غريب الحديث في كتاب الجهاد 2-3

0 1279

في أحاديث كتاب الجهاد من الغريب ما يحتاج إلى بيان معناه، وقد تقدم جزء منها، وهذه طائفة أخرى:

في صحيح البخاري عن أبى أسيد عن أبيه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين اصطففنا يوم بدر: إذا أكثبوكم فارموهم بالنبل واستبقوا نبلكم .

أكثبوكم: بمثلثة ثم موحدة والكثب بفتحتين: القرب، فالمعنى إذا دنوا منكم.
قال ابن حجر: وقد استشكل بأن الذي يليق بالدنو المطاعنة بالرمح والمضاربة بالسيف، وأما الذي يليق برمي النبل فالبعد.

فوجه هذا الإشكال بأن معنى الحديث: الأمر بترك الرمي والقتال حتى يقربوا؛ لأنهم إذا رموهم على بعد قد لا تصل إليهم وتذهب في غير منفعة وإلى ذلك الإشارة بقوله واستبقوا نبلكم ، وعرف بقوله ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم أن المراد بالقرب المطلوب في الرمي قرب نسبي بحيث تنالهم السهام لأقرب قريب بحيث يلتحمون معهم.

في سنن أبي داود عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا غزا قال: اللهم أنت عضدي ونصيري بك أحول وبك أصول وبك أقاتل  .

العضد: الناصر والمعين ، وهم عضدي وأعضادي.
قال الخطابيبك أحول  معناه احتال. قال ابن الأنباري: الحول معناه في كلام العرب الحيلة ، يقال ما للرجل حول وماله محالة ، قال ومنه قولك "لا حول ولا قوة إلا بالله" أي: لا حيلة في دفع سوء، ولا قوة في درك خير إلا بالله.

أصول: قوله: وبك أصول : أي أحمل على العدو حتى أغلبه وأستأصله ، ومنه الصولة بمعنى الحملة والوثبة.

وفي المستدرك عن أبي الزبير أن جابر بن عبد الله حدثهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتخلف في المسير فيزجي الضعيف ويردف ويدعو لهم . أخرجه الحاكم وقال: على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
يزجي: قوله يزجي أي يسوق بهم ، يقال: أزجيت المطية إذا حثثتها في السوق.

في سنن الترمذي عن جرير بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبى -صلى الله عليه وسلم- فأمر لهم بنصف العقل وقال أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين . قالوا يا رسول الله ولم؟ قال:  لا تراءى ناراهما .

لا تراءى ناراهما: قال الخطابي في معناه ثلاثة وجوه : قيل: معناه لا يستوي حكمهما، وقيل: معناه أن الله فرق بين داري الإسلام والكفر ، فلا يجوز لمسلم أن يساكن الكفار في بلادهم حتى إذا أوقدوا نارا كان منهم حيث يراها، وقيل: معناه لا يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يتشبه به في هديه وشكله.

قال: وإنما أمر لهم بنصف العقل ولم يكمل لهم الدية بعد علمه بإسلامهم لأنهم قد أعانوا على أنفسهم بمقامهم بين ظهراني الكفار فكانوا كمن هلك بجناية نفسه وجناية غيره فسقط حصة جنايته من الدية.

وفي صحيح ابن حبان عن رباح بن ربيع قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شىء فبعث رجلا فقال  انظر علام اجتمع هؤلاء فجاء فقال على امرأة قتيل فقال  ما كانت هذه لتقاتل قال وعلى المقدمة خالد بن الوليد فبعث رجلا فقال  قل لخالد لا تقتلن امرأة ولا عسيفا .
العسيف هو: الأجير الذي يأتي للخدمة إذا لم يكن معه سلاح يقاتل به، فإن قاتل فإنه يقتل، ومثله المرأة.

 يقول الخطابي: قلت فيه دليل على أن المرأة إذا قاتلت قتلت ألا ترى أنه جعل العلة في تحريم قتلها أنها لا تقاتل فإذا قاتلت دل على جواز قتلها.تقتل ذا دم:

في البخاري ومسلم عن أبي هريرة يقول بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة. فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال ماذا عندك يا ثمامة . فقال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت... الحديث وفيه أنه أسلم بعد ذلك.

تقتل ذا دم: قال النووي: معنى رواية الأكثر إن تقتل تقتل ذا دم أي: صاحب دم لدمه موقع يشتفي قاتله بقتله ويدرك ثأره لرياسته وعظمته، ويحتمل أن يكون المعنى أنه عليه دم وهو مطلوب به فلا لوم عليك في قتله.

النتنى: في صحيح البخاري عن جبير بن مطعم عن أبيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأسارى بدر: لو كان مطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له .
النتنى: جمع نتن، وهي الجيف المنتنة، لتركتهم له: أي بغير فداء.
قال الطحاوي: وإنما خص المطعم بهذا لأنه لما مات عمه أبو طالب وماتت خديجة خرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة فأقام بها شهرا ثم رجع إلى مكة في جوار المطعم بن عدي فأحب مكافأته لو أمكن.

في صحيح البخاري عن أبي طلحة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه.
العرصة: قال الحافظ ابن حجر: العرصة بفتح المهملتين وسكون الراء بينهما هي البقعة الواسعة بغير بناء من دار وغيرها.

فضربه حتى برد: في صحيح البخاري عن أنس ، رضي الله عنه ، قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر: من ينظر ما فعل أبو جهل ، فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد.
قوله: فضربه حتى برد: بفتح الموحدة والراء أي خمدت حواسه، وهي كناية عن الموت؛ لأن الميت تسكن حركته وأصل البرد السكون قاله الخطابي.

يحذين من الغنيمة: في سنن البيهقي وأصله في صحيح مسلم عن ابن عباس قال : قد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ولم يكن يضرب لهن بسهم ولكن يحذين من الغنيمة.

يحذين من الغنيمة: يعطين، ومنه قول ابن عباس في صحيح مسلم: لما سئل عن العبد والمرأة يحضران القتال؟ قال: ليس لهما شيء إلا أن يحذيا. أي: يعطيا.
ومنه حديث البخاري عن أبي موسى: مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة يقال أحذيت الرجل إذا أعطيته وحذيته أيضا.
قال ابن ولاد : الحذيا والحذيا: ما يعطى الرجل من الغنيمة أو من الجائزة ، وكذلك الحذوة.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة