أثر الذنوب (2-2)

0 1632

في المقال السابق تكلمنا عن بعض آثار الذنوب والمعاصي على الفرد والمجتمع، ونكمل في هذا المقال ما بدأناه فنقول:
الذنوب والمعاصي من أعظم أسباب هلاك الأمم 
انظر - يا أخي- إلى الأمم السابقة الظالمة الجائرة المذنبة العاصية ماذا صنع الله بها؛ لأننا دائما ننسى، فماذا صنع الله بعاد الأولى؟ قال - تعالى -: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية}(الحاقة: 6-7).
والله - جل وعلا - يسأل نبيه فيقول: {فهل ترى لهم من باقية}(الحاقة: 8) أي: هل ترون لهؤلاء الظالمين الأولين من باقية؟ قال الله - جل وعلا -: {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة}(فصلت: 15).
وهذه هي الكلمة الثانية التي ترددها عاد: {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة}(فصلت: 15).
إن الله تعالى هو القوي القهار الجبار القدير العليم الخبير الحكيم، فاملأ قلبك بمعاني هذه الأسماء؛ لتعلم أن كل قوى الأرض ليست شيئا يذكر أمام قوة رب السماء والأرض، قال عز وجل: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}(آل عمران: 26).

كل الأمور بيد الله -عز وجل-
اعلم أخي: أنه لا تسود دولة ولا تزول ، ولا يسود حاكم ولا يزول إلا بأمر من بيده الملك، فهل تتصور أن قاذفة أو صاروخا أو قنبلة أو طائرة تسقط على شبر من الأرض بعيدا عن سمع وبصر الملك؟ الجواب: لا، قال عز وجل: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}(الأنعام: 59).
فلا يوجد جبل في الأرض إلا ويعلم الله ما في وعره، وما من بحر ولا نهر على سطح الأرض إلا ويدري الله ما في قعره، ولا تحمل أنثى ولا تضع على وجه الأرض إلا بعلمه.
جاء حبر من أحبار اليهود إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا محمد! إنا نجد مكتوبا عندنا في التوراة: أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والشجر على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، ثم يهزهن ويقول: أنا الملك، فضحك النبي حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحق، وقرأ النبي قول الله -تعالى-: {وما قدروا الله حق قدره}(الزمر: 67).
فهذه هي مشكلتنا، أي: أننا كما قال تعالى: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون}(الزمر: 67) جل جلاله.
قال تعالى: {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون}(فصلت: 15).
انظر إلى الجواب وانظر إلى النتيجة: {فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون * وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون * ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون}(فصلت: 16-18).

وجوب الثقة بالله -جل وعلا-:
فلا ينبغي أن تهتز ثقتك أيها المسلم في ربك، أو أن يضعف إيمانك بربك - سبحانه وتعالى -، ثم تدبر قول الله - جل وعلا -: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد * وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي * وفرعون ذي الأوتاد * الذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد * فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد} (الفجر: 6-14) انظر إلى فاء الترتيب والتعقيب التي تضمد الجراح.
ثم تدبر -يا أخي- قول ربك: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل عليهم طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصف مأكول}(الفيل: 1-5).
ثم في عصرنا: زالت أنظمة وبادت ممالك وتحولت دول وتغيرت أحوال وأحوال {قل إن الأمر كله لله}

فالأيام دول، فلا ينبغي أن ينظر الناظر إلى قوة دولة ظالمة غاشمة متكبرة متجبرة على أنها هي النهاية لهذا التاريخ ولهذا الكون، فالله - جل وعلا - أخذ الأمم التي انحرفت عن منهجه - سبحانه - جميعا، أخذهم الله - عز وجل - بذنوبهم ومعاصيهم وإعراضهم عن الله -تبارك وتعالى-.

ما المخرج؟
المخرج أنه لا يكفي صلاحك أبدا، بل يجب أن تكون صالحا مصلحا، ولا ينبغي أن تنظر إلى المنكرات وتهز كتفيك وتمضي وكأن الأمر لا يعنيك.
أيها الأفاضل: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في هذا الدين، وهو وظيفة الأنبياء والمرسلين، ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وفشت الضلالة، وعمت الجهالة، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد، فهو شرط من شروط خيرية أمة النبي محمد، كما قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}(آل عمران: 110). فلا ينبغي أن ترى المنكر دون أن تغيره.

من ضوابط تغيير المنكر
لكن اعلم يا أخي أن تغيير المنكر له ضوابط، فحماسك وحده لا يكفي، وإخلاصك وحده لا يكفي، بل لابد أن يكون حماسك وإخلاصك منضبطين بضوابط الشرع؛ حتى لا تفسد من حيث تريد الإصلاح، وحتى لا تضر من حيث تريد النفع، ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
قال ابن القيم لله دره: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل من المعروف ما يحبه الله ورسوله.
وتدبروا -أيها الشباب- فإن كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر من المنكر فهو أمر بمنكر، وسعي في معصية الله ورسوله، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها.
قد يرد علي شاب من شبابنا المتحمس المخلص ويقول: هذه المرحلة كانت مرحلة استضعاف.
لكن تدبر -أيها الحبيب اللبيب- يقول ابن القيم: ولما فتح الله عليه مكة وصارت دار إسلام وعزم على هدم البيت الحرام ورده على قواعد إبراهيم، لم يفعل النبي ذلك مع قدرته على فعل ذلك؛ لأن قريشا كانت حديثة عهد بكفر وقريبة عهد بإسلام.
ثم إن لم تستطع أن تغير هذا المنكر بيدك فبلسانك، بكلمة حلوة رقيقة عذبة.

فيا أخي: بلغ أنت، ودع النتائج إلى الله، قل كلمة جميلة، إن لم تستطع أن تقولها بلسانك أنت فقلها بلسان عالم مخلص أو داعية صادق، بشريط أو بكتاب أو بكتيب أو بمطوية أو برسالة أو بهدية أو بكلمة جميلة، فما عليك إلا أن تزرع، ودع الثمرة لله: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها}(إبراهيم: 24-25).
فشجر الناس منه ما يثمر في الشتاء، ومنه ما يثمر في الصيف، ومنه ما يثمر في الربيع أو الخريف، أما الشجرة الطيبة التي ضربها الله في القرآن مثلا للكلمة الطيبة فهي لا تتأثر بصيف ولا بشتاء، ولا بربيع أو خريف، بل لا تحطمها المعاول، ولا تعصف بها الرياح الهوجاء والأعاصير الشديدة، لأنها متغلغلة في قلب الصخور، وامتدت إلى عنان السماء، إنها الكلمة الطيبة التي تتخطى الحواجز والعقبات والسدود يقينا، فما عليك إلا أن تخرج هذه الكلمة الطيبة بأدب على منهج رسول الله، ودع النتائج بعد ذلك لله - تعالى -.
فإن لم تستطع إنكار المنكر لا بيدك ولا بلسانك فبقلبك، أبغض بقلبك هذا المنكر، وليعلم الله من قلبك هذا البغض للمنكر ورغبتك في زواله، وذلك أضعف الإيمان.
نسأل الله تعالى أن يقينا شر ما صنعنا ، وألا يؤاخذنا بما فعل السفعاء منا.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة