- اسم الكاتب:خطبة للشيخ/ إبراهيم بن علي الحدادي
- التصنيف:محاسن الأخلاق
جاء الإسلام آمرا بالتكافل والرحمة والعطف والإحسان على أبنائه، مرتبا على ذلك الأجور العظيمة، والعطايا الجزيلة، ومن ذلكم: كفالة اليتيم.
وهو: من مات أبوه وهو دون البلوغ.
وقد عد الله -تعالى- كفالته من البر، فقال: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى} (النساء:36).
وجعل الله -تعالى- الإحسان إلى اليتامى قربة من أعظم القربات، ونوعا عظيما من البر، فقال: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملآئكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسآئلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} (البقرة: 177).
ولام الله من لم يهتم به ولم يكرمه، فقال: {كلا بل لا تكرمون اليتيم}(الفجر: 17).
وقرن قهره وظلمه بالتكذيب بيوم الدين: {أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم}(الماعون: 1-2).
ونهى الله -تعالى- نبيه -عليه الصلاة والسلام- أن يقهر أحدا منهم: {فأما اليتيم فلا تقهر}(الضحى: 9).
أي لا تذله ولا تنهره ولا تهنه، ولكن أحسن إليه وتلطف به.
ونهى عن قرب ماله إلا بالحسنى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}(الأنعام: 152).
وبين سبحانه أن إطعام اليتيم والإحسان إليه طريق موصلة إلى الجنة، ونجاة من كرب يوم القيامة، فقال عز وجل: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا}(الإنسان: 8- 12).
ومسح رأسه والحنو عليه تذهب قسوة القلب؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رجلا شكا إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قسوة قلبه، فقال له: "إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم".(أخرجه أحمد وصححه الألباني).
وسأل رجل الإمام أحمد -رحمه الله-: كيف يرق قلبي؟ قال: (ادخل المقبرة، وامسح رأس اليتيم).
ومدح النبي -صلى الله عليه وسلم- نساء قريش لرعايتهن اليتامى، فقال: "خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أحناه على يتيم في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده".(رواه مسلم).
وأطيب المال ما أعطي منه اليتيم، قال عليه الصلاة والسلام: "إن هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المال المسلم ما أعطي منه المسكين واليتيم وابن السبيل".(متفق عليه).
وبشر صلى الله عليه وسلم كافله بمرافقته في الجنة، فقال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين".(متفق عليه).
وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئا، قال ابن بطال: (حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، ولا منزلة أفضل من ذلك).
والمراد بكافل اليتيم: القائم بأموره، من نفقة وكسوة وتأديب من مال الكافل، وكذلك تربيته وحضانته، وغير ذلك مما يحتاجه اليتيم حتى يبلغ، فكفالته تكون بضم كافله معه في بيته، والقيام بمصالحه، سواء كان اليتيم قريبا له. أم كان الكافل أجنبيا عن اليتيم؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كافل اليتيم - له أو لغيره- أنا وهو كهاتين في الجنة، وأشار بالسبابة والوسطى".(رواه مسلم).
وكذلك يدخل في كافل اليتيم: كفالة الأيتام عن طريق الجمعيات الخيرية، بحيث يدفع أموالا ينفق بها على اليتيم، ويربى حتى يبلغ. ويدخل فيه كذلك من يكفل اليتيم من مال اليتيم نفسه، كمن ينفق على اليتيم من المال الذي يأتيه من رواتب تقاعدية وغيرها.
عباد الله: ولا يتولى اليتامى إلا القوي الأمين؛ فقد نهى عليه الصلاة والسلام الضعيف من صحابته أن يتولى على شيء من أموالهم، فقال: "يا أبا ذر: إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال اليتيم"(رواه مسلم).
والواجـب على من يلي أموال اليتيم ويتصرف في أموره: أن يخلص النية لله، وأن لا يتصرف فيها إلا إذا كان في ذلك مصلحة لليتيم؛ لقوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده}(الأنعام: 152).
وأن ينمي مال اليتيم بالطرق المشرعة، وعمل الأصلح له، كما قال ربنا -تبارك وتعالى-: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير}(البقرة: 220).
وأن يحذر من التفريط فيها أو أكلها ظلما، فذلك من الذنوب العظام الموجبة لدخول النار: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}(النساء: 10).
وعد عليه الصلاة والسلام أكل مال اليتيم من السبع الموبقات، فقال: "اجتنبوا السبع الموبقات" وذكر منهن: "وأكل مال اليتيم"(متفق عليه).
وإذا كان التعرض لمال اليتيم بسوء كبيرة من كبائر الذنوب، فالتعرض له بالأذى من ضرب وشتم ونحوه أشد حرمة، فيحرم إذلال اليتيم والتسلط عليه، والتعرض له بشيء يسوؤه بغير حق: {فأما اليتيم فلا تقهر}(الضحى: 9).
والنهي عن قهره أمر بالإحسان إليه، وإدخال السرور عليه.
فيا من ولاك الله أمر اليتم اتق الله فيما ولاك الله، ولا تبخل عليه بالابتسامة الحانية، وبالنصح والتوجيه، وحسن التربية، ولين الكلام، وإدخال البهجة السرر عليه، وأن تكون له أبا رحيما، قال قتادة -رحمه الله-: (كن لليتيم كالأب الرحيم).
وإذا فقد اليتيم أباه تضاعف واجب الأم نحوه، ولقد ضربت أمهات المثل الأعلى في التربية، والقيام بحقوق الأيتام على أكمل وجه؛ فأم موسى رعت ابنها موسى -عليه السلام- واصطفاه الله نبيا: {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون * فرددناه إلى أمه}(القصص: 12-13).
ومريم أحسنت تربيتها لابنها عيسى -عليه السلام-، واختاره الله رسولا.
وهذه أم الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- حضنته أمه وأدبته، وأحسنت تربيته، حتى قال رحمه الله: (كانت أمي توقظني قبل الفجر بوقت طويل وعمري عشر سنوات، وتدفئ لي الماء في الشتاء، ثم نصلي أنا وإياها ما شئنا من صلاة التهجد، ثم تنطلق بي إلى المسجد في طريق بعيد مظلم موحش لتصلي معي صلاة الفجر في المسجد، وتبقى معي حتى منتصف النهار تنتظر فراغي من طلب العلم وحفظ القرآن).
بصبر هذه الأم على اليتيم، أخرجت عالما من علماء المسلمين وأئمتهم.
وغير ذلك نماذج كثيرة مشرقة.
فيجب عليك -أيتها الأم أو الوصي والولي على هؤلاء الأيتام-: الإحسان إليهم في التربية والرحمة، والعطف، والتوجيه الحسن، والتعليم النافع، والأمر بالصلاة، فهي عماد الدين، ومجالسة العلماء، ولزوم الصحبة الصالحة، والتحذير من الفتن.