- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:الإيمان وحقيقته
من مسلمات العقيدة التي قررها أهل السنة والجماعة وخالف فيها غيرهم، أن الإيمان في قلوب العباد لا يستقر على ميزان واحد على الدوام، ولكنه يزيد وينقص، يزيد فيترقى في درجات الكمال، وينقص فيهوي إلى قيعان النقص، ويضعف حتى ربما ذهب بالكلية.
والكلام في هذا المقام كثير ومتشعب، نقتصر فيه هنا على دلائل القرآن على زيادة الإيمان بزيادة الحسنات وإتيان الطاعات، وعلى تفاضل الناس في إيمانهم وأنهم ليسوا على درجة واحدة، لتكون تلك الدلائل القرآنية ردا على بعض الفرق الضالة المخالفة لشريعة الإسلام، والتي تدعي أنه لا يضر مع الإيمان ذنب، وأنه مستقر لا يزيد ولا ينقص، والقرآن مشحون بالآيات التي ترد عليهم وتقرر قضية زيادة الإيمان.
وإذا استعرضنا الآيات الكريمة على كثرتها، نجد أنها تنتظم إلى مجموعات أربع، الأولى تقرر الزيادة بشكل عام، والثانية تتحدث عن زيادة الإيمان بزيادة أفراده وأجزائه، والثالثة تتعلق بتفاضل المؤمنين في إيمانهم، والرابعة تبين اختلاف مآلات المؤمنين وجزائهم يوم القيامة، ودلالة ذلك على زيادة الإيمان.
الأدلة الكلية على زيادة الإيمان
وهي كثيرة جدا، نقتصر فيها على ما يلي:
-قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} (الأنفال:2)، فهذا نص صريح على أن ورود الآيات على القلب تكون سببا في زيادة الإيمان.
-قوله تعالى: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون} (التوبة:124)، وليست الزيادة المقصودة في الآيات مجرد التصديق بها عند نزولها، ولكنه ما يحصل في قلب المؤمن من الرغبة في الخير، والرهبة من الشر، وتنامي الوازع الديني، فزاد علمه بالله ومحبته لطاعته وبغضه لمعصيته، وهذه زيادة الإيمان.
-قوله تعالى: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما} (الأحزاب:22)، عندما اشتد على المؤمنين البلاء، وعظم عليهم الخطب، زاد إيمانهم قوة وثباتا وتأكيدا.
-قوله تعالى: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} (الفتح: 4)، فالله سبحانه وتعالى وهب المؤمنين سكينة وطمأنينة في القلب كانت سببا في ثباتهم على المحن، فتوطنت قلوبهم لملاقاة الشدائد، فزاد بذلك أيمانهم.
زيادة الإيمان بزيادة أفراده
وتوضيح هذه المسألة أن الإيمان شعب، كما ثبت في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إلا إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، والشعب كثيرة وأفرادها عديدة، كالهدى واليقين والصلاح والخشوع، فإذا زادت كل واحدة من هذه الشعب، زاد المجموع بزيادتها، فلو ترقى العبد في خشوعه –والخشوع شعبة من شعب الإيمان- كانت زيادته زيادة في المجموع الكلي للإيمان، وينسحب هذا الكلام على بقية الشعب، وهنا يأتي الكلام عن بعض الآيات في هذا السياق، فمن ذلك:
-قوله تعالى: {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} (الإسراء: 109)، فالمؤمنون تلين قلوبهم عند سماع الذكر، فيزداد بذلك إيمانهم.
-قوله تعالى: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} (ص:43)، والمقصود أنهم عندما انشغلوا بالعلم النافع، والعمل الصالح، شكر الله لهم ذلك، فزاد يقينهم، فعظم إيمانهم.
-قوله تعالى: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى} (الكهف:13)، فقد زادهم الله من الهداية عندما آمنوا به في الأصل، وحققوا التوحيد، وابتعدوا عن دواعي الهوى، فإذا ازداد العبد هداية زادت طاعته، وقلت معصيته، فزاد بذلك إيمانه.
التفاضل يدل على زيادة الإيمان
ليس المؤمنون على درجة واحدة من الإيمان، ولكنهم متفاوتون في ذلك تفاوتا عظيما، وهذا التفاوت يدل على أنهم يتفاضلون فيما وقر في قلوبهم من الإيمان، ولذلك صار بعضهم أفضل من بعض، وهذه الأفضلية مترتبة على اختلاف ما بينهم من الإيمان، وأن إيمان بعضهم ليس كالآخرين، فكان ذلك دالا على أن الإيمان ممكن الزيادة، وبذلك تتضح دلالة الآيات التالية ومثيلاتها:
-قوله تعالى: {انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا} (الإسراء:21)، فتفاضل بعضهم على بعض في إيمانهم، فزاد عند بعضهم ونقص عند آخرين.
-قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما} (النساء:95)، وتفاضلهم ناتج عن زيادة العمل الحاصلة بالجهاد، فهي زيادة في العمل تستتبع زيادة الإيمان.
اختلاف المآلات دال على زيادة الإيمان
لو كان الناس على درجة واحدة من الإيمان لكان الجزاء واحدا يوم القيامة، لأن الله حكم عدل لا يمكن أن يظلم الناس: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (الزلزلة: 7-8).
قال الله تعالى: { أم نجـعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسـدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } (ص: 28)، وقال تعالى {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} (الجاثية: 21) وقال تعالى {أفنجعل المسلمين كالمجرمين* ما لكم كيف تحكمون} (القلم: 35 – 36).
فلما كان المؤمنون على درجات، والعصاة على دركات، دل على أنهم لم يكونوا على درجة واحدة من الإيمان في الدنيا، وهذا ما قرره القرآن في آية واضحة الدلالة: {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير* جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} (فاطر:32-33)، نسأل الله تعالى أن يزيد إيماننا، ويثقل موازيننا.