه، أو على أعدائه ما لا يحصى، قال القاضي عياض: "وهذا باب واسع جدا، وإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لجماعة، بما دعا لهم وعليهم، متواتر على الجملة، معلوم ضرورة".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة