وقفات مع الدعوة بالقول

0 702

الدعوة إلى الله تعالى عمل لا يختلف على فضله أحد، وهو مطلب ديني وشرعي، حث عليه القرآن ودعت إليه سنة العدنان.

والدعوة وتبليغ الدين إما أن تكون بالقول، وإما أن تكون بالفعل، أو بالهدي والسمت والسيرة الحسنة.

ولا شك أن القول هو الأصل في التبليغ، والقرآن كلام الله تعالى وهو قوله عز وجل: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}، ونبينا صلى الله عليه وسلم والأنبياء جميعا إنما بلغوا قومهم ما أرسلوا به بكل طريق، ولكن كان القول هو أعظم تلك الطرق ومقدمها.
وكثيرا ما يأمر القرآن نبيه: {قل يا أيها الناس}، {قل للذين كفروا}، {قل إنما أنا بشر}، {قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي}، {وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا}... وكذلك كل الأنبياء قالوا لقومهم ما أمروا بتبليغه لهم {وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}. وكذلك ثمود مع صالح، ولوط وقومه، وشعيب مع أهل مدين، وقبلهم نوح عليه السلام وكذا بقية الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه.

 ضوابط عامة في القول:
ينبغي أن تتوفر في الدعوة القولية بعض الضوابط حتى تؤدي مقصودها وتؤتي ثمرها وأكلها.. وأهم هذه الضوابط:

أولا: الوضوح لا الغموض: بأن يكون الكلام مفهوما للسامع لا لبس فيه ولا إيهام، وذلك بأن يكون بلغته ومعروفا لديه، وإلا لم يكن مبينا ولا مقيما للحجة على المدعوين والمبلغين، ومن أجل هذا أرسل الله الأنبياء من وسط أقوامهم ليكلموهم بلغتهم، وليكونوا أدرى بحالهم قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}، وإنما هذا ليكون البلاغ مبينا كما قال سبحانه: {وما على الرسول إلا البلاغ المبين}.

ثانيا: استعمال الألفاظ القاطعة التي لا تحتمل حقا وباطلا، حتى لا يترك السامع في حيرة من أمره، وحتى لا يلتبس عليه الحق بالباطل؛ ولذا يستحب استعمال الألفاظ الشرعية لأنها محددة وواضحة، وترك الموهم منها.. قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا}، لأن راعنا كانت تقولها اليهود تقصد بها معنى سيئا، فنهى الله المؤمنين عن استعمالها واستبدالها بـ (انظرنا) لأنها لفظة واضحة لا تحتمل السوء.

ضوابط في القائل:
1ـ التأني والتمهل وعدم العجلة في القول حتى يفهم السامع. وكان من هدي النبي أن يعيد الكلام ثلاثا حتى يفهم عنه.

2ـ البعد عن التكلف والتفاصح والتنطع والإتيان بغريب الكلام [وإن من أبغضكم إلي الثرثارون المتشدقون المتفيهقون].

3 ـ التواضع والبعد عن الاستعلاء فإنه ينفـر السامع، فلا يستفيد بالكلام ولا يتأثر به.

4ـ التلطف واستعمال الألفاظ المرغبة في القبول:
فإبراهيم يقول لأبيه مع كل نصيحة {يا أبت ، يا أبت}، وكل نبي يقول لقومه {ياقوم ، ياقوم}، وهو خطاب يدل على التحبب والتودد، وبيان الرغبة في جلب الخير إلى المخاطب مما يجعله أرجى للقبول. أو الرد بلطف.

5ـ استثارة الهمم بذكر طيب الأصل وشرف النسب وكرم العائلة: كأنه يقول: من كان هذا حاله فلا ينبغي أن يجري مع أهل المعاصي وأصحاب النقائص.. وعندما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد الله قال لهم: [يا بني عبد الله إن الله قد أحسن اسم أبيكم].. أي أتموا إحسان الله عليكم بقبول دعوته.

6 ـ عدم المداهنة والنفاق، أو إخفاء الحق، أو كثرة المديح رغبة في سعة إجابة الممدوح.

أنواع القول:
القول في مجال الدعوة والتبليغ أنواع.. منها:
الخطابة، والدرس، والمحاضرة، والمناقشة، والتحديث، والمناظرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكل من هذه الأنواع تتميز عن الأخرى بمميزات خاصة وسمات، ولها خصائصها ومكانها وطريقة الإعداد لها، كما أن لها جمهورها الذي يختلف عن غيرها من أنواع التبليغ بالقول.

ومن القول أيضا الكتابة، فإنها أحد اللسانين كما تقول العرب، ككتابة المقالات، وتأليف الكتب، وإرسال الرسائل وغيرها.

والمقصود: أن يسلك المسلمون والدعاة هذه المسالك كلها، ولا يتركوا منها شيئا، وأن يعطوا كل منها حقه من الاهتمام، حتى تبلغ دعوة الله أكبر قدر من الخلق، ولتكون أهلا لإقبال الناس على دين الله، أو قاطعة للعذر مانعة للحجة بعد التبليغ.
والله تعالى من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة