مرضعات الرسول صلى الله عليه وسلم

0 2441

كان من عادة أشراف قريش أن يدفعوا بأطفالهم إلى مراضع من البادية، رغبة في تنشئة أولادهم على القوة والشجاعة، والفصاحة والبلاغة، ومن ثم التمسوا للنبي صلى الله عليه وسلم بعد ولادته مرضعة من البادية ترضعه، وقد ذكر أهل السير أن مرضعات النبي صلي الله عليه وسلم اللاتي تشرفن برضاعته ثلاث نسوة، إضافة إلى أمه آمنة بنت وهب، قال ابن القيم في زاد المعاد: "فصل في أمهاته صلى الله عليه وسلم اللاتي أرضعنه: فمنهن ثويبة مولاة أبي لهب، أرضعته أياما، وأرضعت معه أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي بلبن ابنها مسروح، وأرضعت معهما عمه حمزة بن عبد المطلب، واختلف في إسلامها، فالله أعلم. ثم أرضعته حليمة السعدية بلبن ابنها عبد الله أخي أنيسة، وجدامة وهي الشيماء، أولاد الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي، واختلف في إسلام أبويه من الرضاعة، فالله أعلم. وأرضعت معه ابن عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم عام الفتح، وحسن إسلامه، وكان عمه حمزة مسترضعا في بني سعد بن بكر، فأرضعت أمه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند أمه، فكان حمزة رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهتين: من جهة ثويبة، ومن جهة السعدية".

1 ـ أمه: آمنة بنت وهب:
قال ابن جماعة وغيره: " لما ولدته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمه أرضعته سبعة أيام"، وقد توفيت أم النبي صلى الله عليه وسلم وعمره سبع سنين، قال ابن القيم في "زاد المعاد": "ولا خلاف أن أمه ماتت بين مكة والمدينة بالأبواء منصرفها من المدينة من زيارة أخواله، ولم يستكمل إذ ذاك سبع سنين"، ولم تكمل أمه صلى الله عليه وسلم فترة رضاعته كلها لأنه كان من عادة الشريفات من قريش أنهن لم يكن يرضعن أولادهن، وكانت أمه من شريفات قريش، إضافة إلى أنهم كانوا يحبون لأبنائهم أن يتربوا في البادية.

2 ـ ثويبة مولاة أبي لهب:
ثويبة هي مولاة لأبي لهب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أول امرأة أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إرضاعها للرسول صلى الله عليه وسلم أياما قلائل قبل أن تقدم حليمة السعدية وتأخذه معها لتقوم بإرضاعه. قال الطبري في تاريخه: "أول من أرضع رسول الله صلى عليه وسلم ثويبة بلبن ابن لها يقال له مسروح أياما قبل أن تقدم حليمة، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي"، وقال ابن حجر في الإصابة: "ثويبة التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مولاة أبي لهب".
وعن زينب ابنة أبي سلمة أن أم حبيبة رضي الله عنها أخبرتها أنها قالت: (يا رسول الله، انكح أختي بنت أبي سفيان، فقال: أو تحبين ذلك؟ فقالت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ذلك لا يحل لي، قلت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، قال: بنت أم سلمة؟! قلت: نعم، فقال: لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن، ولا أخواتكن) رواه البخاري. الربيبة هي: بنت الزوجة أو بنت أولادها مهما نزلت بنتها لصلبها، أو بنت أولادها مهما نزلت فهي ربيبة لزوج الأم لا يجوز له أن يتزوجها.
وهذا الحديث رواه البخاري في كتاب النكاح، باب: أمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وكذلك رواه مسلم في كتاب: الرضاع، باب: تحريم الربيبة وأخت المرأة، وكذلك رواه أبو داود في كتاب: النكاح، باب: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، ورواه كذلك النسائي في كتاب: النكاح، باب: تحريم الجمع بين الأختين.

3 ـ حليمة السعدية :
هي حليمة بنت أبي ذؤيب من قبيلة بني سعد بن بكر، وزوجها هو الحارث بن عبد العزى بن رفاعة، وهي أشهر مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم، فهي التي أرضعته حتى أكملت رضاعه، وقد رأت هي وزوجها بشارات ودلائل على فضل وبركة النبي صلى الله عليه وسلم في فترة رضاعته، وقد روي في ذلك حديث حليمة السعدية الطويل المشهور الذي رواه كافة أهل السير، وقال عنه الذهبي: "هذا حديث جيد الإسناد"، وقال ابن كثير: "هذا الحديث قد روي من طرق أخر"وهو من الأحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السيرة والمغازي"، وقد ضعفه الألباني، وفيه: "أنها (حليمة السعدية) خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء‏.‏ قالت‏:‏ وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئا، قالت‏:‏ فخرجت على أتان (أنثى الحمار) لى قمراء (بياض فيه كدرة)، ومعنا شارف (ناقة مسنة) لنا، والله ما تبض بقطرة (ما ترشح بشيء)، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديى ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتانى تلك، فلقد أذمت بالركب (تأخر الركب بسببها) حتى شق ذلك عليهم، ضعفا وعجفا (هزالا)، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها‏:‏ إنه يتيم، وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول‏:‏ يتيم‏!‏ وما عسى أن تصنع أمه وجده، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيرى، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبى‏:‏ والله، إنى لأكره أن أرجع من بين صواحبى ولم آخذ رضيعا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه‏.‏ قال‏:‏ لا عليك أن تفعلى، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة‏.‏ قالت‏:‏ فذهبت إليه وأخذته، وما حملنى على أخذه إلا أنى لم أجد غيره.
قالت‏:‏ فلما أخذته رجعت به إلى رحلى، فلما وضعته في حجرى أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا هي حافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا، فبتنا بخير ليلة، قالت‏:‏ يقول صاحبى حين أصبحنا‏:‏ تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة، قالت‏:‏ فقلت‏:‏ والله إنى لأرجو ذلك‏.‏ قالت‏:‏ ثم خرجنا وركبت أنا أتانى (أنثى الحمار)، وحملته عليها معى، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شىء من حمرهم، حتى إن صواحبى ليقلن لى‏:‏ يا ابنة أبي ذؤيب، ويحك‏!‏ أربعى علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها‏؟‏ فأقول لهن‏:‏ بلى والله، إنها لهي هي، فيقلن‏:‏ والله إن لها شأنا، قالت‏:‏ ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمى تروح على حين قدمنا به معنا شباعا لبنـا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم‏:‏ ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمى شباعا لبنا‏.‏ فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا (شديدا)‏.‏ قالت‏:‏ فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها‏:‏ لو تركت ابني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة، قالت‏:‏ فلم نزل بها حتى ردته معنا‏".

4 ـ امرأة من بني سعد كانت مرضعة لحمزة:

هذه المرأة التي أرضعته صلى الله عليه وسلم مع حمزة من بني سعد وهي غير حليمة السعدية، روى ابن سعد في الطبقات: "عن ابن أبي مليكة أن حمزة كان مسترضعا له عند قوم من بني سعد بن بكر، وكانت أم حمزة قد أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند أمه حليمة"، وفي السيرة الحلبية: "كان حمزة رضي الله عنه مسترضعا عندها في بني سعد، أرضعته صلى الله عليه وسلم يوما وهي عند حليمة، أي فهو (حمزة) رضيعه صلى الله عليه وسلم من جهة ثويبة، ومن جهة تلك المرأة السعدية". وقال ابن القيم: "فكان حمزة رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهتين: من جهة ثويبة، ومن جهة السعدية".

لقد كانت رضاعة النبي صلى الله عليه وسلم ملفتة للنظر، فيها من الإشارات ما يشير إلى علو منزلته وفضله وبركته صلوات الله وسلامه عليه، وهذا ما رأته وروته حليمة السعدية إحدى وأشهر مرضعاته والتي مكث عندها مدة الرضاعة، فبمجرد حلول النبي صلى الله عليه وسلم عليها لإرضاعه ورعايته، امتلأ ثديها باللبن، فارتوى منه صلى الله عليه وسلم هو وابنها، بعد أن كان يبكي ولدها من الجوع لجفاف ثدي أمه، وكذلك امتلأ ضرع ماشيتها باللبن بعد أن كانت يابسة، وأصبحت راحلتها نشطة قوية تسير في مقدمة الركب، بعد أن كانت عاجزة تسير في مؤخرة الركبان، وحيثما حلت أغنام حليمة تجد مرعا خصبا فتشبع

         وبدت في رضاعه معجزات         ليس فيها عن العيون خفاء
         إذ أبته ليتمه مرضعات قلن          ما في اليتيم عنا غناء
         فأتته من آل سعد (حليمة)           فتاة قد أبتها لفقرها الرضعاء
         أرضعته لبانها فسقتها               وبنيها ألبانهن الشياء (الغنم)
         أصبحت شولا (ضعيفة) عجافا     وأمست ما بها شائل ولا عجفاء
     أخصب العيش عندها بعد محل(جوع)  إذ غدا للنبي منها غذاء

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة