- اسم الكاتب:أبو عبد الرحمن الإدريسي-إسلام ويب
- التصنيف:تعزيز اليقين
" سبحان الله " كلمة صغيرة يقولها اللسان، لكنها كلمة إجلال وتعظيم، تبجيل وتقديس، ينطقها العبد تنزيها لله عز وجلا حينما ينبهر بعظمته وملكوته، ويدرك هيبته المتجلية في مخلوقاته وأفعاله، فيقف فاغرا فاه في آية من آيات الله الكونية.
أن تسبح الله معناه أن تقر بربوبيته سبحانه، وتقر بجوارحك وتفكيرك أنه عز وجل أعلى من أن يحيط به عقل، أو يتصوره خيال { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ( الشورى : 11 )، ليس كمثله شيء، ولا يحيط به شيء، بل هو يحيط بكل شيء : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } ( الأنعام : 59 ) .
أن تقول سبحان الله معناه أن تستحضر صفات الجمال والجلال، في رحلة كونية عظيمة، تتأمل فيها وتبصر، تتدبر وتعقل، فتلك نملة تسعى في الأرض وتكدح، وذلك طائر يعانق السماء ويسترزق، تلك أم تحنو على صغارها وترضع، وذاك رجل يسعى من أجل أسرته ويعمل، و كواكب تدور في الفلك بإحكام ، وفي الأرض شجرة تملأ الجائع بالثمار، ومياه عذبة تروي العطشان و بخريرها يقف كل رسام مشدوه الإحساس بريشته يرسم الأنهار، وأعماقها عالم والمالحة منها البحار ... كله من خلق الله، فتعجب وقل : سبحان الله .
اقرأ حروف الكون، وتناغم مع تلك العظمة، وقل فيه ما شئت، وانظم في جماله القصائد، واكتب في وصفه الصحائف، لكن لا تنس " سبحان الله ".
فأمم في الأرض، وأمم في السماء، وأخرى في أعماق المحيطات، كل له حياته، ودوره، وكل الخليقة أمم : { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } ( الأنعام : 38 ) .
تلك الأمم والمخلوقات كلها تسبح الله تعالى، طوعا أو كرها، شاءت أم أبت، فذاك عظيم الكون وإلهه، الملك القائم بأمر الكون؛ فاقرأ إن شئت كتاب الذكر والتسبيح الأعظم حين يقول الله تعالى : { تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا } ( الإسراء 44 ) .
ومن هنا كان التسبيح شعار السالكين، والأنبياء والأولياء الصالحين، بل هو دأب الملأ الأعلى : { وله ما في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستسحرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون} ( الأنبياء : 19-20 ).
فتأمل أيها القارئ كلمة " من عنده " وهم الملائكة في العوالم العليا؛ يقول الإمام الألوسي : " وهم الملائكة مطلقا عليهم السلام على ما روي عن قتادة وغيره " -1-.
فلا تحرم نفسك أيها السالك في مدارج الإيمان من فضله، وأنت ترى أنه مقرون مع الصلاة؛ وهي أفضل العبادات وأرقى القربات، " سبحان ربي العظيم " في الركوع، و " سبحان ربي الأعلى " في السجود، فتكون وردا دائما في الصلاة المفروضة والنافلة أيضا، واستزد منها في الأذكار { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } ( المطففين : 26 ).
فجمالية التسبيح فضلا عما ذكرناه آنفا، من تأملات في نفس الإنسان خاصة، ومخلوقات الله عامة، وتدبير الله للكون وتصريفه له ولمآلات البشر وأقدراهم، تتجلى جماليته أيضا في فضله العظيم، وأجره الكبير.
فهذا الإمام البخاري يروي في صحيحه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ) رواه البخـاري.
فالتسبيح لمائة مرة فقط يحط عنك الخطايا وإن كانت مثل زبد البحر في كثرتها وتنوعها، فأي جمال بعد هذا، وأي شيء يقال ؟
والعبد المخلص يدرك نعم الله عليه، ويستحضر عظمة الله في سره وعلانيته، والمحب يفعل ما يرضي حبيبه، ومن أرضى الله تعالى فقد فاز في دنياه وآخرته، فتأمل معي وأبصر حين يروى عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم – قال :( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده).
وأزيدك في فضل التسيح حتى تقف على جمالياته قول النبي – صلى الله عليه وسلم – أم هانيء بنت أبي طالب – رضي الله عنها - : (سبحي الله مائة تسبيحة ، فإنها تعدل لك مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل ) -2-
مائة رقبة ؟ فتصور معي أيها القارئ الفطن، لو استمر الرق في عصرنا، فبكم سيكون تحرير رقبة أو شراء أمة أو عبد ؟ لاشك أنه سيكون أغلى من شراء سيارة، ولكلف آلاف الدراهم والدولارات، واضرب ذلك في مائة، واحسب الأجر لو استطعت، والله يضاعف لمن يشاء !
" أخي يا رفيق الطريق، ليس كل من نطق بعبارة التسبيح قد سبح الله، فسبح الله؛ سبح الله، سبح الله ! تلك لمعة من لمعات التسبيح، وومضة من ومضاته، ومضة أقل من أثر البرق،ضرب هنا ثم انتهى قبل أن تدركه عين ! " -3-
فاغتنم أيها السالك، واتعظ أيها المخالف، وتأمل جمالية التسبيح، واسبح بعقلك وتفكيرك في عبره وعظاته وعالمه، تكن إن شاء الله من المبصرين.
هوامش المقال
-1- روح المعاني للألوسي، تفسير سورة الأنبياء .
-2- أخرجه النسائي والطبراني وابن خزيمة، وصححه الألباني في الصحيح الجامع .
-3- الشيخ فريد الأنصاري، ميثاق العهد في مسالك التعرف إلى الله، ص : 45.