- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خصوصيات الرسول صلى الله عليه وسلم
لا يخفى على مسلم المنزلة العالية الرفيعة التي حباها ربنا عز وجل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد اصطفاه على جميع البشر، وفضله على جميع الأنبياء والرسل، قال الله تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات}(البقرة: 253). قال السعدي: "فكل الأنبياء لو أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، وكان هو إمامهم ومقدمهم ومتبوعهم".. إنه نبينا صلى الله عليه وسلم الذي سماه الله عز وجل في القرآن الكريم بـ : "محمد"، و"أحمد"، وهما يشتملان على الحمد والثناء، قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه عن سب وشتم أم جميل وغيرها من المشركين له: (ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم! يشتمون مذمما، ويلعنون مذمما، وأنا محمد) رواه البخاري.
قال القاضي عياض: "وقد سماه الله تعالى في كتابه محمدا وأحمد، فمن خصائص الله تعالى له أن ضمن أسماءه ثناءه .. فأما اسمه أحمد فأفعل مبالغة من صفة الحمد، ومحمد مفعل مبالغة من كثرة الحمد وتكرره". وقال ابن هبيرة: "في هذا الحديث من الفقه: أن الله سبحانه صرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شر قريش، وعن اسمه صلى الله عليه وسلم، فكانوا يقصدون بشتمهم مذمما، واسم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد". وقال ابن تيمية: "فهم وان قصدوا عينه لكن لما وصفوه بأنه مذمم كان سبهم واقعا على من هو مذمم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم".
هم يشتمون مذمما ومحمد عن شتمهم في معزل وصيان
صان الإله محمدا عن شتمهم في اللفظ والمعنى هما صنوان
وقال ابن القيم في كتابه "جلاء الأفهام" واصفا شيئا من أخلاق وصفات النبي صلى الله عليه وسلم: "ومما يحمد عليه صلى الله عليه وسلم ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه صلى الله عليه وسلم علم أنها خير أخلاق الخلق، وأكرم شمائل الخلق، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أعظم الخلق، وأعظمهم أمانة، وأصدقهم حديثا، وأجودهم وأسخاهم، وأشدهم احتمالا، وأعظمهم عفوا ومغفرة، وكان لا يزيد شدة الجهل عليه إلا حلما.. وأرحم الخلق وأرأفهم بهم، وأعظم الخلق نفعا لهم في دينهم ودنياهم، وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبدا عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالة على المراد، وأصبرهم في مواطن الصبر، وأصدقهم في مواطن اللقاء، وأوفاهم بالعهد والذمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه، وأشدهم تواضعا، وأعظمهم إيثارا على نفسه، وأشد الخلق ذبا (دفاعا) عن أصحابه، وحماية لهم، ودفاعا عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهى عنه، وأوصل الخلق لرحمه".
أفضل الأنبياء والرسل :
إن أفضلية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق بما فيهم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، هي أفضلية قطعية وليست ظنية، وقد أجمع أهل السنة على ذلك، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: "ما خلق الله عز وجل ولا ذرأ من نفس أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد إلا بحياته، فقال تبارك وتعالى: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون}(الحجر:72). قال الشنقيطي: "قوله تعالى: {لعمرك} معناه: أقسم بحياتك، والله جل وعلا له أن يقسم بما شاء من خلقه، ولم يقسم في القرآن بحياة أحد إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك من التشريف له صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى. ولا يجوز لمخلوق أن يحلف بغير الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت)".
وقال عبد الله بن مسعود: "إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، وإن صاحبكم خليل الله، وإن محمدا أكرم الخلق على الله، ثم قرأ: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}(الإسراء: 79).
وقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: "إن أكرم خليقة على الله أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فقيل له: رحمك الله فأين الملائكة؟ فقال للسائل: يا ابن أخي وهل تدري ما الملائكة؟ إنما الملائكة خلق كخلق الأرض، وخلق السماء، وخلق السحاب، وخلق الجبال، وخلق الرياح، وسائر الخلائق، وإن أكرم الخلائق على الله تعالى أبو القاسم صلى الله عليه وسلم".
وذكر ابن تيمية أثر عبد الله بن سلام رضي الله عنه ثم قال: "وما علمت عن أحد من الصحابة ما يخالف ذلك، وهذا هو المشهور عند المنتسبين إلى السنة من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم"، وقـال: "وقد اتفق المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق جاها عند الله، لا جاه لمخلوق أعظم من جاهه، ولا شفاعة أعظم من شفاعته".
وقال القاضي عياض: "تقرر من دليل القرآن وصحيح الأثر وإجماع الأمة كونه صلى الله عليه وسلم أكرم البشر وأفضل الأنبياء". وقال ابن كثير: "فهو صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء، وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، قطعا جزما لا يحتمل النقيض".
وقال البجيرمي في حاشيته على الخطيب: "أفضل الخلق على الإطلاق نبينا إجماعا، ثم الخليل، ثم الكليم (موسى)، ثم عيسى، ثم نوح، ثم باقي المرسلين، ثم الأنبياء، ثم الرسل من الملائكة، ثم باقيهم، ثم صلحاء المؤمنين".
وقال ابن عليش المالكي: "أجمع المسلمون على أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل من باقي المخلوقين من الإنس والملائكة والجن، وشاعت أفضليته وذاعت وصارت كالمعلومات الضرورية حتى عند العوام".
محاسن أصناف النبيين جمة وما قصبات السبق إلا لأحمد
وسطية أهل السنة في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم :
الوسطية التي لا غلو فيها ولا جفاء، هو منهج أهل السنة في محبة وتعظيم نبينا صلى الله عليه .. فلا غلو فيه حتى يرفع إلى منزلة الخالق عز وجل، أو يعتقد فيه ما هو من خصائص الرب سبحانه، كما وقع لبعض المبتدعة الذين عبدوه مع الله، ورفعوه فوق منزلته التي أنزله الله إياها، وقد قال له ربه سبحانه: {قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا}(الجن: 21)، {قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله}(يونس: 49). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني (تبالغوا في مدحي) كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله) رواه البخاري. وعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر، حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين (من الشعر الذي لا مغالاة فيه)) رواه البخاري. قال ابن حجر: "وإنما أنكر عليها ما ذكر من الإطراء حين أطلق علم الغيب له، وهو صفة تختص بالله تعالى".
وعن يحيى بن سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس! لا ترفعوني فوق قدري، فإن الله اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا) رواه الطبراني وصححه الألباني.
وإذا كان الغلو في حبه وتعظيمه مذموما ومنهيا عنه, وليس من منهج أهل السنة، فإن هذا لا يعني أن يتصف المسلم بنقيض ذلك حتى يصل إلى الجفاء معه, فلا يعرف عظم وعلو قدره ومنزلته، وأنه صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله ورسله، فقد فضله الله عز وجل على الخلق والرسل جميعا، بما أعطاه من صفات الكمال وعظيم وكثير المعجزات، وما جمع له من الشمائل والفضائل التي لم تجتمع في أحد إلا فيه، ومن ذلك ما رواه ابن ماجه وصححه الألباني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر).. ومن ثم فمنهج أهل السنة في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم: لا غلو فيه، فلا يرفع إلى منزلة الخالق عز وجل، أو يعتقد فيه ما هو من خصائص الرب سبحانه، وكذلك لا جفاء معه، فلا يعرف فضله وقدره، ولا يقام بحقوقه عليه، ولا يتأدب معه بما أوجبه الله علينا نحوه صلوات الله وسلامه عليه .