- اسم الكاتب:أبو عبد الرحمن الإدريسي-إسلام ويب
- التصنيف:تعزيز اليقين
من الغرائز الإنسانية المتأصلة، المركوزة في فطرته، والشاغلة لذهنه ووجدانه، صفة حب البقاء؛ أو بمعنى فلسفي : حب الخلود. فلا يوجد إنسان على وجه البسيطة، لا يحب حياة خالدة، وفرصة ثانية بعد الموت، وهذا ما أجمع عليه الناس والمفكرون وعلماء الاجتماع والنفس، سواء الملحدون منهم أو المؤمنون.
ومن جماليات الحياة الآخرة في الإسلام، أنها راعت هذا التشوف الإنساني، وأشبعت هذه الرغبة الفطرية في البشر، كيف لا والإسلام دين رب البشر، العالم بأحوالهم، فاطرهم وخالقهم ؟
والحياة الآخرة من منظور الإسلام ،هي الحياة الحقيقية الكبرى، أما الحياة الدنيا فهي كالسراب ما تلبث أن تنقضي، يقول الله عز وجل في قرآنه : { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون } (العنكبوت : 64).
فالحياة الدنيا عامرة بالابتلاء، ينغصها الموت، ونقص الثمرات والأنفس والابتلاءات، والكدح والتعب لنيل لقمة العيش، والأسقام والأمراض .. أما الحياة الآخرة فشيء آخر للمؤمنين عكس الحياة الدنيا وأفضل منها .
اقرأ أيها الشاك آيات اليوم الآخر في كتاب الله الحكيم، وعش هول يوم القيامة الكبير، واشعر بزلازل الساعة ترج الأرض تحت قدميك، والجبال تصبح غبارا فانيا، والسماء بأفلاكها وكواكبها مطوية تهييئا لخلق كوني جديد . { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } ( الزمر : 68 ).
تخيل معي عسى أن تكون من المبصرين، ويملأ قلبك الخوف والرجاء، فما أنت ملاق ربك بعدها ؟ ينتظم الناس ليعرضوا على ربهم صفا، فأبشر فقد نلت الخلود الأبدي، لكن من أي الفريقين أنت ؟ هذا هو السؤال العسير . يوم تشرق الأرض بنور ربها ويوضع الكتاب، فهل ستكون مع من قال فيهم الله تعالى : { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا } ( الزمر : 71 ) أم مع الفرقة الأخرى ؟ { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا } ( الزمر : 73 ).
وهذه الجمالية الثانية من جمال اليوم الآخر، وهي حقيقة الفصل بين الخلائق، فصل بين الظالمين والمجرمين، والمؤمنين المتقين، يوم توضع المحكمة الإلهية للقصاص والجزاء، إنه يوم العدل الكوني .
هو موعد جميل لقافلة السالكين إلى الله، يوم يحشرون مع أحبائهم يوم القيامة، مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ألا تحب أن تكون مع نوح وداود وموسى وعيسى ومحمد وباقي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ؟ إذن فآمن، وإلا فأنت مع صناديد الكفر والعصيان في ذلك اليوم ؟ ومن يحب أن يحشر مع إبليس وفرعون وهامان وأبي جهل ؟
أنت بين خيارين الآن أيها الإنسان، أن تعيش الخلد في بلاد الله الخضراء " الجنة " أو أن تعيش الذل الأبدي في بلاد الله الحمراء " جهنم " ؟
أن تعيش في الجنة التي فيها من الملذات الروحية والمادية ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر بقلب بشر، أو تعيش في جهنم حيث شرب الحميم وأكل الغسلين، وتكتوي بذنوبك فيها .
إنها فرصة أخرى يمنحكها الإسلام، فالخلود مضمون في كلتا الحالتين، إنما أنت مخير في أن تعيشها في رخاء وكرامة، أو عذاب ومذلة.
ألا تحب أن ترى الله ؟ خالقك وبارئك ومصورك ؟ المتنزه عن الشبيه والمثال، الذي تقد في صفات الكمال ؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله جميل يحب الجمال) رواه مسلم .
وجمال الله تعالى فوق الوصف، ألا ترى ولله المثل الأعلى منظرا فوق جبل مطل على الغابات، تشقها أنهار جارية، في غروب شمس خلاب ؟ منظر جميل يأسر النفوس، فما بالك بخالقها ؟ تعجز الخلائق عن وصفه ويذهل المؤمنون في سبحات وجهه سبحانه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة، نودوا : يا أهل الجنة، إن لكم موعدا لم تروه، فقالوا : ما هو ؟ ألم تبيض وجوهنا، وتزحزحنا عن النار، وتدخلنا الجنة ؟ . فيكشف الحجاب، فينظرون الله تعالى . فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم منه ..) رواه ابن ماجة وابن خزيمة .
فتأمل، كل نعيم الجنة بحورها وشهواتها وملذاتها، لا تقارب نعمة النظر إلى وجه الله تعالى، فويحك آمن، ماذا تنتظر ؟
فإن في جنة الحياة الآخرة ( إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة، فيها كثبان المسك، فتهب ريح الشمال، فتحثو في وجوههم، وثيابهم، فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم، وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقولون لهم : والله لقد ازددتم حسنـا وجمالا) رواه مسلـم.
هذا ما يوجد في الحياة الآخرة للفائزين وأكثر فصله القرآن والسنة، فتلك مظاهر الحسن والجمال، إن آمنت فزت بسعادة الدارين، أما في الجهة المقابلة أشياء معكوسة نعوذ بالله منها .