مسلمو قبرص

0 1000
  • اسم الكاتب:وزارة الشئون الاسلامية والأوقاف المملكة العربية السعودية

  • التصنيف:تاريخ و حضارة

الموقع: ثالث جزر البحر المتوسط مساحة، توجد في شرقه، وتبعد عن ساحل تركيا 65 كم، وعن ساحل سوريا 90 كم، وعن أقرب أرض يونانية بحوالي 350 كم، وعن ساحل مصر 400 كم، ومساحتها 9251 كم2، وأكبر طول لها يصل إلى 235 كم، وأقصى عرضها يصل إلى 90 كم، وتقدر مساحة الدولة القبرصية التركية 3700 كم2.

السكان: بلغ عدد سكانها في الآونة الأخيرة حوالي 688,000 نسمة، منهم 551,000 من اليونانيين، 137,000 من الأتراك، وهؤلاء يشكلون الأقلية المسلمة بقبرص، والباقي من اليونانيين وجنسيات أخرى، ومنذ استقلالها تسودها الاضطرابات الطائفية اليونانية التركية، مما أدى إلى تقسيم الجزيرة، ففي القسم الشمالي شكل الأتراك القبارصة حكومة منذ سنة 1395هـ - 1975م، وفي القسم الجنوبي والأوسط حكومة القبارصة اليونانيين منذ الاستقلال، وعاصمتها "نيقوسيا"، وسكانها 125,060 نسمة.

الأرض والمناخ: أرض قبرص عبارة عن سلاسل جبلية توازي الساحل، ففي الشمال جبال كيرينا، وفي الجنوب الغربي جبال ترودوس حيث أعلى قمة جبلية في الجزيرة (جبل أولمبوس)، وفي المتوسط سهول خصبة، ومناخ الجزيرة ينتمي لطراز مناخ البحر المتوسط، فالشتاء معتدل ممطر، والجبال أكثر أمطارا من المنخفضات، وتغطي الثلوج قمم جبال ترودوس في منتصف الشتاء، والصيف حار جاف، ومعتدل على السواحل والمرتفعات.
النشاط البشري: يعيش نصف سكان قبرص على الزراعة، وينتجون القمح والشعير والذرة والفاكهة، والزيتون والعنب. كما يعمل السكان في تربية الثروة الحيوانية، ويعمل فريق في قطع الأخشاب واستخدام المعادن كالحديد والكروم والرصاص، وتشكل السياحة حرفة هامة بالبلاد.
السكان والصراع بين الطائفتين: لقد كان سكان جزيرة قبرص في سنة 1890م (80,000 نسمة)، 60,000 من الأتراك، 20,000 من اليونانيين، هذا قبل أعقاب الاحتلال البريطاني للجزيرة، ثم شجع البريطانيون اليونانيين على الهجرة إلى جزيرة قبرص، وأمام النفوذ اليوناني المتزايد هاجر الأتراك منها، وفي أقل من قرن تناقص عدد الأتراك ، بينما وصل عدد اليونانيين إلى 448,000 نسمة.
والآن يقترب عدد الأتراك المسلمين بقبرص من 137,000 نسمة ، وعدد اليونانيين حوالي 551,000 نسمة، ويعيش معظم الأتراك في القسم الشمالي من الجزيرة، وقد تأسست دولة قبرص التركية الفيدرالية في سنة 1395هـ - 1975م، واعترف بها مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي والذي عقد في سنة 1397هـ بمدينة فاس، كما أكد المؤتمر تأييده لقيام دولة اتحادية ثنائية بجزيرة قبرص من الجاليتين التركية واليونانية حرصا على وحدة الجزيرة.

كيف وصل الإسلام إلى قبرص؟
كانت جزيرة قبرص محل صراع للدول القوية التي عاشت في شرقي البحر المتوسط، فتعاقب عليها الفاتحون منذ منتصف الألف الثانية قبل الميلاد، وكان الرومان آخر الغزاة قبل الإسلام فاحتلوا الجزيرة في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد، وآلت الجزيرة إلى الروم البيزنطيين في سنة 359هـ.
وكانت فتوح الشام جبهة صدام بين الإسلام والروم، وبعد أن فتح المسلمون بلاد الشام، اتخذ الروم من المناطق المجاورة قواعد للإغارة على البلاد الإسلامية، وكانت قبرص إحدى هذه القواعد، ولذا عندما تم بناء الأسطول الإسلامي في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، كان غزو قبرص أحد أهدافه، ففي سنة 28هـ، أرسلت الحملات الإسلامية البحرية إليها من شواطئ مصر والشام، واشترك فيها عدد من الصحابة -عليهم رضوان الله- كان منهم أبو ذر الغفاري، وأبو الدرداء، وشداد بن أوس، وعبادة بن الصامت، وكانت هذه أولى الغزوات الإسلامية البحرية، وتكللت بالنصر بعد أن اختلطت دماء المسلمين بثرى الجزيرة. وفي سنة 34هـ أرسل معاوية بن أبي سفيان حملة ثانية للجزيرة بعد أن تمرد أهلها فأعاد فتحها، وأسكن فيها 12,000 من جند المسلمين، فبنوا المساجد بها. وفي سنة 109هـ أغار الأسطول الإسلامي على جزيرة قبرص مرة أخرى، وذلك على أثر هجمات الروم على البلاد الإسلامية، واستمر الصراع بين المسلمين والروم في شرقي البحر المتوسط طيلة العصر الأموي.

في العصر العباسي: في العصر العباسي شهدت جزيرة قبرص غزوا إسلاميا في عهد هارون الرشيد، بعد أن نشطت مهاجمة الروم للسفن الإسلامية، فغزا المسلمون قبرص في سنتي 174هـ - 190هـ، وهكذا ظلت قبرص محل نزاع بين الروم والمسلمين في العصر العباسي.
في أثناء الحروب الصليبية:
وفي أثناء الحروب الصليبية احتل ريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا قبرص في سنة 587هـ، وبعد فشل الحروب الصليبية هجر العديد من الصليبيين قبرص، وبقي بها المارون حتى الآن، وأصبحت قبرص مركزا لأعمال القرصنة ضد البلاد الإسلامية، فهاجم القبارصة مدينة الإسكندرية في سنة 767هـ، مما اضطر المماليك إلى إرسال العديد من الحملات إلى قبرص، ونجحت إحداها أسر ملك قبرص (جيمس لوزنيان) وحملته أسيرا إلى القاهرة.

في عهد العثمانيين: فتح الأتراك العثمانيون قبرص في سنة 979هـ، وقام الأتراك بالعديد من الأعمال التي أكدت حرية العقيدة للقبارصة، وأعادوا للكنيسة الأرثوذكسية نفوذها بعد أن سلبها البيزنطيون هذا النفوذ لمدة ثلاثة قرون، وظلت تركيا تحكم جزيرة قبرص حتى سنة 1296هـ، عندما فرض البريطانيون على الدولة العثمانية معاهدة عرفت باسم "التحالف الدفاعي"، وأكره فيها السلطان العثماني على قبول الاحتلال البريطاني للجزيرة.

الاحتلال البريطاني والمشكلة القبرصية: وفي ظل الحكم البريطاني لقبرص زادت هجرة اليونانيين إلى الجزيرة، وبالمقابل هاجر الأتراك منها، لا سيما في فترة الحرب العالمية الأولى، فتضاعف عدد اليونانيين وتناقص عدد الأتراك، وبعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى تنازلت عن تبعية قبرص لها في معاهدة لوزان، وتعاقبت الاصطدامات بعد ذلك بين الطائفتين التركية واليونانية، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية طالب القبارصة الأتراك باستغلال الجزيرة.
وبرز في هذه الأثناء الأسقف مكاريوس، وطالب بوحدة الجزيرة، وحاولت اليونان التدخل لضم الجزيرة إليها، وعرضت القضية على هيئة الأمم المتحدة عدة مرات، ولم تصل إلى نتيجة مرضية، وظهرت المنظمات السرية مثل منظمة (أيوكا)، وانتشرت أعمال العنف، وعرضت قضية قبرص مرة أخرى على هيئة الأمم المتحدة في سنة 1367هـ ولم تصل إلى حل، وأمام تفاقم حركات العنف ضد المسلمين الأتراك، اقترحت تركيا تقسيم الجزيرة بينما أصرت اليونان على الاستفتاء، ونتائجه مضمونة بسبب الأغلبية اليونانية، وأمام هذه الأحداث عقد مؤتمر (زيوريخ) بين رئيس وزراء تركيا ورئيس وزراء اليونان، وتوصل إلى عقد اتفاق، وينص على أن تكون قبرص جمهورية مستقلة رئيسها من الجالية اليونانية ونائبه من الجالية التركية، ويضم مجلس الوزراء سبعة من اليونانيين وثلاثة من الأتراك، كما أن المجلس النيابي يضم 70% من اليونانيين و 30% من الأتراك.
ولم يستمر هذا الاتفاق طويلا، فتجددت أعمال العنف ضد المسلمين، واضطرت هيئة الأمم إلى إرسال قوات لحفظ السلام بالجزيرة في سنة 1384هـ ولا تزال ترابط بالجزيرة حتى الآن، ورغم هذا عادت أحداث العنف مرة أخرى، وفي الستينيات من القرن العشرين، قام القبارصة اليونانيون بمذابح ضد المسلمين، فأحرقوا 133 قرية و117 مسجدا.

إعلان الجمهورية القبرصية التركية: أرسلت تركيا قوات السلام للدفاع عن الأتراك في سنة 1394هـ، وتكونت حكومة للأتراك في القسم الشمالي من الجزيرة، وتشكلت الجمهورية القبرصية التركية الفيدرالية في سنة 1395هـ - 1975م، واعترف مؤتمر وزراء خارجية العالم الإسلامي بهذا في سنة 1397هـ، وأكد المؤتمر تأييده لاتحاد المنطقتين التركية واليونانية في اتحاد فيدرالي؛ حرصا على وحدة الجزيرة القبرصية.
وفي عام 1400هـ عقد المؤتمر الإسلامي العالمي الثامن (غير رسمي) في الدولة الاتحادية القبرصية التركية، وحضره ممثلون من 49 بلدا إسلاميا، وحضره عدد كبير من الهيئات والمنظمات الإسلامية، ومن الدول الإسلامية ومن الأقليات المسلمة، وألقى السيد رؤرف دنكتاش رئيس الدولة الاتحادية القبرصية التركية - كلمة عبر فيها عن وضع المسلمين بقبرص، وأصدر المؤتمر عدة قرارات بشأن القضايا الإسلامية ومشاكل الأقليات المسلمة.

وأصبحت القضية القبرصية الإسلامية من القضايا الهامة، لهذا جاء في بيان رابطة العالم الإسلامي المقدم إلى مؤتمر القمة الإسلامي الثالث بمكة المكرمة: أن التطورات الأخيرة التي توالت عليها بعد اتفاق فبراير سنة 1977م، تجعل رابطة العالم الإسلامي تتابع القضية بقلق بالغ، وتستنكر كل محاولة لتغيير نصوص الاتفاق، وتأمل الرابطة من أن تعيد الحكومات الإسلامية النظر في علاقتها بقبرص بما يضمن تحقيق أهداف المسلمين بها، وأمنهم على ديارهم وأهليهم.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة