من أكل برجلٍ مسلمٍ أَكْلَةً.. ومن كُسِي ثوبًا

0 1834

عن وقاص بن ربيعة عن المستورد القرشي رضي الله عنه أنه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم، ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء، فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة) رواه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه والحاكم في مستدركه، وصححه الألباني.

شرح الحديث

يروي لنا الصحابي الجليل: المستورد بن شداد الفهري القرشي رضي الله عنه وأرضاه، هذا التحذير النبوي من ثلاثة أفعال مشينة، تفضي بصاحبها إلى عاقبة وخيمة، وعقوبة شديدة من الله تبارك وتعالى.

أول هذه الأفعال يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (من أكل برجل مسلم أكلة -بالضم أي لقمة أو بالفتح أي مرة من الأكل-): أي بسبب غيبته أو قذفه أو وقوعه في عرضه أو بتعرضه له بالأذية عند من يعاديه، (فإن الله يطعمه مثلها من جهنم): جعل له مثل ما ينال به من نار جهنم.

والمعنى أن من أكل برجل مسلم بالنيل منه عند شخص يعجبه النيل منه أو يريد النيل منه، سواء كان ذلك طعاما حقيقيا أو مالا تحصل عليه من أجل أنه نال أو تكلم في أخيه المسلم، فإن الله تعالى يعاقبه بأن يطعمه مثله في نار جهنم، بحيث يكون جزاؤه من جنس عمله، وفي المقابل ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) رواه الترمذي بإسناد صحيح.

فالطعام أو المال الذي حصله لأجل نيله من عرض أخيه المسلم عند من يرغب في النيل من عرضه، يجازى عليه في الآخرة بأن يطعمه الله تعالى مثله من جهنم، وهذا خسران مبين وبوار عظيم؛ لأنه توصل بهذا النيل من عرض مسلم إلى دنيا زائلة، لن يبارك له فيها، ويكون جزاؤها عقوبة في نار جهنم، وأما من يرد عن عرض أخيه المسلم، فإن الله عز وجل يرد عن وجهه النار يوم القيامة.

وأما الفعل الثاني المذكور في الحديث: (ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم): يقال فيه ما قيل في الفعل الأول، أن من كسي برجل مسلم بالنيل منه عند شخص يعجبه النيل منه أو يريد النيل منه، أو يذهب إلى عدوه فيتكلم فيه بغير الجميل ليجازى عليه بجائزة أو نحوها، سواء كان ذلك ثوبا أو مالا، فإن الله تعالى يعاقبه بأن يكسوه مثله من جهنم، لأنه توصل بهذا النيل من عرض مسلم إلى دنيا زائلة، لن يبارك له فيها، ويكون جزاؤها عقوبة في نار جهنم، وأما من يحمي أخاه المسلم ويذب عنه، فإن الله عز وجل يتولى حمايته ورعايته، كما في حديث معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حمى مؤمنا من منافق، -أراه قال:- بعث الله ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلما بشيء يريد شينه به، حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال) رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني.

وثالث هذه الأفعال: (ومن قام برجل مقام سمعة ورياء، فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة): الباء في قوله (برجل) يحتمل أن تكون للتعدية أو للسببية، ولكل منهما معنى.

فإن كانت للتعدية يكون معناه: من أقام رجلا مقام سمعة ورياء، يعني من أظهر رجلا بالصلاح والتقوى؛ ليعتقد الناس فيه اعتقادا حسنا، ويعزونه ويخدمونه، لينال بسببه المال والجاه، فإن الله يقوم له مقام سمعة ورياء يوم القيامة، بأن يأمر ملائكته بأن يفعلوا معه مثل فعله، ويظهروا أنه كذاب على رؤوس الأشهاد.

وإن كانت للسببية -وهو أقوى وأنسب- كان المعنى: أن من قام بسبب رجل من العظماء من أهل المال أو الجاه أو السلطان مقاما يتظاهر فيه بالصلاح والتقوى ليعتقد فيه، ويصير إليه المال والجاه، أقامه الله مقام المرائين، ويفضحه ويعذبه عذاب المرائين يوم القيامة، نسأل الله تعالى أن يجنبنا مساوئ الأفعال والأقوال، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة