- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
من معاني التسامح: السهولة والحلم، والعفو واللين، والجود والإحسان .. والتسامح خلق نبوي عظيم، وكثيرا ما كان لهذا الخلق النبوي الأثر الكبير في تغيير نفسية من جاء يريد إيذاءه صلى الله عليه وسلم، فقد كان يأتي أحدهم وليس على وجه الأرض من هو أبغض له من النبي صلى الله عليه وسلم، ويعود وليس على وجه الأرض من هو أحب إليه منه، وذلك لتسامحه وعفوه صلوات الله وسلامه عليه.
وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالتسامح والعفو والإحسان، فقال سبحانه: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}(فصلت 35:34)، قال ابن كثير: "وقوله: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} أي: فرق عظيم بين هذه وهذه، {ادفع بالتي هي أحسن} أي: من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه.. وقوله: {فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} وهو الصديق، أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي: قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك. ثم قال: {وما يلقاها إلا الذين صبروا} أي: وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك، فإنه يشق على النفوس، {وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} أي: ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والأخرى".
والسيرة النبوية زاخرة بالمواقف والأحاديث الدالة على جميل عفو وتسامح النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها:
التسامح مع الجاهل والمسيء:
عن أنس رضي الله عنه قال: (كنت أمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه (جذبه) بردائه جبذة شديدة، نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ثم أمر له بعطاء) رواه مسلم، قال النووي: "فيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السيئة بالحسنة، وإعطاء من يتألف قلبه.. وفيه كمال خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه وصفحه". وقال ابن حجر: "وفي الحديث بيان حلمه صلى الله عليه وسلم، وصبره على الأذى في النفس والمال، والتجاوز على جفاء من يريد تألفه على الإسلام، وليتأسى به الولاة بعده في خلقه الجميل من الصفح والإغضاء والدفع بالتي هي أحسن".
التسامح مع الكافر:
تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الكافرين ـ الذين كانوا يقيمون بين المسلمين ولا يعتدون عليهم ولا يقاتلونهم ـ كان تعاملا قائما على التسامح والعدل، فكان يعدل معهم، ويزور مريضهم، ويحسن إلى جاره منهم، فعن أنس رضي الله عنه قال: (كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم.. فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار) رواه البخاري. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: ذبحت شاة لابن عمرو في أهله، فقال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ قالوا: لا، قال: ابعثوا إليه منها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) رواه البخاري.
التسامح والعفو مع الخدم والعمال:
يقول أنس رضي الله عنه خادم النبي صلى الله عليه وسلم عن تسامحه وعفوه صلى الله عليه وسلم معه: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما سبني سبة قط، ولا قال لي أف قط، ولا قال لي لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته) رواه أحمد. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله. وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل) رواه مسلم.. ولا يخلو الخادم من خطأ أو تقصير في خدمته وعمله، ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بالتسامح والعفو عنه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال: اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة) رواه أبو داود وصححه الألباني.
السماحة في البيع والشراء :
البيع والشراء صورة من صور المعاملات اليومية التي تقتضي قدرا كبيرا من السماحة، ولذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحمة للرجل السمح في بيعه وشرائه، فقال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله عبدا سمحا (سهلا) إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا اقتضى (طلب قضاء حقه بسهولة)) رواه البخاري. وقد ذكر البخاري هذا الحديث في صحيحه تحت قوله: "باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع"، وقال ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: "السهولة والسماحة متقاربان في المعنى.. والمراد بالسماحة ترك المضجرة ونحوها. وفيه الحض على السماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحنة، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم".
فائدة : التسامح ليس محمودا على الإطلاق :
التسامح والعفو خلق عظيم، وهو أفضل ـ بالتأكيد ـ من الأخذ بالحق والانتصار للنفس، لقول الله تعالي: {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين}(الشورى:40)، قال ابن كثير: "فشرع العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو.. ولهذا قال هاهنا: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}".
فالعفو والتسامح هو الأفضل والأولى دائما إلا إذا ترتب عليه ما ليس محمودا فيكون عدمه أولي، وقد يتعين عدم العفو إن ترتب على العفو أمر محرم شرعا، قال الشنقيطي: "الانتقام له موضع يحسن فيه, والعفو له موضع كذلك ..
إذا قيل حلم قل فللحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل".
ونبينا صلى الله عليه وسلم مع عظيم عفوه وجميل تسامحه كان يغضب للحق إذا انتهكت حرماته، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله. وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل) رواه مسلم. قال النووي: (قولها: (إلا أن ينتهك شيء من محارم الله) استثناء منقطع، معناه: لكن إذا انتهكت حرمة الله، انتصر لله تعالى، وانتقم ممن ارتكب ذلك، وفي هذا الحديث الحث على العفو والحلم واحتمال الأذى، والانتصار لدين الله تعالى ممن فعل محرما أو نحوه، وفيه أنه يستحب للأئمة والقضاة وسائر ولاة الأمور التخلق بهذا الخلق الكريم، فلا ينتقم لنفسه، ولا يهمل حق الله تعالى".
وقال ابن عثيمين: "حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب أحدا - لا خادما ولا غيره - بيده، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وهذا من كرمه صلى الله عليه وسلم، أنه لا يضرب أحدا على شيء من حقوقه الخاصة به، لأن له أن يعفو عن حقه، وله أن يأخذ بحقه. ولكن إذا انتهكت محارم الله، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يرضى بذلك، ويكون أشد ما يكون أخذا بها، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقر أحدا على ما يغضب الله سبحانه وتعالى، وهكذا ينبغي للإنسان أن يحرص على أخذ العفو، وما عفي من أحوال الناس وأخلاقهم ويعرض عنهم، إلا إذا انتهكت محارم الله، فإنه لا يقر أحدا على ذلك"..
وقد قال السعدي في تفسيره لقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فاصفح الصفح الجميل}(الحجر:85): "هو الصفح الذي لا أذية فيه بل يقابل إساءة المسيء بالإحسان، وذنبه بالغفران، لتنال من ربك جزيل الأجر والثواب، فإن كل ما هو آت فهو قريب، وقد ظهر لي معنى أحسن مما ذكرت هنا، وهو: أن المأمور به هو الصفح الجميل، أي: الحسن الذي قد سلم من الحقد والأذية القولية والفعلية، دون الصفح الذي ليس بجميل، وهو الصفح في غير محله، فلا يصفح حيث اقتضى المقام العقوبة، كعقوبة المعتدين الظالمين الذين لا ينفع فيهم إلا العقوبة، وهذا هو المعنى".
التسامح خلق نبوي كريم، وهو درة السجايا والأخلاق، ويزيد صاحبه عزا كما قال صلى الله عليه وسلم: (وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا) رواه مسلم. وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي الأول على حسن ومكارم الأخلاق، والتي منها التسامح والعفو، والحلم والصبر، وترك الغضب والانتصار للنفس، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا عقبة! صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك) رواه أحمد وصححه الألباني. وقال ابن تيمية: "الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله تعالى هدى ورحمة للعالمين، فإنه كما أرسله بالعلم والهدى والبراهين العقلية والسمعية، فإنه أرسله بالإحسان إلى الناس، والرحمة لهم بلا عوض، وبالصبر على أذاهم".
وقد كان التسامح والعفو النبوي مع استطاعته صلى الله عليه وسلم البطش والانتقام ممن أساء إليه، لكنه كان كما قال الله تعالى له: {فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين}(المائدة:13)
يعفو ويصفح قادرا عمن جنى عملا بقول الله فاعف واصفح