السلام على مَنْ عرفتَ، وعلى منْ لمْ تعرِف

0 1397

سعادة المجتمع في الأخوة والمحبة بين أفراده، ونبينا صلى الله عليه وسلم أقام المجتمع الإسلامي الأول في المدينة المنورة على الأخوة والمحبة، والألفة والرحمة، حتى أصبح المجتمع بنيانا وجسدا واحدا، قويا متماسكا، متآلفا متحابا، قال الله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}(الفتح: 29)، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. ثم شبك بين أصابعه) رواه البخاري. قال القاضي عياض: "فيه الحض على تعاون المسلمين، وتناصرهم، وتآلفهم، وتواددهم، وتراحمهم"، وقال النووي: "هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم والملاطفة، والتعاضد في غير إثم ولا مكروه".

وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم عند التقائنا بغيرنا في الطريق إلى كثير من السنن والآداب التي تؤدي للتآلف بين القلوب، وتشيع المحبة بين النفوس، ومنها :
1 ـ الابتسامة :
الابتسامة سنة نبوية، وهي أسرع طريق إلى القلوب، وأقرب باب إلى النفوس، ومن الخصال المتفق على استحسانها وامتداح صاحبها، ونبينا صلى الله عليه وسلم مع علو منزلته وكثرة مسئولياته وهمومه كان أكثر الناس تبسما وبشاشة في وجه من يلقاه، وكانت ابتسامته التي اتصف بها لا تفرق بين الغني والفقير، والأسود والأبيض، والصغير والكبير، عرف ذلك وشهد به كل من صاحبه وخالطه، فعن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: (ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه الترمذي وصححه الألباني. وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط (عليه سرور وانشراح)) رواه ابن حبان وصححه الألباني.
قال ابن علان في دليل الفالحين: "أي بوجه ضاحك مستبشر، وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن، ودفع الإيحاش عنه، وجبر خاطره، وبذلك يحصل التأليف المطلوب بين المؤمنين". وقال ابن بطال: "فيه أن لقاء الناس بالتبسم، وطلاقة الوجه، من أخلاق النبوة، وهو مناف للتكبر، وجالب للمودة".
      أخو البشر محبوب على حسن بشره    ولن يعدم البغضاء من كان عابسا
2 ـ إلقاء السلام على من عرفت، وعلى من لم تعرف :
إلقاء السلام من السنن النبوية التي تنشر وتزيد المودة والمحبة بين الناس، وقد جعله الله عز وجل من أسباب دخول الجنة دار السلام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم. قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تؤمنوا حتى تحابوا) معناه: لا يكمل إيمانكم، ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحابب".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال: (تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت، وعلى من لم تعرف) رواه البخاري. قال النووي: "معنى قوله: (تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) تسلم على من لقيته، ولا تخص ذلك بمن تعرف، وفي ذلك إخلاص العمل لله، واستعمال التواضع، وإفشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة". وقال: "وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف، والسلام أول أسباب التألف، ومفتاح استجلاب المودة، وفى إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين".
وقال ابن بطال: "في السلام لغير المعرفة استفتاح للخلطة وباب الأنس، ليكون المؤمنون كلهم إخوة، ولا يستوحش أحد من أحد، وترك السلام لغير المعرفة يشبه صدود المتصارمين المنهي عنه، فينبغي للمؤمن أن يجتنب مثل ذلك".
 
3 ـ المصافحة:
المصافحة عند اللقاء والسلام من الهدي النبوي، وهي تعبير عن المحبة والمودة بين المتصافحين، كما أنها تذهب الكراهية، وقد جاء في فضلها والحث عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا) رواه أبو داود وصححه الألباني. قال المناوي: "(ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان) ذكرين أو أنثيين، (إلا غفر لهما قبل أن يفترقا) فيسن ذلك مؤكدا .. قال النووي: والمصافحة سنة مجمع عليها عند كل لقاء".
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا لقي المسلم أخاه المسلم فأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما من بين أصابعهما كما يتناثر ورق الشجر بالشتاء) رواه الطبراني وصححه الألباني. قال ابن حجر: "الذي دلت عليه صرائح السنة وصرح به النووي وغيره: أنه حيث وجد تلاق بين اثنين سن لكل منهما أن يصافح الآخر".

والأحاديث في فضل المصافحة عند اللقاء تشمل مصافحة الرجل للرجل، والمرأة للمرأة، أما مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه فيحرم ولا يجوز، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة، ما كان يبايعهن إلا بالكلام) رواه مسلم. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مع عصمته ترك مصافحة النساء في البيعة وغيرها، ونهانا عن ذلك، فعلينا أن نترك ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهانا عنه، لأنه أسوتنا وقدوتنا، قال الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}(الأحزاب:21 ). وعن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد (ما يخاط به من الإبرة ونحوها) خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني وصححه الألباني. قال الصنعاني: "ظاهره ولو بغير شهوة، وفيه تحريم لمس الأجنبية". وقال النووي: "وقد قال أصحابنا: كل من حرم النظر إليه حرم مسه، بل المس أشد".

4 ـ الكلمة الطيبة :
الكلمة الطيبة الصادرة من فم مبتسم وارفة الظلال، حسنة الجمال، زكية تعطر أنفاس قائليها ومستقبليها، سواء كانت عند اللقاء أو المجالسة، وهي من السنن النبوية لكل الناس، وليس لأحد دون أحد، قال ابن القيم: "كان صلى الله عليه وسلم أفصح خلق الله، وأعذبهم كلاما، وأسرعهم أداء، وأحلاهم منطقا، حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويسبي الأرواح، ويشهد له بذلك أعداؤه". وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة) رواه البخاري. قال ابن حجر: "من كان حامل الإيمان فهو متصف بالشفقة على خلق الله قولا بالخير، وسكوتا عن الشر، وفعلا لما ينفع، أو تركا لما يضر".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكلمة الطيبة صدقة) رواه البخاري، قال ابن عثيمين في شرح "رياض الصالحين": "كلمة طيبة مثل أن تقول له: كيف أنت؟ كيف حالك؟ كيف إخوانك؟ كيف أهلك؟ وما أشبه ذلك.. لأن هذه من الكلمات الطيبة التي تدخل السرور على صاحبك، كل كلمة طيبة فهي صدقة لك عند الله، وأجر، وثواب".
لقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكثير من السنن والآداب التي تؤلف بين قلوبنا، وتعمق الأخوة في نفوسنا، وتنشر الحب فيما بيننا، عند التقائنا، وفي مجالسنا، وفي معاملاتنا، وفي حياتنا كلها، مثل: الابتسامة والبشاشة، وإفشاء السلام والمصافحة، والكلمة الطيبة والتهادي، والتواضع والرفق، وحسن الخلق والمعاملة، وزيارة المسلم وعيادته إذا مرض، والاهتمام بأمره والقيام بحقه، وقضاء حوائجه .. إلى غير ذلك من الحقوق والآداب التي أمرنا بها نبينا صلى الله عليه وسلم وحثنا عليها بقوله وفعله، والله عز وجل يقول: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}(الأحزاب:21) ويقول: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}(الحشر:7).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة